منسيون في السودان.. أوراق الشجر طعام النازحين في جبال النوبة
ندى فاروق
٢٢ يوليو ٢٠٢٤
ولاية جنوب كردفان، التي تعتبر واحدة من أغنى مناطق السودان بالمحاصيل الزراعية، يخيم عليها شبح الجوع والمجاعة وخاصة في منطقة جبال النوبة، حيث يضطر الناس لأكل أوراق الأشجار وطبخ مسحوق الدوم بدل القمح والذرة!
إعلان
تقع ولاية جنوب كردفان في جنوبي السودان، أراضيها الزراعية خصبة جدًا وتشتهر بزراعة السمسم والذرة والفول السوداني والفاصولياء والبصل والتبغ. مناطق صبوري والقوري إحدى مقاطعات اقليم جبال النوبة بها أكتر من50 ألف مواطن من بينهم 36 ألف نازح هربوا من الحرب.
معاناة سكان هذه المناطق طويلة، وأزماتها مستمرة منذ سنوات، وقد تفاقمت بسب الحرب وازدادت سوء بعد حصار قوات الدعم السريع وعرقلة وصول المساعدات إليها. حيث لا تتمكن المنظمات الإنسانية من إيصال المواد الغذائية والدواء بسبب إغلاق طرق الإمداد وفشل الموسم الزراعي في أغلب الولايات وفي جبال النوبة بشكل خاص، وانعدام محصول الذرة الذي يمثل الغذاء الرئيسي لشعب النوبة بسبب قلة الامطار.
كانت رحله منزولة البكوري (44 عام) طويلة حتى وصلت إلى صبوري والقوري ، وتحدثت عن معاناتها لـ DW عربية ، وقالت إنها تطبخ أوراق شجر اللالوب لسد رمق أطفالها الخمسة، وقد أصبحت أوراق هذه الأشجار بمثابة الوجبة الرئيسية للأسر في جبال النوبة، بعدما نفد مخزونها من الذرة والمواد الغذائية الأخرى نتيجة فشل الموسم الزراعي واستضافة الأسر التي فرت من الحرب فيالخرطوم ومناطق أخرى في السودان.
جوع وفرار من العنف: الحرب المنسية في السودان
26:06
أطفال نازحون يقتاتون على أوراق الأشجار
وبتول التي هي من سكان صبوري والقوري، تحدثت عن معاناة عمتها العجوز خديجة مردوف (78 عاما) التي ليس لديها أولاد، وقالت إنها تطبخ لها مسحوق الدوم بإضافة ماء مغلي إليه وتحضير النشاء منه (أكله سودانية لكنها تحضر من القمح او الدخن). واضافت أن عمتها أصيبت بالإسهال نتيجة ذلك. وهي محتارة في أمرها إذ ليس لديها بديل لتحضير الطعام لعمتها غير أوراق الأشجار والدوم، الذي ذهب حفيدها وأحضره لها بعد رحلته استغرقت 3 أيام.
منذ أكثر من أربعة اشهر تقتات بتول وعمتها على بذور الدوم لعدم توفر حبوب أخرى، وتقول إنهم زرعوا الذرة الموسم الماضي لكن قبل الحصاد، أتى الجراد والطيور على أغلب المحصول، وما تبقي منه نفذ ولا يوجد لديهم بديل غير أكل الدوم وأوراق الشجر التي ستنفد أيضا مع قدوم الخريف، وإذا لم تصلهم مساعدات فلن يتبقى لهم سوى الماء وسيفتك الجوع بهم.
وافادت بتول لـ DW عربية بأنه في الغابات القريبة من القرية هناك عشرات الأطفال بعضهم فقدوا أسرهم بسبب الحرب، يتسلقون أشجار الدوم لقطف ثمارها وأكلها. وأطفال آخرون يجمعون بذور شجر الحميضة من فضلات البهائم ويأكلونها لعدم توفر شيء آخر لأكله!
الجوع يهدد معظم السودانيين!
وفي حوار مع DW عربية قال الدكتور فخر الدين عوض حسن عبد العال من حركه السودان الأخضر ومبادرة بنك البذور، إن السودان يواجه مشكله حقيقة تتمثل في انهيار الاقتصاد بسبب الحرب وفقدان العملة المحلية أكثر من 25 بالمئة من قيمتها، وأضاف بأن "المواطن السوداني يعاني من ضائقة اقتصاديه ضخمه جدا، ولا يؤمن المزارع ولا غيره في السودان قوت يومه، حيث هناك ندره في المواد البترولية وانعدمت كل أسباب الحياة".
وأضاف فخر الدين بأن هناك فجوه غذائية كبيره جدا ليس في جبال النوبة وحدها، وإنما "في كل أنحاء السودان حيث توجد أخطار كبيرة لأن المواطن لا يملك المال. فهناك نقص في النقد وغلاء فاحش جدا في الأسعار" ويتابع موضحا بأنه عند الحديث عن المجاعة "يفهم بأنه لا توجد مواد غذائية إطلاقا، لكن الأمر ليس كذلك. حيث هناك مواد غذائيه، لكن المواطن لا يملك المال لشرائها. عندنا مجاعة في كل السودان وليست في جبال النوبة فقط". وصول أول مساعدات غذائية لدارفور منذ شهور عبر تشاد وتحذير من مجاعة
وصرح الدكتورشبل صهباني، ممثل منظمة الصحة العالمية في السودان يوم الثلاثاء (16 تموز/ يوليو 2024) في المؤتمر الصحفي نصف الأسبوعي لوكالات الأمم المتحدة في جنيف "أصبحت ولايات دارفور وكردفان والخرطوم والجزيرة كلها معزولة عن المساعدات الإنسانية والصحيةبسبب القتال المستمر".
وأضاف المسؤول الأممي بأنه أثناء قيامه بمهمة تقييمية في تشاد المجاورة الأسبوع الماضي، أخبره اللاجئون اليائسون أن "السبب الرئيسي وراء مغادرتهم السودان الآن هو الجوع، والمجاعة. وقالوا إن السبب ليس انعدام الأمن، وليس نقص الوصول إلى الخدمات الأساسية، ولكن لأنهم لايملكون ماياكلونه في مناطقهم".
السودان.. انقلاب عسكري يعصف بالانتقال الديمقراطي
منذ اندلاع الثورة السودانية في ربيع 2019 شهد السودان تجاذبات بين القوى المدنية والعسكر. الرهان كان على المرحلة الانتقالية التي شهدت بدورها صراعات قوية تبدو أن ذروتها سجِّلت في ليلة انقض فيها العسكر على مكتسبات الثورة.
صورة من: Hannibal Hanschke/REUTERS
اعتقالات بالجملة
منذ فجر الاثنين 2021.10.25، تتوالى تقارير إعلامية من السودان تفيد باعتقال الجيش لعددٍ من الوزراء وسياسيين بارزين من بينهم قيادات "قوى الحرية والتغيير" المظلة المدنية التي قادت انتفاضة شعبية أطاحت بنظام الجنرال عمر حسن البشير 2019.04.11. رئيس الوزراء عبد اللّه حمدوك ذُكر في البداية إنه وضع تحت الإقامة الجبرية، وأكدت وزارة الثقافة والاعلام أنه نُقل بدوره إلى مكان مجهول بسبب "رفضه تأييد الانقلاب".
صورة من: Hannibal Hanschke/REUTERS
متمردون سابقون
قائمة المعتقلين حسب وسائل الإعلام تطول تباعا لتشمل أيضا ياسر عرمان، نائب الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان وفق ما نشر حسابه على تويتر. وكانت جماعته المتمردة قد وقعت اتفاق سلام في 2020 مع السلطات الانتقالية متعهدة بالاندماج في الجيش. وعمل ياسر عرمان مؤخرا كمستشار لعبد الله حمدوك.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/N. El-Mofty
إعلاميون وصحفيون
الاعتقالات طالت أيضا إعلاميين وصحفيين، فقد اقتحمت قوات عسكرية مقر الإذاعة والتلفزيون في أم درمان، واحتجزت عدداً من العاملين. فيما تمّ قطع الانترنت، في وقت تواترت فيه تقارير عن توجه عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي إلى تعليق العمل بالوثيقة الدستورية التي تنظم المرحلة الانتقالية في البلاد.
صورة من: Hussein Malla/AP Photo/picture alliance
إعلان طلاق
رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان أعلن الاثنين(2021.10.25) فرض حالة الطوارئ في السودان وحل مجلسي السيادة والوزراء. كما أعلن تعليق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية، وتجميد عمل لجنة إزالة التمكين، وإنهاء عمل ولاة السودان، مشيرا إلى التمسك باتفاق جوبا للسلام. وزارة الإعلام السودانية وصفت إجراءات البرهان بأنها "انقلاب عسكري".
صورة من: picture-alliance/AA
غضب وإنزال أمني
على الفور خرج العشرات من المدنيين لشوارع الخرطوم وتم إحراق الإطارات، كما تم نشرت قوات الدعم السريع في شوارع العاصمة الخرطوم.
صورة من: REUTERS
دعوات للخروج إلى الشارع
مباشرة بعد الاعتقالات دعت القوى الثورية وعلى رأسها "تجمع المهنيين السودانيين" المعارض، في حسابه على فيسبوك، إلى "الخروج للشوارع واحتلالها وإغلاق كل الطرق بالمتاريس، والإضراب العام عن العمل وعدم التعاون مع الانقلابيين، والعصيان المدني في مواجهتهم". رئيس الوزراء حمدوك بدوره طالب بـ "احتلال الشوارع دفاعاً عن الثورة". ذات الدعوات أطلقها أيضا حزبا "الأمة" و"الشيوعي".
صورة من: ASHRAF SHAZLY/AFP via Getty Images
ردود فعل دولية
اجتمعت القوى الدولية بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أن ما حدث في السودان فجر الاثنين انقلاب "مخالف للإعلان الدستوري والتطلعات الديمقراطية للشعب السوداني، وغير مقبول على الإطلاق"، كما جاء على لسان المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان الذي هدّد بوقف المساعدات إلى السودان.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Arboleda
قلق على مستقبل السودان
قلق بالغ على مستقبل السودان شددت عليه تصريحات مسؤولين من الأمم المتحدة ودول غربية وسط مطالبات حثيثة إلى إعادة العملية الانتقالية إلى مسارها الصحيح. الاتحاد الأوروبي دعا إلى الإفراج عن قادة السودان المدنيين وشدد على وجوب "تجنّب العنف وسفك الدماء"، من جهته دعا الإتحاد الأفريقي إلى "الاستئناف الفوري للمشاورات بين المدنيين والعسكريين في إطار الإعلان السياسي والإعلان الدستوري".
صورة من: Giscard Kusema
انقلاب بعد انقلاب
الانقلاب الجديد جاء بعد أربعة أسابيع عن محاولة انقلاب فاشلة لم تفهم تفاصيله بعد. وبعد يومين من تظاهرات حاشدة نزل فيها عشرات الآلاف من السودانيين إلى شوارع المدن، دعماً لانتقال كامل للحكم إلى المدنيين، فيما كان أنصار العسكر يواصلون اعتصاماً أمام القصر الجمهوري وسط العاصمة الخرطوم منذ السبت الماضي، في مؤشر على الانقسام المهيمن على المشهد.
صورة من: picture-alliance/Photoshot
مآل الثورة؟
المشهد اليوم يوحي بنهاية اتفاق 2019، حين وقّع العسكريون والمدنيون الذين كانوا يقودون الحركة الاحتجاجية التي أطاحت بالرئيس البشير، اتفاقًا لتقاسم السلطة نصّ على فترة انتقالية من ثلاث سنوات تم تمديدها لاحقا. وبموجبه، تم تشكيل سلطة تنفيذية من الطرفين، على أن يتم تسليم الحكم لسلطة مدنية إثر انتخابات حرة. غير أن الشروخ اتسعت بين فريق يسعى إلى عودة العسكر إلى الحكم وفريق آخر يريدها "مدنية..مدنية". و.ب