من باريس إلى ستوكهولم ـ حزب "البديل" وأشقاؤه في أوروبا
١٩ مايو ٢٠٢٥
في بداية شهر مايو صنف المكتب الاتحادي لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) حزب البديل من أجل ألمانيا على أنه "يميني متطرف بالتأكيد". ويتخذ حزب البديل من أجل ألمانيا إجراءات قانونية ضد هذا التصنيف. لذلك قام المكتب الاتحادي لحماية الدستور بتعليق هذا التصنيف في الوقت الحالي، لكنه متمسك بتقييمه لمحتوى الحزب. ومع ذلك فقد أعاد هذا التصنيف للحزب على أنه يميني متطرف الجدل حول ضرورة حظر الحزب.
لكن كيف هو الحال بالنسبة للأحزاب اليمينية المتطرفة أو الشعبوية المماثلة في الدول الأوروبية الأخرى؟ الجواب: لا يوجد حديث عن الحظر في أي مكان. بل على العكس تشارك هذه الأحزاب في بعض الدول في الحكومات أو حتى تقودها.
النمسا: حزب الحرية النمساوي
لا يرى المستشار النمساوي كريستيان ستوكر من حزب الشعب النمساوي (ÖVP) المحافظ أن حزب الحرية النمساوي بزعامة هربرت كيكل يميني متطرف، ولا يعترف بجدار الحماية الذي رفعته أحزاب أخرى في ألمانيا ضد حزب البديل من أجل ألمانيا. ولا عجب في ذلك، فقد سبق أن شكل حزب الشعب النمساوي حكومتين ائتلافيتين مع حزب الحرية النمساوي مرتين، المرة الأولى في عام 2000، وكانت فضيحة في الاتحاد الأوروبي في ذلك الوقت، وقيدت دول الاتحاد الأوروبي الأخرى اتصالاتها مع حكومة فيينا إلى الحد الأدنى لبضعة أشهر.
حزب الحرية النمساوي (FPÖ) هو حزب قديم نسبيًا في التاريخ البرلماني النمساوي. تأسس في عام 1955 على يد نازيين سابقين، لكنه أصبح فيما بعد أكثر اعتدالاً. وعلى غرار حزب البديل من أجل ألمانيا، ينتقد حزب الحرية النمساوي الهجرة والعولمة والاتحاد الأوروبي. ومع ذلك ربما بسبب مشاركاته الحكومية العديدة، بما في ذلك على مستوى الولايات، فإن حزب الحرية أكثر استعدادا للتوصل إلى حلول وسط وأقل أيديولوجية. وقد أصبح في العام الماضي أقوى حزب في الانتخابات البرلمانية للمرة الأولى. ومع ذلك لم يتمكن من تشكيل ائتلاف مع حزب الشعب النمساوي مرة أخرى. ومع ذلك فهو الآن أقوى في استطلاعات الرأي مما كان عليه في الانتخابات.
فرنسا: التجمع الوطني (Rassemblement National)
قطعت حركة التجمع الوطني شوطا طويلا منذ تأسيسها في عام 1972. فقد أعادت مارين لوبان، ابنة مؤسس الحزب جان ماري لوبان، تسمية حزب الجبهة الوطنية ونقلته إلى حد ما نحو الوسط. لا يزال الحزب ينتقد الهجرة والإسلام، ولكنه لم يعد معاديا للسامية. وقد اجتذب هذا المسار مجموعات جديدة من الناخبين. ترشحت لوبان ثلاث مرات في الانتخابات الرئاسية، وخسرت في جولة الإعادة في آخر مرة، ولكنها كانت تزيد حصتها من الأصوات في كل مرة. وحتى الآن صدر حكم قضائي بتهمة اختلاس الأموال العامة يمنع مارين لوبان من الترشح للانتخابات لمدة خمس سنوات. وفي حال تمكنت من الترشح مرة أخرى أو ترشح زعيم الحزب جوردان بارديلا، فإن استطلاعات الرأي السابقة تمنحها أو تمنحه فرصة جيدة للفوز في الجولة الأولى على الأقل. وكان حزب التجمع الوطني بالفعل أقوى حزب في الانتخابات البرلمانية لعام 2024.
إن ميل حزب التجمع الوطني إلى الحمائية، أي الإيمان بالدولة كحل كبير للمشاكل هو ميل فرنسي بامتياز، وهذا اختلاف واضح عن حزب البديل من أجل ألمانيا. وعلى أي حال نأت لوبان بنفسها عن حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي. وقالت لوبان الحزب الألماني راديكالي للغاية بالنسبة لها، ولكن قد تكون هذه خطوة سياسية داخلية لتبدو أكثر جدية.
إيطاليا: حزب إخوة إيطاليا (فراتيلي ديتالياـ Fratelli d'Italia)
ربما تكون جورجيا ميلوني أنجح رئيسة حكومة لليمين الراديكالي في أوروبا. يرى العديد من "الفراتيليين" النسخة الإيطالية من الاشتراكية القومية بشكل إيجابي. وقد قالت جورجيا ميلوني ذات مرة إن "علاقتها بالفاشية خفيفة الظل" وأن رئيس الحكومة الفاشي السابق وحليف هتلر بينيتو موسوليني كان "سياسيا جيدا".
في الحملة الانتخابية لعام 2022 التي أوصلت حزبها إلى السلطة، كان شعارها "الله والأسرة والوطن". وقبل كل شيء ميلوني وحزبها يميني متطرف فيما يتعلق بالسياسة الاجتماعية: فهم يناهضون الإجهاض والمثليين والمثليات وهم ضد المهاجرين على أي حال. ومع ذلك وعلى عكس العديد من السياسيين المماثلين في أوروبا، اتخذت ميلوني موقفا واضحا ضد روسيا في الحرب الأوكرانية. وهذا هو السبب الرئيسي وراء حديثها عن "خلافات لا يمكن التوفيق بينها وبين حزب البديل من أجل ألمانيا". وفي الوقت نفسه تتمتع ميلوني بعلاقة وثيقة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبالتالي فهي تحظى بالتقدير في بروكسل كوسيط عبر الأطلسي.
السويد: حزب ديموقراطيو السويد (Sverigedemokraterna)
تكمن جذور حزب ديمقراطيي السويد في الحركة اليمينية المتطرفة "لنبق السويد سويدية" (Bevara Sverige Svenskt). وقبل فترة وجيزة من مطلع الألفية الجديدة، حاول الحزب الانفصال عن بيئته القديمة وتبني موقف أكثر اعتدالا. ويواصل زعيم الحزب الحالي جيمي أكيسون هذا المسار، وقد نجح في جعل ديمقراطيي السويد ثاني أقوى حزب في الانتخابات البرلمانية لعام 2022. ومنذ ذلك الحين دعم الحزب حكومة الأقلية لرئيس الوزراء المحافظ أولف هيالمار كريسترسون.
وكما هو الحال في البلدان الأخرى، فإن القضية الأهم هي الهجرة. ويشار إلى أن انتشار جرائم العصابات في المدن الكبرى في السويد قد جلبت لحزب ديمقراطيي السويد نجاحا انتخابيا كبيرا هناك. ومن غير المألوف بالنسبة لحزب لديه مثل هذه التوجهات أن يعلن حرصه على حماية المناخ.
هولندا: حزب "من أجل الحرية" (Partij voor de Vrijheid)
كان حزب غيرت فيلدرز من "أجل الحرية" المعروف اختصارا باسم (PVV) هو القوة الأقوى منذ الانتخابات البرلمانية لعام 2023 ويقود حكومة ائتلافية مع ثلاثة أحزاب أخرى. ولأن فيلدرز كان متطرفا للغاية بالنسبة للشركاء، أصبح ديك شوف المستقل رئيسا للوزراء.
التركيز الرئيسي لحزب "من أجل الحرية" هو محاربة الهجرة، وقبل كل شيء محاربة الإسلام. ويذهب فيلدرز بعيدا بشكل خاص في هدفه المتمثل في حظر القرآن الكريم وجميع مباني المساجد الجديدة. ومع ذلك قال فيلدرز قبل الانتخابات الأخيرة إنه سيضع آراءه حول الإسلام "في الثلاجة" حتى يتمكن من الحكم. وبخلاف ذلك فهو يحشد ضد حماية المناخ وضد الاتحاد الأوروبي الذي ينظر إليه على أنه متعجرف.
بريطانيا: حزب إصلاح المملكة المتحدة (Reform UK)
شهد الحزب عدة تحولات: فقد انشق عن حزب استقلال المملكة المتحدة الذي كان هدفه الرئيسي هو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أي انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي وأصبح حزب بريكست. وبمجرد تحقيق بريكست، أعيدت تسميته بحزب إصلاح المملكة المتحدة. وقد لعب الدور الحاسم في كل مرة نايغل فاراج.
وفي هذه الأثناء تبنى الحزب قضية الحد من أعداد المهاجرين بشكل كبير وهو ما يدفع حزب العمال الحاكم وكذلك المحافظين إلى الأمام. ويتهم فاراج كلاهما بالتقاعس عن العمل. مع النجاح: وعد رئيس الوزراء العمالي كير ستارمر مؤخرا بتقليل الهجرة غير الشرعية وهجرة العمالة بشكل كبير، وذلك بعد أيام فقط من تحقيق حزب الإصلاح البريطاني أداء جيدا في الانتخابات المحلية. وحسب أحدث استطلاعات الرأي المحلية، يتقدم حزب الإصلاح البريطاني على حزب العمال والمحافظين. ويصف نائب زعيم الحزب ريتشارد تايس الهدف البريطاني الرسمي المتمثل في الحياد المناخي بأنه "سخيف".
أعده للعربية: م.أ.م