1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

منظومة إس-400... وصفة بوتين للتغلغل في المنطقة العربية؟

إسماعيل عزام | حسن زنيند
١ مارس ٢٠١٨

منظومة "إس-400" الروسية ليست مجرّد صواريخ للدفاع الجوي أو ماركة روسية يُشيد الخبراء بقوتها، بل أداة استراتيجية تُعيد الكثير من نفوذ الاتحاد السوفياتي سابقا بالمنطقة العربية، لكن برؤية جديدة قوامها الربح المالي والسياسي.

Symbolbild Russland-USA - Matruschkas von Trump und Putin
صورة من: picture-alliance/AP Photo/D. Lovetsky

صواريخ إس 400 الروسية وباتريوت الأمريكية في الميزان

01:32

This browser does not support the video element.

لا تمرّ العلاقات السياسية فقط عبر الزيارات واللقاءات التي تترجم تبادل لغة المصالح بين الدول، بل يُستخدم السلاح كذلك وقوداً لصهر هذه العلاقات وتقويتها وأحياناً إخراجها من الجمود. وتُترجم منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية "إس-400" أبرز مثال لـ "ديبلوماسية السلاح" التي تستخدمها وريثة الاتحاد السوفياتي لأجل إعادة ثقلها في العالم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي أضحت مجالاً لاستعراض القوى العالمية لعضلاتها، ضمن خارطة تحالفات تتغيّر باستمرار، لا تحكمها سوى المصالح وحسابات الربح.

منذ دخول هذه المنظومة إلى سلاح الجيش الروسي عام 2007 وهي تلقى اهتماماً دولياً من دول وقوى اقتنعت أن الأمر يتعلّق بواحد من أقوى أسلحة الدفاع الجوي. ورغم أن روسيا عبّرت بدايةً أنها لن تصدّر هذا السلاح خلال السنوات الأولى لاستخدامه من لدن جيشها، إلّا أنها عدلت موقفها لاحقاً. ودخلت في مفاوضات لبيع هذا السلاح، انتهت كثير منها بشكل إيجابي. فالصين بدأت في استيراد صواريخ "إس-400"، وتركيا وقعت رسميا الاتفاق، ومصر وقطر وصلتا إلى مرحلة متقدمة من المفاوضات لجلب هذا السلاح، أما السعودية، فهي في المراحل الأخيرة من المفاوضات.

غيرة أمريكية

من يتتبع سباق تصنيع السلاح بين واشنطن وموسكو سيتأكد أن الأولى لن تكون راضية عن تصنيع الثانية لمنظومة دفاع حصلت على إشادة واسعة من خبراء السلاح. ومن أكثر ما يقلق أمريكا في هذا السياق، هو إقدام دولة حليف لها داخل الناتو، أي تركيا، بشراء هذه المنظومة. لذلك لم تخفِ الإدارة الأمريكية رفضها للاتفاقية الروسية-التركية. فقد صرّح متحدث باسم البنتاغون أن القلق الأمريكي نابع من ضرورة أن تتلاءم جميع أسلحة شركاء حلف الناتو.

ترامب وبوتينصورة من: Getty Images/AFP/S. Loeb

حاولت الولايات المتحدة منذ مدة ردع الشركات الروسية عن التوجه إلى حلفائها عبر سنّ قانون "مُواجهة أعداء أمريكا عبر العقوبات"، الذي حذرت بموجبه واشنطن عدة حكومات من إمكانية التعرّض لعقوبات في حال القيام بشراء أسلحة روسية. وقد استخدمت واشنطن هذا القانون مؤخراً لتحذر بغداد من مغبة الاقتداء بأنقرة بعد ورود تقارير عن بدء مفاوضات مع الجانب الروسي لاقتناء صواريخ S400، لكن العراق نفى رسمياً هذه الأنباء. بيد أنه أكد، على لسان مكتب حيدر العبادي، أن للعراق الحق في استيراد الأسلحة من أيّ دولة في العالم، وليس فقط من الولايات المتحدة.

في هذا السياق يقول الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط، قنسطنتين ترويفسيف، إن هذه الصفقات، وإن كانت تعدّ في المقام الأول مشروعاً تجارياً، فإنها ستشهد عواقب أخرى، من أهمها رفع سقف المنافسة بين أمريكا وروسيا في المجال العسكري والتقني، ما من شأنه التأثير على الوضع في المنطقة وعلى علاقات البلدين المتوترة أصلاً.

ويمضي الخبير في حديثه لـDW عربية، أن موسكو تحاول قطف ثمارٍ سياسية من خلال صفقاتها الأخيرة في الشرق الأوسط. أكبر دليل على ذلك، أنها نجحت في تليين الموقف السعودي الذي لم يعد يرى حرجاً في المشاركة إلى جانب روسيا في حلّ الأزمة السورية.

ويؤكد العميد هشام جابر، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث السياسية، أن انزعاج واشنطن من الصفقات الروسية بالمنطقة يدفعها إلى محاولة عرقلة عقود البيع. ولا يستبعد جابر في حديثه لـDW عربية أن تمارس أمريكا ضغطاً واسعاً على السعودية حتى توقف الصفقة وهي في مراحلها الأخيرة، خاصة وأن أمريكا تمتلك الكثير من وسائل الضغط، أبرزها الصفقة الضخمة التي تمت بين ترامب والملك سلمان مؤخراً.

بوتين والملك سلمانصورة من: picture-alliance/AA/S. Karacan

ويستبعد العميد أن تنافس موسكو بشكل جدي واشنطن فيما يخصّ توريد الأسلحة إلى منطقة الخليج، بما أنه حتى ولو تمت صفقات شراء منظومة S400، فالسلاح الروسي لن يمثل إلّا ما بين 10 و15 بالمئة من تسليح هذه الدول النفطية. لكن أمر المنافسة وارد في تركيا التي ترى أن تنوّع السلاح مهم لها بدل الاقتصار على موّرد واحد، دون الحديث عن إيران التي تعتمد كثيرا على السلاح الروسي، يستدرك جابر.

تضرب كل شيء يتحرك

وتصف وسائل الإعلام الروسية أن صواريخ S400، التي صنعتها شركة "ألماس- أنتاي" بأنها الأكثر تطوّراً في العالم بمجال المنظومات الدفاعية، بما أنها قادرة على إسقاط جميع الطائرات الحربية وإسقاط كل الصواريخ الموجودة حالياً. ويزكي اللواء الركن المتقاعد العراقي، ماجد القيسي، هذا القول، إذ يعقد في حديث مع DW عربية مقارنة بين S400 ومنظومة الباتريوت الأمريكية، فالأولى تكتشف أهدافاً على مدى 600 كلم، بينما لا تكتشفها الثانية سوى على مدى 160 كيلومترا. تستطيع الأولى تدمير هدف على بعد 240 كلم و36 هدفاً في آن واحد، وفي الثانية لا يتعدّى بُعد المدار 160 كيلومترا ولا يتعدى عدد الأهداف المدمرة في آن واحد تسعة.

صواريخ S-400صورة من: DW

هناك سبب آخر للجوء الدول إلى الأسلحة الروسية، حسب ماجد القيسي، من أبرزها أنها أقلّ ثمناً من نظيرتها القادمة من عدة بلدان غربية، وإن كان هذا الأمر لا ينطبق كثيراً على S400 التي أدركت موسكو أنها مطلوبة، خاصة بعد إثبات محدودية الباتريوت في وجه عدد من الهجمات. ثانيها أن الاتحاد السوفياتي كان سابقاً يبيع الأسلحة رفقة التكنولوجيا الخاصة بها، حتى يتمكن المشترون من تطويرها لاحقاً، وهو ما قام به العراق غداة حكم صدام حسين مع صواريخ سكود، لكن موسكو مترددة حالياً في بيع تكنولوجيا S400، وهو سبب تأخر المفاوضات بينها وبين أنقرة، ليصلا في النهاية إلى توافق بشأن منح بعض تقنيات التكنولوجيا.

صواريخ قد تغيّر وجه المنطقة

يًفرك بوتين يديه فرحاً وهو يرى كيف أن منظومة تحمل اسم بلاده تؤثر بكل هذه الطريقة في منطقة كانت واشنطن متأكدة أنها تشكّل حديقتها الخلفية. وما يعزّز ثقة بوتين هو قلق إسرائيل من قرب حصول بلدان في الشرق الأوسط على هذه المنظومة الدفاعية. أسباب هذا القلق لا تعود فقط لكون البلدان المعنية توجد على المستوى النظري في قائمة مناوئي إسرائيل، بل لأن واشنطن كانت على الدوام تُزوّد البلدان العربية بأسلحة أقلّ جودة من تلك التي تمنحها لإسرائيل، بغرض ضمان التفوّق الإسرائيلي في حالة وقوع أيّ حرب، حسب حديث العميد هشام الجابر لـDW عربية.

 لكن ما يقلّل مخاوف إسرائيل هو أن غالبية دول المنطقة التي تتعاطف مع الفلسطينيين، خاصة دول الخليج، باتت ترى في إيران العدو الأساسي، متبنية بذلك الرواية الأمريكية، لذلك تقتنع إسرائيل أنها لن تتأثر سلباً كثيرا بالتسليح الروسي للعرب وللأتراك، وفق توضيحات العميد هشام الجابر. حديث الجابر يجد صدىً له في الكثير من الوقائع، فغالبية دول المنطقة لا تمانع من حيث المبدأ تحقيق سلام مستدامٍ مع إسرائيل، بل إن منها من يملك علاقات قوية معها كتركيا. الاستثناء الوحيد يأتي من سوريا التي لا تزال تضع نفسها ضمن خط الممانعة، مُعتمدة في ذلك على تحالف قوي مع إيران، وبدرجة أقل العراق التي يتنامى فيها النفوذ الإيراني.

ولكي توقف الولايات المتحدة أيّ مفاجأة قادمة من سوريا، وتقف بالتالي في وجه محاولة روسيا توسيع نفوذها بالشرق الأوسط، يرى الخبير الروسي قنسطنتين ترويفسيف أن واشنطن غيرّت من تكتيكها في شمال شرق سوريا، وأضحت أنها ترغب بالبقاء في البلد بدل الانسحاب منه. كما تشارك بشكل قوي في تأسيس مَحاور بالمنطقة، تجمعها بالسعودية وإسرائيل، فضلاً عن تغييرها لدورها في النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي بنقلها سفارتها إلى القدس ومحاولتها مراجعة الاتفاق النووي مع إيران.

 إسماعيل عزام

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW