1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مناجم الذهب الأبيض في بافاريا: علاج وشاهد على تاريخ طويل

صلاح سليمان١١ ديسمبر ٢٠١٢

مناجم الملح في جنوب ألمانيا لا تنتج ملح الطعام فقط، لكنها تستخدم أيضا في علاج أمراض الجهاز التنفسي والأمراض الجلدية المزمنة، فالملح الناتج عنها يتميز بجودته العالية لاحتوائه على عناصر مفيدة لصحة الإنسان.

صورة من: Südsalz GmbH

أحد أهم وأشهر المنتجعات البافارية التي تحتوي علي مناجم وبحيرات الملح هي مدينة باد رايشن هال في أقصى الجنوب المتاخم للنمسا، وتعد المنطقة كنز ألمانيا في إنتاج الذهب الأبيض بخصائصه عالية الجودة. كما تعد المنطقة مهبط السياح من كل دول العالم، ومحط المرضى الباحثين عن العلاج الطبيعي الفعال بعيداً عن الأدوية والعقاقير، فحمامات المدينة الملحية وكهوف الملح فيها تعالج أمراض الجهاز التنفسي والعديد من الأمراض الجلدية وآلام الإجهاد وتشنج العضلات.

الملح عنوان بادر رايشن هال

يستطيع الزائر بعد ساعة زمن واحدة بالسيارة أن يصل من قلب ميونيخ إلى قلب باد رايشن هال، الواقعة في حضن جبال الألب كغيرها من مدن الجنوب البافاري. وأول ما يسترعي انتباه المتجول فيها، هو أن كل شيء فيها يرتبط اسمه بالملح. الشوارع ومحلات البيع والأسواق، إذ يدخل أسم الملح فيها بشكل أو بآخر. السكان فخورون بمدينتهم والسياح يقطعون الشوارع الضيقة وهم ينظرون بفضول إلى أصناف الملح والمنتجات الملحية الأخرى، التي تستخدم في العلاج والمعروضة أمام المحلات: كل شيء في المنتجع يدعو إلى الصحة وطول العمر.

أثناء التجول يشد انتباهك المسنون وهم يدخلون حمامات المدينة من أجل الاعتناء بالصحة. ويمكن وصف المدينة كذلك بأنها منتجع طبي متكامل، بل وفريد لأنها متخصصة في العلاج بالملح. قد يكون هذا النوع من العلاج غير معروف للبعض، لكنه فعال ومؤثر، ويتم العلاج به في الأجواء الطبيعية لمناجم الملح الجبلية أو في الحمامات الملحية التي تعج بها المدينة.

إن زيارة المدينة تتيح للزائر أيضاً فرصة التعرف على طرق استخراج الملح من مناجم جبال الألب، كذلك فإن متحف الملح بها يتيح للزائر التعرف على جزء من ذلك التاريخ الممتد لتلك المنطقة، حيث كان للملح فيها قيمة تفوق قيمة الذهب.

"المناخ داخل مناجم الملح يشبه مناخ البحر، فالهواء فيه نقي للغاية والبقاء فيه لبعض الوقت يساعد علي الاسترخاء والتخلص من التوتر".صورة من: Südsalz GmbH

تقول السيدة شفايغر من مكتب باد رايشن هال للسياحة: "أحد أهم المناجم التي يستخرج منها الملح هو منجم بير شتسغادن القريب من باد رايشن هال، وهو منجم أثري يرجع تاريخه إلى العصور الوسطى، حيث مازالت تُستخرج منه المياه الغنية بالملح، والتي تستخدم في الأغراض الصحية مثل رشاشات الأنف والحلق وغيرها. كما أن المنجم يستخدم للعلاج بكفاءة علي مدار السنة". وتضيف شفايغر قائلة: "المناخ بداخله يشبه مناخ البحر، فالهواء فيه نقي للغاية والبقاء فيه لبعض الوقت يساعد علي الاسترخاء والتخلص من التوتر".

العلاج داخل الكهوف

علة الاستشفاء داخل كهوف الملح ترجع في الأساس إلى تشبع الجو داخلها بأيونات الملح الطبيعي الذي يحتوي على عناصر عديدة مثل الصوديوم واليود والحديد والمغنيسيوم والبوتاسيوم والسيلينيوم، وهي عناصر مفيدة جداً للذين يعانون من أمراض الجهاز التنفسي مثل نوبات الربو والاضطرابات التنفسية الأخرى. وفي هذا السياق تقول شفايغر: "إن الذين يعانون من التوتر وعدم الاتزان النفسي يلجئون أيضاً إلى كهوف الملح فهي تساعدهم على النوم الجيد كما أنها تساعد على نضارة الوجه وتلطيف البشرة".

جلسات العلاج للمرضي تمتد عادة ما بين 8 إلى 10 جلسات، مدة الجلسة تكون حوالي نصف ساعة، وفي تلك الفترة يعمل الملح على قتل البكتريا التي توجد في الجهاز التنفسي أو على الجلد. ويتردد أيضاً على أماكن الاستشفاء في المدينة الرياضيون المجهدون، حيث تساعدهم حمامات الملح على فك التشنجات العضلية التي تصيبهم من جراء التمارين الرياضية العنيفة.

وبعض كهوف الملح في باد رايشن هال تحولت إلى مطاعم، وأخرى تحولت إلى أماكن للمبيت مجهزة بأسرة وأغطية النوم. والقصد من كل ذلك هو أن يحاط الإنسان داخلها بمناخ وبيئة ملحية خالصة، حيث يساعد ذلك كثيراً على الاسترخاء وتخفيف الآلام الناتجة عن الإجهاد.

الكثيرون يأتون للعلاج في كهوف باد رايشن هال من كل دول العالم ومن الدول العربية الخليجية. العلاج بالملح لا ينتج عنه أي أعراض جانبية، لذلك يتزايد الإقبال عليه، فالاسترخاء والمشاعر الإيجابية تغلب على المرضى طوال فترة العلاج.

الملح بصفة عامة من الناحية الطبية هو مادة أساسية مطلوبة لسلامة وصحة الإنسان، فكل سوائل الجسم لا تخلو منه، وهو المعدن الرئيس للبلازما، المادة الأساسية للدم والسوائل التي تعيش فيها الخلايا. فمن دون الصوديوم تجف هذه السوائل متسببة بانخفاض ضغط الدم الذي يمكن أن يؤدي إلى الوفاة في بعض الحالات .

كان نهر السالزاخ أهم مجرى ملاحي اُستخدم في تجارة الملح في العصور الوسطى.صورة من: Salah Soliman

السالزاخ - الممر الملاحي القديم لتجارة الملح

إذا كانت مناجم باد رايشن هال هي درة إنتاج الملح في ألمانيا، فليس بعيداً عنها على الجانب المقابل لنهر السالزاخ أيضاً درة إنتاج الملح في النمسا بلدة هالين. ولا يمكن زيارة باد رايشن هال دون المرور بمناجم هالين، ثم القيام بجولة حول ممر نهر السالزاخ الذي كان أهم مجرى ملاحي اُستخدم في تجارة الملح في العصور الوسطى.

تقول ريناتا شافنبرغر من مكتب سياحة السالزاخ: "كانت تجارة الملح تجارة مربحة في ذلك الوقت، وهي التي أدت إلى إقامة مدينة ثرية على الطراز الباروكي مثل مدينة سالزبورغ". وتضيف المتحدثة بالقول: "نهر السالزاخ لعب دوراً كبيراً في تلك التجارة، وكانت له شهرة كبيرة في نقل الملح من باد رايشن هال ومدينة هالين في النمسا إلى العالم الخارجي". وترى شافنبرغر أن بلدة هالين التي يوجد فيها أكبر مناجم الملح في النمسا، كانت مركزاً رئيسياً لتجارة الملح في العصور القديمة.

نشأت جبال الملح في تلك المنطقة الألبية التي تربط بين مدن شمال النمسا وجنوب ألمانيا جيولوجياً قبل 250 مليون سنة، عندما كان يغطيها بحر عظيم جف فيما بعد.

شافنبرغر: "نهر السالزاخ لعب دوراً كبيراً في تلك التجارة، وكانت له شهرة كبيرة في نقل الملح من باد رايشن هال ومدينة هالين في النمسا إلى العالم الخارجي".صورة من: Salah Soliman

في العصور الوسطى امتهنت الشعوب الأوروبية تجارة الملح حتى القرن التاسع عشر، وامتدت تلك التجارة من أوروبا إلى الشرق الأوسط، حتى وصلت الصين. وكانت طرق الملح هي أول طرق مرور الثروات وتبادلها بين شعوب الأرض، وكان أحد أهم الطرق التي استخدمت لنقل هذه التجارة من مدن النمسا وألمانيا هو نهر السالزاخ، الذي يفصل الحدود بين البلدين على امتداد 60 كلم.

ومن أشهر الشعوب التي عرفت قيمة الملح هم قدماء المصريين الذين تعاملوا معه على أنه عنصر مساوي للحياة نفسها، فقد استخدموه في حفظ الموتى والتحنيط وعلاج الجروح وكانوا أول من حول أمعاء الحيوانات إلى خيوط جراحية باستخدام الملح.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW