ليس هناك أجمل من أن تقف أمام بيت قديم يشدك لأن تنظر إليه، بل تتمنى أن تكون من ساكنيه، مثل بعض البيوت الألمانية التقليدية ذات الهيكل الخشبي والجدران الترابية والقضبان الخشبية البارزة والملونة. هذا الطراز المعماري الفريد يلفت أنظار السياح في أغلب مدن ألمانيا. لكن بيوت مدينة كفيدلينبورغ في ولاية سكسونيا تعد الأجمل على الإطلاق.

على الأغلب تكون هذه البيوت صغيرة، ملتوية ومزينة بألوان جميلة، فهي مبنية من الخشب والطوب الترابي الممزوج بالقش الذي يُدك بين القضبان الخشبية التي تأخذ وظيفة الأعصاب، والتي بدورها تعمل على تمساك طوب الجدران مع البعض. هذه القضبان البارزة إلى الخارج تشكل أشكالاً هندسية مختلفة. وما أن تقترب من مدينة كفيدلينبورغ حتى ترى أمامك واحة تتلألأ تحت قرميد أسقفها الأحمر؛ إنها البيوت التقليدية ذات الهيكل الخشبي والذي يطلق عليها الألمان اسم "فاخ فيرك هويزِر".

من كنوز التراث العالمي

تحتوي مدينة كفيدلينبورغ القديمة على قرابة ألف وثلاثمائة بيت، شُيدت عبر الستة قرون الماضية، وبمعجزة نجت هذه المدينة من كل الحروب التي دارت في ألمانيا عبر هذه القرون. والجدير بالذكر أنه لم يطرأ على المدينة القديمة أي تغيير يذكر إلى الآن، لذلك تعتبر المدينة الألمانية الوحيدة التي مازالت تحافظ على هذا التراث المعماري منذ البداية حتى يومنا هذا، وفي سنة 1994 أدرجتها منظمة اليونيسكو على لائحة التراث الثقافي العالمي.

غالباً ما تكون القضبان الخشبية البارزة (الأعصاب) والتي تتوزع على جدران الواجهات منحنية وملتوية، كما لو أنها قد رضخت لثقل قرون الماضي. وفي أغلب الأحيان تكون مزينة أو منحوتة عليها أشكال فنية ما، أو أنها تحمل كتابات محفورة تظهر تاريخ بنائها واسم بانيها. وتعتبر هذه الزخرفات والقضبان الخشبية المنحوتة سمة مميزة من سمات عصر النهضة. وفي هذا السياق تقول كلاوديا هينريش، رئيسة المركز الألماني لترميم وإعادة تأهيل البيوت التقليدية في مدينة كفيدلينبورغ: "كل بيت من هذه البيوت، بل كل جدار أو قضيب خشبي فيه، يحمل في طياته قصة ما، وهذه هي روعة الفن المعماري الذي يُسحر."

بيوت عملية وغير مكلفة

يوجد في ألمانيا حوالي مليوني بيت من هذا الطراز المعماري، الذي كان الأكثر شيوعا في أوروبا الوسطى حتى بداية القرن الثامن عشر. وقد تم إعادة بناء القلاع والقصور والكنائس من الأحجار فقط. فقط الأغنياء الذين كانوا يبنون بيوتهم من الحجارة. فقد كان الخشب متوفراً بكثرة لذلك كان يُستخدم كمادة أساسية للبناء.

#b# ومهما تغيرشكل الواجهات الخارجية للبيت بمرور الزمن، إلا أن الهيكل الخشبي يظل محافظاً على تركيبته الإنشائية الأساسية. فالقضبان الخشبية تتوزع على الجدران كأعصاب ترتبط ببعضها البعض ومن ثم يتم حشو الفراغات التي تنشأ بين هذه الأعصاب بأغصان الصفصاف المجدولة والمخلوطة بالطين أو بالطوب المجفف، وبهذا الشكل يكون البيت قد بني على أسس صديقة للبيئة وبتكلفة مناسبة. ويعتبر البيت الذي يجاور ساحة السوق، والذي شُيّد عام 1347، من أقدم بيوت مدينة كفيدلينبورغ القديمة. وفي هذا الصدد تقول كلاوديا هينريش: "إن البساطة المعمارية التي يتميز بها هذا البيت تعرّف بالحقبة التي ينتمي إليها، ألا وهي حقبة العصور الوسطى." والجدير بالذكر أن البيت هذا استُخدم حتى عام 1965 كمنزل، وبعد الترميم العام الذي حصل عليه تحول اليوم إلى متحف للبيوت الخشبية الألمانية.

بيوت كفيدلينبورغ: رحلة عبر التاريخ

تستقطب مدينة كفيدلينبورغ سنوياً قرابة المليوني سائح، وإذا تجولت ساعات عديدة في شوارع هذه المدينة القديمة فلا تشعر بالملل، لأنك سوف تكتشف أشكالاً كثيرة ومختلفة من البيوت ذات الهياكل الخشبية، فالمدينة هي بمثابة معرض دائم لبيوت شُيّدت بدءاً من الحقبة القوطية إلى عصرنا هذا، مروراً بكل الأنماط المعمارية التاريخية. هناك بيوت من عصر النهضة، وبيوت تحمل على واجهاتها رسومات من عصر الباروك، حتى أنه يوجد بيوت شيدت في تسعينات القرن الماضي. لذلك ستشعر أنك في رحلة عبر التاريخ إذا تجولت في أزقة المدينة القديمة الملتوية.

كيرستين شميت / فؤاد آل عواد

مراجعة: عبده جميل المخلافي