منظمة الأمن والتعاون: طالبو لجوء أقل وعمالة مهاجرة أكبر
٢٠ سبتمبر ٢٠١٩
يطالب تقرير الهجرة الأخير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حكومات دول المنظمة بشفافية أكبر في التعامل مع قضايا المهاجرين، فمن خلال ذلك يتأتى إطلاع مجتمعاتها على مزايا الهجرة دون نكران المشاكل والهروب من حلها.
إعلان
الرقم الأهم يبدو غير مثير للانتباه: في عام 2018 ارتفع عدد المهاجرين الدائمين إلى بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنسبة اثنين في المائة مقارنة مع 2017. وفيما يخص العدد المطلق استقبلت الدول الصناعية الغربية نحو 5.3 مليون مهاجر في السنة الماضية. أما الهدف الأول لهؤلاء فهو الولايات المتحدة الأمريكية تليها ألمانيا. وإلى جانب ألمانيا والولايات المتحدة ينتمي أكثر من 30 بلدا آخر بدخل سنوي أعلى للفرد الواحد إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية/ OECD.
والتفاصيل مثيرة للاهتمام في تقرير الهجرة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لاسيما وأن مجموعات ودوافع مختلفة تقف راء مفهوم الهجرة. والجزء الأكبر من الهجرة شكلته هجرة العمل المؤقتة. ففي 2017 وصل العدد إلى نحو 4.9 مليون شخص وهي زيادة بنسبة 11 في المائة مقارنة مع عام 2016. وربما المفاجئ هو أن بولندا من بين جميع بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي كانت الهدف الأول للعمالة المهاجرة المؤقتة تليها الولايات المتحدة.
وحتى لو أن طالبي اللجوء يأتون في الغالب في مقدمة النقاش حول ذلك، فإنهم شكلوا فقط جزء صغيرا من المهاجرين في عام 2018. وقد انخفض عددهم في 2018 إلى مليون شخص. وبالمقارنة مع سنوات الأرقام القياسية 2015 و 2016 فإن هذا تراجعا بنسبة الثلث. وبين البلدان الأصلية لطالبي اللجوء جاءت أفغانستان قبل سوريا تليهما العراق وفنزويلا. وبسبب انخفاض عدد طالبي اللجوء تراجع أيضا في عام 2018 عدد اللاجئين المسجلين. والأرقام المفصلة الأخيرة تعود هنا لعام 2017. حينها تم إصدار 700.000 رخصة إقامة بالمقارنة مع 900.000 رخصة في عام 2016.
قيــــــود أكــــثر
والكثير من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية شدد سياسته تجاه جميع أشكال الهجرة. وفيما يخص العمالة المهاجرة فإن هذه البلدان تبحث عن مؤهلات أعلى، وتم في الغالب تقييد عمليات لم الشمل العائلي وطلبات اللجوء. غير أن الفرص في سوق العمل بالنسبة للمهاجرين تحسنت. في عام 2018 كان ثلثا المهاجرين في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لديهم وظيفة، وكانت نسبة تشغيلهم أقل بنحو 2.4 بالمائة فقط مقارنة بنسبة تشغيل السكان المحليين. لكن توجد اختلافات كبيرة من بلد لآخر. ففي فرنسا وإيطاليا كان 40 في المائة فقط من المهاجرين بحوزة عمل. ومع تراجع عدد طالبي اللجوء تركز البلدان المستقبلة في الأثناء عوض استقبال مهاجرين جدد على اندماجهم. وهذا يشمل مثلا تعلم اللغة والانسجام مع قيم مجتمعاتهم الجديدة والاعتراف بشهادات التكوين والتعليم.
النظر بجدية إلى القلق
ويتناول التقرير بالنظر إلى عدد المهاجرين المرتفع قلق السكان المحليين. فقضايا مثل من يحق له دخول البلاد والإقامة فيها، وهل من حق المهاجرين استقدام عوائلهم ومن يحق له طلب الجنسية، وما هي انعكاسات الهجرة على المجتمع المستقبل تخضع لجدل في كثير من البلدان. ولذلك فإن مراقبة الهجرة واندماج المهاجرين هي جزء من التحديات الكبرى في كل مجتمع.
لكن الهجرة، كما جاء في التقرير ليست ظاهرة جديدة. فتدفقات الهجرة ماتزال تحتل مستويات قياسية، لكن يوجد في كثير من المجتمعات إدراك مشوه. فالمهاجرون يُستغلون في كثير من الأحيان ككبش فداء لكثير من المشاكل لا علاقة لهم بها. فالكثير من الناس قلصوا الهجرة إلى تلك النابعة من أسباب إنسانية وخلطوا بين الهجرة القانونية وغير الشرعية. وفي الغالب ينشأ الانطباع بأن الهجرة لا يمكن التحكم فيها وهي مكلفة بالنسبة إلى الصناديق الاجتماعية والمهاجرون يسلبون السكان المحليين مواطن عملهم. وهذا الانطباع تواجهه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بحيث أن مختلف التحقيقات نفت هذا الانطباع. فهجرة مسيرة بشكل ذكي يمكن أن تعود بالنفع الاقتصادي والاجتماعي على البلدان المستقبلة والأصلية على حد سواء.
غير أنه سيكون من الخطأ الفادح، تهميش قلق السكان المحليين كما تحذر المنظمة ، لأن الأمر لا يرتبط فقط بقضايا العمل والاقتصاد. ويجب أخذ الشكوك تجاه قابلية الاندماج لدى المهاجرين محمل الجد. ومن الصحيح على سبيل المثال التوقع من المهاجرين قبول قيم وسلوكيات المجتمع المضيف.
يوجد أيضا خاسرون
من المهم الاعتراف أيضا بأن الهجرة في الغالب ذات نفع للمجتمع، لكن ليس لكل فئة اجتماعية. وعلى هذا النحو تكدس مهاجرون ذوو مؤهلات ضعيفة في الغالب في المدن الفقيرة الكبرى. وإذا ما كان عددهم مرتفعا، فإن هذا يضع السكان المحليين ذوي المؤهلات الضعيفة تحت ضغوط. وهنا وجب الاعتراف بإشكالية سوء التوزيع لفوائد ومساوئ الهجرة ومساعدة الخاسرين، كما تحث على ذلك المنظمة.
كما أن تقرير المنظمة يدعو لسياسة إعلامية واضحة من جانب الحكومات. فالسكان المحليين من حقهم معرفة كم عدد اللاجئين والمهاجرين الذين يدخلون البلاد وانطلاقا من أية أسباب وأين كانوا يعيشون ويعملون وما هو مستوى فرص اندماجهم. وهنا يتم ذكر مؤشر القياس الأوروبي الأخير الذي يفيد بأن 60 في المائة من مواطني الاتحاد الأوروبي لا يتوفرون على معلومات كافية حول الهجرة إلى بلدهم. كما أن الأوروبيين يبالغون في العدد الحقيقي للمهاجرين. ويستنتج تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن سياسة الإعلامالحكومية تحتاج إلى تحسين، لأن قبول الهجرة مرهون بشكل رئيسي في مدى تعامل الحكومات بانفتاح مع الموضوع.
كريستوف هاسيلباخ/ م.أ.م
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش