من دمشق إلى ألمانيا.. قصة لاجئ بين الامتنان وخيبة الأمل!
٢٩ أغسطس ٢٠٢٠
الاستقبال المبهج في ألمانيا "سحر روحه" يقول اللاجئ السوري الشاب محمد. غير أنه بعد خمس سنوات أصيب بخيبة أمل، لأنه لم يحقق "الكثير" مما كان يطمح إليه. فما هي الصعوبات التي تعترض طريقه وكيف ينظر إلى مستقبله في ألمانياا؟
إعلان
بالعودة إلى 31 آب/ أغسطس 2015، حين قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل: "يمكننا القيام بذلك". كان الشاب السوري محمد تحسين بيك يحزم حقائب الهجرة، وبعد ثلاثة أيام، ودّع والديه في منزله بالقرب من دمشق وانطلق إلى ألمانيا. "كنت أعرف أنه لم يعد بإمكاني رؤية عائلتي"، يقول محمد (25 عاماً) الذي يعيش الآن بمدينة كايزرسلاوترن في ألمانيا.
لم يسمع محمة بجملة ميركل الشهيرة إلا بعد وصوله إلى ألمانيا. إذ أنه كان يخوض رحلة الهجرة الشاقة عبر لبنان وتركيا واليونان ومقدونيا وصربيا والمجر والنمسا. وعند وصوله إلى ألمانيا في 12 أيلول/ سبتمبر 2015، مر بمحطات كثيرة حتى استقر به المقام في كايزرسلاوترن بولاية راينلاند بفالتس. ويقول الشاب السوري، الذي يحب أن يستخدم التعابير الشعرية إلى حد ما: "كان الاستقبال في المحطة الأولى لطيفاً للغاية، وقد سحر روحي". كان محمد قد تعلم كلماته الأولى في اللغة الألمانية من قناة خاصة بتعلم اللغة الألمانية على يوتيوب، وبعد ذلك من مدارس تعلم اللغة إلى أن وصل لمرحلة متقدمة في اللغة الألمانية (B2)، التي تمكنه من بدء تدريب مهني. بيد أن محمد يشعر بخيبة أمل لأنه لم يتقدم كثيراً بعد مرور خمس سنوات على وصوله إلى ألمانيا.
كان يأمل في بادئ الأمر أن يتمكن من متابعة دراسة الاقتصاد التي كان قد بدأها في دمشق. "يؤلمني أنني لم أتمكن من الاستفادة من شهادتي لمواصلة الدراسة" يقول محمد، ولهذا اضطر للعمل في مطعم بيتزا، وادخر المال للحصول على رخصة القيادة. يود في الوقت الحالي أن يبدأ تدريباً مهنياً، ويفضل أن يكون كمساعد صيدلي أو كهربائي. "لقد أرسلت مستنداتي إلى ترير وأنتظر الرد منذ أكثر من عشرة أسابيع"، حيث يتم التحقق من المؤهلات التي تمكنه من الحصول على الموافقة. يقول متحدث باسم مركز الاعتراف بالمؤهلات المهنية الأجنبية: "قد يستغرق ذلك بضعة أسابيع". ومن جهة أخرى، يواجه محمد مشكلة أخرى تتعلق بتصريح الإقامة، إذ انتهت إجراءات اللجوء بحصوله على الحماية الثانوية فقط. ويمكنه تمديد هذه الإقامة لمدة عام واحد كل مرة. ويقول محمد: "كان من المحبط بالنسبة لي أنني لم أحصل إلا على الحماية الثانوية". ويضيف بينما ينظر إلى تاريخ انتهاء إقامته: "لو لم أقمع في بلدي الأم، لما جئت إلى ألمانيا". قبل 5 أعوام، قال محمد عندما كان في مدينة كوزل: "أنا شخص سعيد للغاية، المهم أنني هنا". فهل ما زال كذلك؟. يجيب "ليست كل الأيام جيدة. لكنني ما زلت شخصاً سعيداً جداً". وإنه ممتن للسلطات الألمانية على مساعدته.
توفي والده العام الماضي، كما أنه يشتاق لوالدته كثيراً. "لكن العديد من أصدقائي، الألمان والعرب، حلوا محل عائلتي". راينلاند بفالتس هي ولاية اتحادية ذات سياسة اندماج ملتزمة بشكل خاص. وقالت وزيرة الاندماج آن شبيغل في تصريحات سابقة: "لقد أنجزنا الكثير في السنوات الخمس الماضية، ولكن لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به". وأضافت :"لقد أحرزنا تقدماً هائلاً في التدريب اللغوي لأننا قمنا باستمرار بتحسين دورات اللغة الألمانية التي ترعاها الدولة".
ومن جهة أخرى يجد العديد من اللاجئين طريقهم في سوق العمل، "نحن هنا على الطريق الصحيح " يقول محمد وهو يخجل من عدم تحقيق المزيد خلال خمس سنوات. "كنت أرغب في تحقيق المزيد. لكن لا يزال لدي الفرصة للقيام بذلك ". ويضيف أن التجارب السلبية مهمة أيضاً في الحياة، وإلا لا يمكن للإنسان أن يتطور بشكل إيجابي. كما يأمل في أن تحرّره فترة التدريب من الذكريات المؤلمة. "كنت طالباً في دمشق وخرجت في مظاهرة ضد الحكومة. سار صديق أمامي. أوقفه الجنود وأطلقوا عليه الرصاص ببساطة. مشهد لا يمكنني نسيانه وما زلت أراه في أحلامي حتى الآن" بهذه الجملة الحزينة ينهي محمة حديثه عن تجربته وحياته الجديدة في ألمانيا.
ر.ض/ ع.ج (د ب أ)
المصدر: مهاجر نيوز
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش