1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

من المسؤول عن الاقتتال الطائفي في العراق؟

٢٢ سبتمبر ٢٠١١
الميلشيات نتاج الصراع الطائفي وليست سببا لهصورة من: AP

يرى د. عبد الخالق حسين ان واقعة تفجير الضريحين المقدسين في سامراء هي التي فجرت العنف الطائفي ، إذ كان المرجع الشيعي الأكبر، السيد علي السيستاني، يدعو الشيعة إلى الهدوء وضبط النفس وعدم الرد بالمثل قبل تفجير ضريحي الإمامين الشيعيين، ، ولكن بعد حادث الضريحين انفجر العنف المضاد من جانب الشيعة، وحصل ما حصل من اقتتال طائفي بشع، أساء لسمعة المجتمع العراقي، وبقيت آثاره السلبية إلى الآن، وإلى أجل غير معلوم.

بعد إسقاط حكم البعث يوم 9/4/2003 بأيام قلائل، انفجر العنف الطائفي في العراق بين السنة والشيعة، بشكل غير مسبوق من القتل على الهوية المذهبية، وتفجيرات الإرهابيين في الأحياء السكنية التي معظم قاطنيها من الشيعة، استهدفت أماكن تجمعاتهم مثل المساجد والحسينيات، والأسواق، وتجمعات عمال المسطر الفقراء، ومواقف سيارات الأجرة المزدحمة، وأخيراً قاموا بتفجير ضريحي الإمامين: علي الهادي والحسن العسكري في مدينة سامراء، وهما من أئمة الشيعة. والقصد من كل ذلك إشعال حرب أهلية طائفية بين السنة والشيعة لكي ييأس الناس من الوضع الجديد وحملهم على الاعتقاد أن العراق لا يصلح له غير حكم البعث والقبضة الحديدية.

نظرية المؤامرة ، بضاعة رائجة في المنطقة

وكالعادة، بدأت نظرية المؤامرة تلعب دورها في هذا المجال، خاصة وأن هذه النظرية رائجة في البلاد العربية لأنها ولدت بالأساس من رحم الصراع بين المسلمين إثناء الثورة على الخليفة الثالث، عثمان بن عفان، حيث تفتقت عبقرية مزيفي التاريخ من وعاظ السلاطين عن اختلاق شخصية وهمية باسم عبد الله بن سبأ، أدَّعوا أنه يهودي أعلن إسلامه كذباً، وتسلل إلى صفوف المسلمين لتمزيق وحدتهم شيعاً وأحزاباً. والجدير بالذكر، أن معظم الباحثين المتنورين ينفون وجود هذه الشخصية أصلاً، ومن بينهم العلامة علي الوردي، الأمر الذي يؤكد أن نظرية المؤامرة هي من إنتاج العقلية العربية بامتياز منذ فجر الإسلام، ليتهموا اليهود، ثم الفرس، وأخيراً التحالف "الصليبي- الصهيوني الكافر" المتمثل بالغرب، وبالأخص أمريكا.

إن سبب ولع العرب بهذه النظرية هو رفضهم البحث في أسباب تخلفهم، وموروثهم الاجتماعي الذي يدعو إلى العنف، فاختلقوا هذه النظرية لتعليق غسيلهم الوسخ، وأسباب صراعاتهم، وتخلفهم على شماعة الآخرين، والتصور أن العالم كله يقف ضدهم، لأنهم "خير أمة أخرجت للناس" على غرار ما يعتقده اليهود أنهم "شعب الله المختار"، فصار شعارهم "ملة الكفر واحدة". ولما اكتشف العراقيون بشاعة واقعهم أصيبوا بصدمة عنيفة ولم يصدقوا ما حصل، لذلك تنكروا لها وأدَّعوا أن الشعب العراقي لم يكن يعرف يوماً أي صراع من هذا القبيل، ولكن جلبه الأمريكان معهم إلى العراق لتمزيق الشعب العراقي بغية تسهيل نهب ثرواته وخيراته!!

كيف تفجر العنف الطائفي في العراق؟

السؤال الذي يطرح نفسه هو: من المسؤول عن الاقتتال الطائفي بعد سقوط حكم البعث؟ وهل حقاً، أمريكا هي التي جلبت لنا هذا الاقتتال على الهوية الطائفية؟

لا شك أن للأجانب دور في تفجير الصراع الطائفي، ولكن السؤال المهم الآخر هو ما هي مصلحة أمريكا في تفجير هذا الصراع؟ فلو تأملنا جيداً لوجدنا أن مفجري الصراع عم الأقربون منا مثل السعودية وإيران وسوريا والقاعدة. ولكن حتى مؤامرات هؤلاء الأجانب، وتدخلاتهم لا يمكن أن يكتب لها النجاح ما لم يكن هناك استعداد نفسي وأخلاقي لدى العراقيين أنفسهم، لتنفيذ ما يريد منهم الأجانب، وإلا من الذي آوى بهائم القاعدة من الانتحاريين السعوديين وأرشدهم إلى أهدافهم غير العراقيين؟

الطائفية متأصلة في العراق منذ زمن بعيد، ولكنها بقيت كالبركان الخامد يبعث الدخان من تحت السطح، ينتظر الفرصة المناسبة لينفجر. والذي أبقى هذا البركان خامداً هو قمع الحكومات المتعاقبة، فما أن سقط حكم البعث الجائر، وأزيل القمع حتى و حصل الانفجاروقد اعتاد المثقفون والسياسيون العراقيون على عدم التطرق إلى عيوب المجتمع أو نقده، لأن هكذا نقد في رأيهم، يعرض شعبنا إلى شماتة الآخرين بنا.

" الشعب العراقي غير متصالح مع نفسه"

نتيجة لما تقدم، نعرف أن الحقيقة المرة التي فضحتها الديمقراطية هي أن الشعب العراقي غير متصالح مع نفسه، وأن هناك خزين هائل من الأحقاد بين مكوناته. ومن الإنصاف القول، أن الطائفية كانت على وشك الاختفاء في نهاية العهد الملكي، والعهد الجمهوري الأول خلال حكم الزعيم عبد الكريم قاسم، قائد ثورة 14 تموز 1958. ولكن حصلت نكسة سياسية واجتماعية، وردة حضارية كبيرة بعد انقلاب 8 شباط 1963، وما تلاه من حكم الأخوين عارف، ليأتي بعده حكم البعث الذي مارس التمييز الطائفي والعنصري على المكشوف وجعلها قاعدة للحكم إلى حد أن تمت تسمية المحافظات حسب الانتماء المذهبي والعرقي لغالبية السكان، إلى محافظات بيضاء ومحافظات سوداء، ورفعوا لافتات أيام قمع الانتفاضة عام 1991: (لا شيعة بعد اليوم). وقبل ذلك منعوا الشيعة من ممارسة طقوسهم الدينية، ونسبوا لهم صفات نابية، مثل الشعوبية، وعملاء الفرس المجوس، والرتل الخامس، وحتى أنكروا عليهم عراقيتهم وولاءهم لوطنهم، فهجَّروا منهم نحو مليون نسمة وشردوا ملايين آخرين إلى الشتات. كذلك سلسلة مقالات جريدة الثورة عام 1991 بعنوان (لماذا حصل ما حصل)، باتت معروفة، ومازال الطائفيون يعزفون على نفس الوتر الطائفي النشاز، فكل سياسي شيعي هو إيراني. ولا شك فإن هذه الممارسات، واضطهاد الناس بسبب انتمائهم الديني والعرقي، ومنعهم من ممارسة شعائرهم المذهبية يدفع إلى المزيد من التخندق الطائفي والقومي. ولا ننسى الحملة الإيمانية التي أعلنها حكم البعث الصدامي .

دول الجوار: تدخلات مخربة وتصعيد متعمد

واتخذ التحالف الإيراني – السوري من العراق ساحة لهم لشن الحرب بالوكالة على أمريكا وبريطانيا وبدماء العراقيين. كذلك السعودية الوهابية، ورغم علاقتها الحميمة مع أمريكا، إلا إنها انتهزت الفرصة للعمل على إفشال العملية السياسية في العراق، لأسباب سياسية واقتصادية، وطائفية بمنع مشاركة الشيعة في تسلم مناصب سيادية في عراق ما بعد صدام، إذ يعتبرون ذلك خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه في عرفهم. لذلك راحت السعودية ترسل الإرهابيين الانتحاريين عبر سوريا ليقوموا بحملة إرهاب لا مثيل لها في بشاعتها وضراوتها ضد الشعب العراقي، في خطة جهنمية محكمة. و راحت وسائل الإعلام العربي تركز حملتها لتشويه صورة العراق الجديد، وتضخيم أعداد القتلى بمئات الأضعاف، والإدعاء بأن القوات الأمريكية هي التي تقتلهم، وتفتك بالشعب العراقي وتهتك أعراضهم، وليست القاعدة. وقد استخدم الإعلام العربي هذه الحملة في تحريض الشباب العرب والمسلمين في رفد المنظمات الإرهابية "الجهادية"، من أتباع القاعدة.

كما واستغل البعث تعقيدات الوضع، فأدعى أنه الممثل الوحيد للعرب السنة، والمدافع الأمين عن حقوقهم، وراح يعزف على نغمة الطائفية، ويلعب على الحبلين، فمن جهة، أدَّعوا مظلومية العرب السنة وحرمانهم من حقهم التاريخي في المشاركة في الحكم، ومن جهة أخرى، قاموا بقتل كل عربي سني يشارك في العملية السياسية. واستفادوا كثيراً من هذه الدعوة في تضليل الرأي العام العالمي، وتحريك الشارع العربي ضد العراق الجديد. إضافة إلى وجود ناس يكرهون أمريكا لأسباب أيديولوجية، مثل اليسار العربي والأوربي، لأن إسقاط حكم البعث تم على أيدي الأمريكان، فهناك رغبة كامنة في لاوعي هؤلاء في إفشال العراق الجديد، نكاية بأمريكا.

الخلاصة والاستنتاج:

إن الاقتتال الطائفي لم تجلبه أمريكا، بل حصل نتيجة صراعات وأحقاد دفينة قديمة، وألغام موقوتة في المجتمع العراقي تراكمت عبر مختلف العهود، وكانت تنتظر اللحظة المؤاتية للانفجار. كما واستغلت الدول الإقليمية هذه التعقيدات لصالحها فصبت الزيت على النار. لذا، وعلى الرغم من تعقيدات المجتمع العراقي وتصارع مكوناته، كان بالإمكان التخفيف من حدة هذه الصراعات الطائفية لو ترك العراقيون يتدبروا أمورهم لوحدهم بعد إسقاط حكم البعث. فلو لا تدخل دول الجوار، إيران وسوريا والسعودية، ومنظمة القاعدة في شؤونهم، وتحريض الإعلام العربي ضد العراق، لكان الوضع العراقي مختلف تماماً وبالتأكيد نحو الأفضل. أما وجود القوات الأمريكية في العراق فقد ساعد على كبح جماع العنف الطائفي، وعمل على حماية العراقيين من فتك بعضهم بالبعض، وإلا لكان مصير العراق أسوأ من مصير الصومال.

عبد الخالق حسين

مراجعة وتحرير ملهم الملائكة

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW