من هو القس الذي تسبب بأزمة دبلوماسية بين تركيا وأمريكا؟
١٥ أغسطس ٢٠١٨
إنه قس لا يثير الانتباه. انتقل عام 1993 من الولايات المتحدة الأمريكية إلى تركيا للقيام بأعمال التبشير للكنيسة الإنجيلية. إلا أنه اتهم بالتجسس وتحول إلى لعبة في أزمة دبلوماسية بين واشنطن وأنقرة فمن هو هذا القس؟
إعلان
إنها جماعة صغيرة تضم عشرات الأعضاء الذين يلتقون بانتظام في قاعة بأحد البيوت في المدينة الساحلية إزمير في غرب تركيا، في وسطهم القس الأمريكي أندرو برانسون. إنه يعزف على الغيتار ويغني ويصلي معهم. هكذا تظهره صوره على الموقع الإلكتروني للجماعة. هكذا كان الوضع في كنيسة ديريلس بإزمير قبل أن يتم اعتقال برانسون، وقبل أن تبدأ تهديدات سياسية مرتبطة بشخصه، وقبل أن تدخل علاقة الشريكين في حلف الناتو، الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، في أزمة.
من منطقة متدينة إلى تركيا
هذا التطور لم يتخيله برانسون البالغ من العمر 50 عاما عندما قدم مع زوجته عام 1993 إلى تركيا. وقد انتقل من قرية بلاك مونتان في كارولاينا الشمالية حيث المعتقد المسيحي جزء لا يتجزأ من الثقافة والناس ينتخبون الجمهوريين. والزوجان برانسون هما عضوان في كنيسة إنجيلية التي يتمثل شعارها الرسمي في أن الوحدة هي الأساسية وليس الحرية والإحسان أساس كل شيء.
وقد تفرغ برانسون لأعمال التبشير في تركيا التي يُعد 99 في المائة من سكانها مسلمين. والتبشير لم يعد محظورا في تركيا منذ عام 2003، إلا أنه غير مرحب به، حيث قُتل عام 2007 مبشر ألماني وتركيان اعتنقا المسيحية. لكن برانسون لم يتخل عن عمله التبشير، بل إنه أسس عام 2010 كنيسة القيامة في إزمير.
السجن بدل تأشيرة إقامة جديدة
بعد ست سنوات تغير كل شيء، فقد كان يريد تمديد تأشيرة إقامته، إلا أنه اعتُقل خلال موعد عادي في الـ 7 من أكتوبر/ تشرين الأول 2016 ـ بعد مرور ثلاثة شهور على محاولة الانقلاب الفاشلة التي أدت إلى اعتقال الآلاف من موظفي الدولة والقضاء والشرطة والجيش أو تسريحهم أو إعفاؤهم من الخدمة. وحتى زوجة برانسون اعتُقلت لبضعة أيام قبل إطلاق سراحها. وبعد 63 يوما من الاعتقال كانت التهمة واضحة وهي أن برانسون عضو في منظمة إرهابية مسلحة. كما أنه قام بأعمال تجسس والمشاركة في التخطيط للمحاولة الانقلابية وتقديم الدعم لحزب العمال الكردستاني المحظور، وهي تهم يعتبرها سياسيون أمريكيون ومراقبون دوليون مبالغ فيها.
في الواقع سافر برانسون من حين لآخر إلى المناطق الكردية في جنوب شرقي تركيا، إلا أنه قام هناك برعاية لاجئين سوريين. ولا توجد أدلة بأنه شارك في مؤامرات ضد الحكومة التركية، وهو يدعي دوما ويصر على براءته. ويؤكد أن السياسة بعيدة عن كنيسته.
وعندما طالبت الحكومة الأمريكية عام 2017 بإطلاق سراحه، رد أردوغان بعرض يقضي باستبداله بالداعية فتح الله غولن المقيم منذ 1990 في المنفى الأمريكي، ويتهمه أردوغان بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة في صيف 2016 ويطالب الولايات المتحدة يترحيله إلى تركيا لاعتقاله ومحاكمته.
أهمية الناخبين الدينيين بالنسبة إلى ترامب
هذا العرض تجاهله ترامب وحكومته إلى حد الآن، وازداد النزاع حدة وتفاقمت الأزمة بين البلدين. وإن الناخبين في الولايات المحافظة التي يطغى عليها التدين مهمون جدا بالنسبة إلى الجمهوريين في انتخابات الكونغرس النصفية في الخريف المقبل، ويريد ترامب والحزب الجمهوري أن يرى هؤلاء الناخبون كيف يبذل جهوده من أجل إطلاق سراح القس برانسون. وبالنسبة إلى نائب الرئيس مايك بينس فإن هذه القضية لها بعد شخصي أيضا، إذ أنه انجيلي متدين محافظ، وهو مصر على إطلاق سراح برانسون.
ورغم كل هذه الدوافع السياسة والدينية فإن الوضع بالنسبة إلى القس المسجون لم يتحسن، بل العكس. فوضعه الجسدي تدهور، حسب ابنته التي قالت بأنه فقد 25 كيلوغراما في الحبس. وفي رسالة له نشرتها جماعته في يوليو/ تموز الفائت كتب بأنه يشعر بالضعف. وفي نهاية يوليو/ تموز تم إطلاق سراحه مؤقتا ووضع تحت الإقامة الجبرية حتى الـ 12 من أكتوبر/ تشرين الأول، موعد جلسة التحقيق الثانية معه. ولا أحد يعرف متى سيستعيد حريته ويعود إلى جماعته من جديد.
جنيفر فاغنر/ م.أ.م
أزمة الليرة التركية.. خلفيات قصة القس برونسون
تدهورت الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها منذ 17 عامًا أمام الدولار، وذلك بعد أن فرضت واشنطن عقوبات ورسوما جمركية إضافية على وارداتها من منتجات الألمنيوم والحديد التركية، لكن هذا الأجراء له جذورٌ أعمق مهدت لهذا التدهور.
صورة من: picture-alliance/A.Gocher
بداية القصة
في 25 تموز/ يوليو أعلنت تركيا وضع القس الأميركي أندرو برونسون تحت الإقامة الجبرية، بعد أن سجن لنحو عامين في إطار ما تقول تركيا إنها قضية "إرهاب" و"تجسس"، طالبت الولايات المتحدة بالإفراج عنه فورًا، ثم قامت في الأول من آب/ أغسطس بفرض عقوبات لأول مرة على مسؤولين بدولة حليفة في الناتو، هما وزير العدل عبد الحميد غول ووزير الداخلية سليمان سويلو على خلفية احتجاز برانسون.
صورة من: Reuters/Dha/Demiroren News Agency
ترامب: "الليرة تنهار أمام دولارنا القوي"
في العاشر من آب/ أغسطس 2108 أعلن ترامب عن مضاعفة الرسوم على الواردات الأمريكية من الحديد والألومينيوم من تركيا. وغرّد ترامب على تويتر: "أصدرت أمرًا بمضاعفة رسوم الصلب والألومنيوم على تركيا، في وقتٍ تنهار فيه الليرة أمام دولارنا القويّ جدًا، الضريبة على الألومنيوم سترتفع 20 بالمائة بينما سترتفع على الصلب 50 بالمائة".
صورة من: picture-alliance/dpa/C. Kaster
أردوغان يتلقى "طعنة في الظهر".. ويستعد للقادم
انخفضت قيمة الليرة التركية لتصل إلى أخفض مستوى أمام الدولار منذ عام 2001 ، حيث وصلت إلى أكثر من 6 ليرات مقابل الدولار الواحد يوم الأحد، بينما رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن "الولايات المتحدة تحاول طعن تركيا في الظهر"، فيما أعلن البنك المركزي التركي أنه مستعد لاتخاذ "كل التدابير اللازمة" لضمان الاستقرار المالي.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Yapici
خلافات واشنطن- أنقرة تبدأ من فتح الله غولن
الخلاف الدبلوماسي الأخير جاء تتويجًا لسلسلة من الخلافات حول عدد من الملفات الهامة التي لم تحسم بعد بين أنقرة وواشنطن، إذ أن تركيا تتهم القس برونسون بدعم منظمتين إرهابيتين، هما جماعة "خدمة" التابعة لفتح الله غولن، وحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة على أنه منظمة ارهابية، بينما ترفض واشنطن تسليم غولن الذي يعيش في أمريكا للسلطات التركية.
في المقابل لم تكن واشنطن مرتاحة للتنسيق بين تركيا وروسيا وإيران في أستانا لخفض التصعيد في مناطق محددة في سوريا، كما أنها ليست مرتاحة للتقارب الكبير بين موسكو وأنقرة في مجالات حيوية مثل مشاريع الطاقة ومشتريات تركيا من السلاح الروسي.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/S. George
الإعلام التركي يتهم واشنطن بالمشاركة في الانقلاب
عدا عن ذلك تتهم بعض وسائل الإعلام التركية المخابرات الامريكية بأنها كانت وراء محاولة الانقلاب الفاشلة على أردوغان، وأن قاعدة "أنجيرليك" الجوية، الموجودة في تركيا والتابعة لحلف الناتو، كانت مركز التخطيط لهذا الانقلاب.
صورة من: picture-alliance/abaca/F. Uludaglar
بعيدًا عن السياسة.. الأزمة لها جذور اقتصادية أيضًا
بعيدًا عن الأسباب السياسية فإن هناك جملة عوامل ساهمت في تراجع قيمة العملة التركية وبروز الأزمة الاقتصادية التي تواجهها تركيا حاليًا، حيث يشعر المستثمرون بالقلق من عدم قدرة الشركات التركية على سداد القروض التي أخذتها بالعملة الصعبة خلال فترة الفورة العقارية ومشاريع البناء الكبيرة.
صورة من: picture-alliance/NurPhoto/D. Cupolo
إجراءات تركية لإنقاذ الوضع
لوقف هذا التدهور، اتخذ البنك المركزي التركي مجموعة من التدابير لدعم الاستقرار المالي، وقال وزير الخزانة والمالية التركي، صهر الرئيس أردوغان، براءت ألبيرق، إن الوزارة بدأت تطبيق خطة عملها لمواجهة تقلبات سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار، محذرًا من نشر شائعات كاذبة.
صورة من: picture-alliance/M. Alkac
أردوغان: "لديهم الدولار ولنا الله"
هدد أردوغان بأنه قد يلجأ إلى خطط وتدابير أخرى مثل "خطة حيال التجار ورجال الصناعة اذا استمروا في المسارعة إلى بيع الليرة التركية وشراء الدولار الأميركي"، وقال قبل ذلك: "إذا كان الغرب يملك الدولار فلدينا الله".
صورة من: picture-alliance/Xinhua/Turkish Presidential Palace
واشنطن تراقب.. وتساوم أنقرة
البيت الأبيض يؤكد أن إدارة ترامب تراقب الوضع المالي في تركيا "عن كثب" وأن العقوبات لوحدها لا يمكن أن تؤدي لهذا الانهيار لو لم يكن هناك خلل منذ البداية، بينما التقى مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي جون بولتون السفير التركي لدى الولايات المتحدة من أجل بحث قضية احتجاز القس أندرو برانسون من قبل أنقرة.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Druzhinin
ميركل: "لا نريد انهيار اقتصاد تركيا"
وفي تعليق على كل ما يجري، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن "زعزعة استقرار الاقتصاد التركي لا يصب في مصلحة أي طرف"، مشددةً على أهمية استقلال البنك المركزي التركي للمساهمة بشكل فعال في التعامل مع الوضع الحالي.