مناورات بحرية بين مصر وتركيا .. ما دلالة التوقيت؟
٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥
تبدأ مصر وتركيا يوم الاثنين (22 سبتمبر/أيلول 2025)، أول مناورات بحرية وجوية مشتركة لهما منذ 13 عامًا، تحت اسم "بحر الصداقة"، وتستمر حتى 26 سبتمبر/أيلول، بمشاركة قطع بحرية وجوية من البلدين.
تتزامن هذه المناورات مع اقتراب وصول أسطول الصمود العالمي، الذي يضم أكثر من 500 ناشط من 40 دولة على متن 50 سفينة تحمل 3000 طن من المساعدات الإنسانية، والذي يبحر باتجاه غزة لتحدي الحصار البحري الإسرائيلي على القطاع في ظل الحرب المستمرة.
فرقاطات وغواصات
تأتي المناورات - التي أُطلق عليها اسم "بحر الصداقة" - في ظل استمرار تحسن العلاقات بين القوتين الإقليميتين، ومن المقرر أن يكون مسرحها هو منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، بحسب ما ذكرت وكالة اسوشيتدبرس.
وزارة الدفاع التركية قالت إنه من المتوقع أن يحضر كبار قادة القوات البحرية في البلدين "يوم مراقبة رفيع المستوى" في 25 سبتمبر/أيلول، مما يؤكد أهمية المناورات، بعد أكثر من عقد من العلاقات المتوترة بين البلدين، وفق ما نشرت وكالة أنباء الأناضول.
وقال قائد عسكري تركي كبير لصحيفة يني شفق التركية إن المناورة ستشمل "الفرقاطتين TCG Oruçreis وTCG Gediz، وزورقي الدوريات السريعين TCG İmbat وTCG Bora، والغواصة TCG Gür، وطائرتين F-16، إلى جانب عناصر من البحرية المصرية، وهي المناورات التي تُركز على تعزيز التوافق التشغيلي بين البلدين وعمليات البحث والإنقاذ".
مناورات غير عادية
يرى خبراء أن توقيت إجراء تلك المناورات البحرية وحجم القوات المشاركة من البلدين وثقل القيادات العسكرية التي ستتابع مجرياتها، كلها أمور تشير إلى أنها مناورات غير عادية، وهو ما أكد عليه جواد غوك الكاتب والمحلل السياسي التركي، والذي أضاف خلال اتصال هاتفي من أنقرة مع دويتشه فيله أن "حجم هذه المناورات والتي تأتي بعد عودة العلاقات السياسية بين البلدين وفي هذه الظروف الحساسة هو أمر لافت للانتباه".
ويرى الخبير التركي أن "هناك عدة أهداف من هذه المناورات البحرية منها السياسي ومنها الاقتصادي والعسكري، وكل ذلك يأتي في إطار رؤية "الوطن الأزرق" والذي يمثل إطارًا لسياسة تركيا البحرية، وهو مفهوم ترى تركيا من خلاله أن لها حقوقًا في المياه المحيطة بها، بما تشمله من ثروات وموارد طبيعية، وفي هذا السياق تحسنت العلاقات المصرية التركية بشدة باعتراف مصر بالحدود البحرية التركية وهو ما ثمنته أنقرة للقاهرة كثيراً".
أما اللواء دكتور طيار هشام الحلبي، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، فيرى أن هذا التدريب تدريب قديم وكان يجري دائماً في المكان نفسه في شرق المتوسط بين مصر وتركيا، وتوقف منذ 2013، ثم أعيد تفعيله مرة أخرى، أي أن الأمر هو استعادة لتدريب قديم ويؤشر لتنامي العلاقات المصرية التركية في كل أبعادها بما فيها البعد العسكري، وهو أمر منطقي يقوم على المصالح".
ويضيف الخبير الاستراتيجي المصري أن "هذه التدريبات يُخطط لها منذ فترة ولا تجرى فجأة، ومثل هذا التدريب يستغرق وقتاً طويلاً للتخطيط له ولدراسة حجم القوات المشتركة وأنواعها، وفي رأيي فإن التوقيت ليس له دلالة لكن المعنى له دلالة، فهناك علاقات مصرية تركية متنامية لها مصلحة مشتركة، وهي تعزيز التعاون العسكري ما يعزز قدرة القوات على أن يكون لها تواجد بصورة محترفة في منطقة مهمة كشرق المتوسط".
علاقات استراتيجية: من المواجهة إلى البراغماتية
توترت العلاقات بين مصر وتركيا التي كانت تدعم الرئيس الأسبق محمد مرسي وأقصي عن منصبه في أعقاب احتجاجات حاشدة ضد حكمه، كما توترت العلاقات بين أنقرة والقاهرة أيضًا بسبب اختلاف سياساتهما تجاه ليبيا والحدود البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وتقارب البلدان في عدة ملفات في الآونة الأخيرة وخصوصاً الموقف من الحرب في غزة. ومنذ الاتفاق على إصلاح العلاقات وإعادة تعيين السفراء في 2023، شهدت العلاقات بين البلدين تحسناً كبيراً شمل عدة زيارات بين القادة والمسؤولين الأتراك والمصريين منذ ذلك الحين. وفي القلب من هذه العملية كانت المصافحة الشهيرة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قطر.
ويشير أحمد مرسي، الزميل الزائر بمجلس الشرق الأوسط للعلاقات الدولية، في ورقة بحثية عن العلاقات المصرية التركية إلى أن تطبيع العلاقات بين البلدين خطوة مهمّة بعد عقدٍ من الخصومة، إلّا أنّه لا يعني بالضرورة أنّ مصر وتركيا قد تجاوزتا جميع الخلافات بينهما.
ويضيف مرسي في ورقته البحثية إنه "ومع ذلك، فإنّه من المرجّح أن يدفع ذلك (التطبيع) الطرفين إلى تبنّي نهج براغماتي، وتفعيل القنوات الدبلوماسية المختلفة، بهدف إدارة التباينات والبحث عن أرضية مشتركة. ويكتسب هذا التوجّه أهميّة متزايدة في ظل التحوّلات الإقليمية والدولية المتسارعة، وتنامي التداخل في مصالح البلدين، وكل ذلك أدى الى تحول نوعي في العلاقات بين مصر وتركيا انتقل بهما من منطق المواجهة والمعادلات الصفرية إلى مقاربة أكثر براغماتية لإدارة خلافاتهما".
ويقول جواد غوك، الكاتب والمحلل السياسي التركي، إن تركيا تطورت جداً عسكرياً في الفترة الأخيرة، ومؤخراً قررت مصر أن تشتري طائرات بلا طيار من تركيا، كما أن إنتاج هذه الطائرات سيتم لاحقاً على الأراضي المصرية لتصبح مصر بوابة الانفتاح العسكري التركي على السوق الإفريقي".
حماية لأسطول الصمود؟
وخلال هذه الأيام يقترب أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار عن قطاع غزة، والذي يضم أكثر من 50 سفينة، يشارك فيها آلاف الأشخاص من أكثر من 44 دولة، فيما تتصاعد مخاوف من طريقة تصدي القوات البحرية الإسرائيلية للأسطول.
وبينما تتداول وسائل التواصل الاجتماعي تكهنات حول إمكانية توفير الحماية للأسطول، لم يُصدر أي من البلدين بيانات تربط التدريبات بالقافلة البحرية، فيما تكتفي التصريحات الرسمية بالتأكيد على عمق العلاقات العسكرية الثنائية.
في هذا السياق يقول الكاتب جواد غوك إن "هناك بالفعل تحليلات الآن داخل تركيا تتحدث عن مدى إمكانية حماية الأسطول المدني في حال ما إذا تعرضت إسرائيل له بشكل قاتل". وأضاف أن "المناورات يمكن أن تقول للجانب الإسرائيلي إنه إذا قمتم بمواجهة هذا الأسطول بشكل حاد، فنحن موجودون هنا لحمايته، وهذا الأمر مطروح فعلاً ويقال هنا في التحليلات السياسية أيضاً".
لكن اللواء دكتور هشام الحلبي يرى أن التدريبات المصرية التركية لا علاقة لها بأسطول الصمود، وقال "إنها تدريبات مشتركة شأنها شأن أي تدريب مشترك بين مصر ودول أخرى وبين الدول وبعضها، والتدريب المشترك هو فقط تدريب مشترك ليس له غرض عملياتي".
ويضيف الخبير الاستراتيجي المصري أن "التخطيط لتدريب كهذا يبدأ قبله عدة أشهر وربما قد يصل إلى عام كامل، فعلى سبيل المثال مناورات النجم الساطع يُعد لها قبل عامين من تنفيذها"، مؤكداً أن "التدريب المشترك يبقى في إطاره فقط وليس موجهاً لأحد ولا لحماية أي أحد".
مشهد إقليمي متوتر
التحرك المصري التركي لتعميق تعاونهما يأتي على خلفية مشهد شديد التوتر يشهده الشرق الأوسط، خصوصاً بعد الهزة التي أصابت دول الخليج في أعقاب الضربة الإسرائيلية على قطر، ما أدى إلى أن تبحث دول خليجية عن حلفاء آخرين فاتجهت السعودية الى باكستان، واتجهت الإمارات نحو الهند، فيما تعمق مصر من علاقاتها العسكرية مع تركيا.
وتكثف مصر من مناوراتها العسكرية في الآونة الأخيرة، إذ سبق المناورات البحرية مع تركيا مناورات أخرى جرت مع القوات الجوية الصينية أطلق عليها اسم "نسور الحضارة 2025" والتي سبقتها أيضاً مناورات بحرية مع روسيا.
المناورة البحرية المصرية التركية تأتي أيضاً في أعقاب مناورة بحرية أجرتها اسرائيل في خليج العقبة بالبحر الأحمر الشهر الماضي. وقال مصدر مصري مسؤول لـصحيفة الشرق الأوسط إن "إعلان إسرائيل القيام بمناورة عسكرية في البحر الأحمر، في هذا التوقيت الحساس، غرضه الاستفزاز وجر المنطقة لمزيد من التوتر، وهو ما سيؤثر بالقطع على حركة الملاحة الدولية، ويؤثر على سلاسل الإمداد والتجارة العالمية".
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن المناورة البحرية أثارت غضبًا وقلقًا في مصر، وسط تصاعد التوترات الإقليمية. وأكد موقع "ناتسيف.نت" الإخباري الإسرائيلي أنه في حين ترى القاهرة أن تصرفات إسرائيل محاولات لتهدئة السخط الداخلي المتزايد على الحكومة الإسرائيلية، فإنها لا تعتبر هذه المناورات تهديدًا عسكريًا كبيرًا، نظرًا لتفهم إسرائيل للقدرات العسكرية المصرية.
مناورات إسرائيلية تثير القلق
وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت فإن هذه ليست المرة الأولى التي تجري فيها إسرائيل مثل هذه المناورات، لكن التدريبات الأخيرة أصبحت حساسة بشكل خاص بالنسبة لمصر، التي تواجه بالفعل تحديات ناجمة عن الأحداث في البحر الأحمر، بما في ذلك الوجود العسكري الدولي وهجمات الحوثيين وهو ما أثر بشدة على عائدات قناة السويس.
وحذرت مصر من استمرار "عسكرة" البحر الأحمر وتداعياته على التجارة العالمية والاقتصاد المصري. وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في تصريحات في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن "المزيد من (العسكرة) في البحر الأحمر يشكل ضرراً بالغاً بالتجارة العالمية والاقتصاد المصري".
ويشير مركز أبحاث الفكر للدراسات الاستراتيجية في تركيا إلى أن التقارب بين البلدين تعزز بفضل تحول في السياسة الخارجية التركية مدفوعًا بتغير الديناميكيات الإقليمية والضغوط الداخلية، وخاصةً الاقتصاد. ففي حالة تركيا، يُعد التقارب مع مصر جزءًا من استراتيجية أوسع نطاقًا - ما يمكن أن يسمى التطبيع الإقليمي - التي تنتهجها تركيا في السنوات الأخيرة للتغلب على عزلتها الجيوسياسية في الشرق الأوسط. منذ عام 2021، وبسبب ذلك حسّنت تركيا علاقاتها بشكل ملحوظ مع من كان لديهم وجهات نظر معاكسة في المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والآن مصر.
ويقول جواد غوك الكاتب والمحلل السياسي التركي إن "هناك شكلا جديدا للتعاون المصري التركي وهو تحالف حيوي للغاية وتركيا تهتم به، بسبب الوضع الإقليمي وما تقوم به إسرائيل مؤخراً خصوصاً المناورات البحرية التي قامت بها مع قبرص الجنوبية ومع اليونان"، مؤكداً أن "تركيا لن تسمح بأن تكون إسرائيل قوية في شرق المتوسط".
أما اللواء دكتور هشام الحلبي فقال إن "هناك توسعا إسرائيليا مستمرا في الحرب وصولاً إلى قطر بالإضافة لتصريحات إسرائيل أنها تستطيع أن تطال أي مكان في الشرق الأوسط، وبالتالي فعلى إسرائيل أن تعلم أنها لا تعيش وحدها في الشرق الأوسط وأن هناك قوى أخرى لها اعتبارها ولها مصالحها، ولن يتم ترك المسرح في الشرق الأوسط لإسرائيل منفرده تفعل فيه ما تريد".
تحرير: ف.ي