1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

من وراء قتل العلماء والأكاديميين العراقيين؟

١٦ أغسطس ٢٠١٢

يقدّم د. عبد الخالق حسين لمقاله بالقول إن تهما بالتجسس والعمالة لإسرائيل وأمريكا وإيران سوف توجه إليه لأنه يتصدى للكتابة في موضوع قتل العلماء العراقيين الذي يوجه البعض أصابع الاتهام فيه إلى جهات أجنبية.

صورة من: Fotolia/Tiero

هذه الاتهامات جاهزة في كل وقت، لترمى بوجه كل من لا يتفق مع ما تنتجه مختبرات الإشاعات البعثية. فالموساد (وكالة المخابرات الإسرائيلية)، معروفة بإمكانياتها التجسسية، وملاحقاتها لأعداء إسرائيل إلى آخر الدنيا!. وقد تم تضخيم إمكانيات هذه المؤسسة إلى حد الأسطورة، حتى بدت وكأنها فاقت إمكانيات الـ(CIA)!. وقد نجحت إسرائيل حتى في توظيف أعدائها من العرب للمساهمة في بث هكذا دعاية لتضخيم قدرات جهازها الاستخباراتي، وبعملهم هذا، يعتقد العرب أنهم يناضلون ضد إسرائيل ويفضحون أساليبها العدوانية، و يقدمون خدمة لأمتهم العربية، والقضية الفلسطينية، والويل والثبور لمن يشكك في طروحاتهم هذه، بينما الحقيقة هي على الضد من ذلك، إذ يقدمون خدمة مجانية لإسرائيل. والمعروف عن حزب البعث الصدامي أنه خدم إسرائيل وأضر بالقضية الفلسطينية أكثر من أية جهة صهيونية أخرى.

حقيقة تداول ملف قتل العلماء العراقيين

منذ مدة وأنا أستلم عن طريق بريدي الإلكتروني، تقريراً بعنوان: (ما لا تعرفه عن تشريح قضية مقتل 730 عالم وأكاديمي عراقيعلى يدِالموساد.. )*.

كما واستلمت رسالة أيميل من صديق عزيز، حذِرٌ جداً من أحابيل البعثيين، مرفقة بنسخة من التقرير نفسه، يسألني عن رأيي في مدى صحته.

التقرير ليس جديداً، ولكن يعاد نشره وتعميمه بين حين وآخر. وبقراءة متأنية، وجدته مكتوباً بعناية فائقة وحرفية عالية في الخبث، مرفقاً بجداول وتخطيطات وصور بيانية، صممت ببرامج كومبيوترية بمهنية، اقتبسها الكاتب من بحث لطبيب عراقي مقيم في بريطانيا، يدعي أنه قدمه في مؤتمر دولي عن مصرع العلماء والأكاديميين العراقيين، دون أن يذكر لنا فيما إذا كان الطبيب العراقي هذا قد اتهم الموساد في هذه الجريمة، أم لا. والجدير بالذكر أن الطبيب الذي يذرف الدموع على القتلى العراقيين من العلماء في المؤتمرات الدولية، هو نفسه شن حملة قبل سنوات يطالب الحكومة البريطانية بعدم قبول المترجمين العراقيين الذين عملوا مع الجيش البريطاني في البصرة كلاجئين، حيث كانوا مهددين بالقتل على أيدي الإرهابيين، وفعلاً قتل العديد منهم لتعاونهم مع الجيش البريطاني كمترجمين ليس غير، وبذلك فكان هذا الطبيب يفضل ترك هؤلاء المترجمين يقتلون في العراق لأنه اعتبرهم خونة يستحقون القتل على أيدي "المقاومة الوطنية"، وربما ليدافع عنهم في المؤتمرات الدولية فيما بعد، واتهام الموساد بقتلهم.

نعم، كتب التقرير بعناية ليوحي للقارئ أنه علمي وموثق لا يقبل أي شك في صحته، وفعلاً حقق نجاحاً لا يستهان به في إقناع البعض وذلك بخلط الحقيقة مع الخيال لتبرئة المجرم الحقيقي وراء هذه الجريمة النكراء بحق العلماء والأكاديميين والأطباء والأدباء العراقيين.

البداية المضللة

"هذاما بقي من علماءوأكاديمييالعراق بعد أننشطت فرق الموتالإسرائيلية ضدعلماء العراقمنذ أول أيامالاحتلال وأشارآخر فصل كشفعنه يومالثلاثاء14/6/2005 منقبل مركزالمعلوماتالفلسطيني إلىتقرير أعدتهوزارة الخارجيةالأميركيةلإطلاع الرئيسالأمريكي إلىقيام عناصرإسرائيليةوأجنبية أرسلتمن قبل الموسادبالتعاون معالولاياتالمتحدة إلىالعراق باغتيالعلى الأقل 530عالما عراقياوأكثر من200أستاذ جامعةوشخصياتأكاديمية أخرى". انتهى

الملاحظ هنا، أن الكاتب تجنب ذكر اسمه حتى ولو باسم وهمي، ورغم حرصه على وضع صور وتخطيطات بيانية، والاستشهاد بتقارير أدعى أنها من المركز الفلسطيني، والذي بدوره أخذ المعلومات من تقرير أعدتهوزارة الخارجيةالأميركية...الخ. فلو كان التقرير صحيحاً، لذكر لنا الكاتب روابط التقريرين، الفلسطيني والأمريكي على الأقل لنتأكد من مدى صحة هذه الادعاءات، وهذا ليس صعباً في عصر الانترنت. كما تحاشى الكاتب وضع قائمة الضحايا أو حتى جزءً منها، لأن معظمهم من طوائف دينية معينة وبالأخص من الطائفة الشيعية. فلماذا تستهدف الموساد الشيعة والمسيحيين والأيزيديين مثلاً؟ وهل طال القتل العلماء والأكاديميين والأطباء فقط؟ الحقيقة تؤكد أن جميع شرائح المجتمع العراقي تعرضت لحرب الإبادة منذ سقوط حكم البعث الجائر.

كيف حرم الصدر الانتماء لحزب الدعوة!؟

مثال آخر على أساليب البعثيين في التضليل وفق ما يتطلبه المقام (فلكل مقام مقال) كما يقولون، فقد استلمتُ أيضاً مقالاً بعنوان: (بالدليل المرفق: مفاجأة تحريم الانتماء لحزب الدعوة الإسلامية!)- لكاتب انتحل اسم: "أبو مهند البغدادي"، حاول فيه تقمص شخصية دينية شيعية من أتباع الشهيد السيد محمد باقر الصدر، جاء فيه:

" استبشرنا خيراً بعد سقوط النظام البائد بقدوم أحزاب إسلاميه عريقة إلى سدة الحكم وعلى رأسها حزب الدعوة، وكنت اعتبر وصول هذه الأحزاب إلى قيادة العراق هو ضرب من الخيال لكن بحمد الله تحقق هذا الحلم وكوني من محبي وعشاق الشهيد الصدر الأول(قدس) فكنت من السائرين والمنظرين والعاشقين لحزب الدعوة الإسلامية كون اسم هذا الحزب يذكرني بالشهيد الصدر الأول بالإضافة إلى إحساسي بأن الشهيد الأول بعد هذه السنوات من التضييع والتغييب بدء يتجدد ويولد من جديد بتسلم حكم العراق الحبيب من قبل حزبه حزب الدعوة الإسلامية..لكن بعد فترة صدمت عندما عثرت على وثيقة تتضمن فتوى من قبل الشهيد الصدر الأول تقضي بتحريم الانتماء لحزب الدعوة الإسلامية واليكم نص هذه الفتوى:(يرجى فتح الرابط).

http://im13.gulfup.com/2012-05-13/1336908436572.jpg

طبعاً، وكما عودنا هؤلاء، الفتوى بخط اليد مع ختم...الخ، لتوحي بأنها نسخة طبق الأصل.

والسؤال هنا، هل يعقل أن الشهيد الصدر الذي يعتبر المؤسس والمنظر لحزب الدعوة في الخمسينات وما بعدها، والذي أعدمه الطاغية صدام مع أخته الشهيدة بنت الهدى في الثمانينات بصورة وحشية، أصدر مثل هذه الفتوى؟ لا شك إذا عرفنا البعث وأساليبه الغوبلزية بطل العجب!

وراء قتل العلماء يقف حزب البعث؟

وبالعودة إلى اتهام الموساد بقتل العلماء والأكاديميين العراقيين، أرى من المفيد مناقشة هذا التقرير لنعرف مدى صحته، بغية حماية الرأي العام من التضليل، وإلا صار سهلاً على فلول البعث تمرير أكاذيبهم وإشاعاتهم المغرضة، ليس على الناس البسطاء فحسب، بل وحتى على المثقفين والأساتذة الأكاديميين مع الأسف الشديد. فالإنسان العراقي بحكم حرصه على مصلحة شعبه، وعدائه للموساد والصهيونية، معرض لتصديق مثل هذه الإشاعات، خاصة وأنها تقدم لهم بفضل التقنية المعلوماتية، لتبدو وكأنها حقائق موثقة، حتى صار من الصعوبة التمييز بين الكذب والصدق.

نحن نعرف قدرات البعثيين الهائلة في التضليل، وحتى قبل دخول الانترنت والفضائيات، في توظيف التراث، والذهنية السائدة في المجتمع الذي "يقرأ الممحي!"، والصراع العربي- الإسرائيلي، وكل شيء لخدمة أغراضهم وبث إشاعاتهم المغرضة. كما ويعرف الجميع كيف يقوم البعثيون بقتل خصومهم ويسيرون في جنائزهم وهم يذرفون دموع التماسيح. كذلك نعرف من هم وراء حرب الإبادة ضد الشعب العراقي، وبالأخص الشيعة منذ 2003 وإلى الآن عن طريق القتل والتهجير القسري. فالبعثيون خبراء في ارتكاب الإرهاب وإلقاء التهمة على خصومهم، بل وحتى على ذوي الضحايا. فقد شاهدناهم بعد كل عملية إرهابية كبيرة، يقومون بتسجيل لقطات فيديو تنقل على اليوتيوب، أعدوا لها مسبقاً على شكل مقابلات مع أشخاص يتظاهرون بأنهم من الناس البسطاء دون سابق معرفة، ليقولوا بالعامية: (هذي التفجيرات ليست من أعمال البعث، ولا القاعدة... عمي يا بعث يا قاعدة!! البعث انتهى من زمان!، هذي من أعمال الحكومة!!) وليوجهوا إصبع الاتهام إلى الحكومة "العملية" وإيران "الفرس المجوس"، وأخيراً وجهوا التهمة إلى الموساد. فالبعث لم يكتفِ بحرب الإبادة ضد الشعب، وتدمير الركائز الاقتصادية، بل قرروا شل العقل العراقي وذلك بقتل علمائه وأطبائه ومثقفيه، وإلقاء التهمة على إسرائيل وأمريكا.

ما مصلحة إسرائيل في ذلك؟

أخبرني أصدقاء أساتذة جامعيون يسكنون في بغداد، أنهم استلموا خلال السنوات الأولى من سقوط حكم البعث، رسائل تهديد، تخيِّرهم بين القتل أو الرحيل من العراق، في خطة جهنمية للتطهير الطائفي، وإفراغ بغداد من الشيعة. فغادر عدد كبير من الأكاديميين العراق حفاظاً على حياتهم، وقتل العديد من الذين لم يغادروا. ويضيف أحد هؤلاء الأصدقاء، ورغم نفوره من التيار الصدري، أنه لولا وقوف جيش المهدي في وجه حملة الإبادة والتهجير لما بقي في بغداد شيعي واحد، وهذا هو سبب تصاعد شعبية التيار الصدري الذي حصد أكثر من غيره من المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

وعندما نؤكد براءة الموساد من قتل العلماء العراقيين، ليس دفاعاً عن الموساد أو إسرائيل، وإنما لأن البعثيين يوجهون التهمة إلى الموساد وأمريكا ليتخذوا من هذه التهمة سلاحاً يرهبون به كل من لا يسايرهم على نهجهم، وهو نوع من الإرهاب الفكري ضده واتهامه بأنه عميل للموساد!.

والسؤال الأخير الذي يجب طرحه هو: لماذا تريد إسرائيل وأمريكا قتل العلماء والأكاديميين والأطباء والأدباء العراقيين دون غيرهم من الشعوب العربية الأخرى، خاصة وقد أصبح العراق في علاقة جيدة مع أمريكا والغرب؟ ولماذا لم تقُم الموساد بقتل العلماء والأكاديميين والأطباء والأدباء المصريين، والجزائريين والأردنيين وغيرهم من العرب؟ لماذا العراق وحده دون غيره؟ الجواب واضح، وهو لا توجد في البلاد العربية الأخرى فلول البعث أزيحوا عن السلطة للقيام بالإرهاب انتقاماً من الشعب، بينما العراق مبتلى بهذه الفلول.

والغرض الرئيسي من إلقاء تهمة قتل العلماء على الموساد وأمريكا هو لتبرئة القتلة الحقيقيين، البعثيون وحلفائهم من أتباع القاعدة من قتل العراقيين. هذا هو السبب الحقيقي وراء هذه الحملة. يقتلون العراقيين ويذرفون دموع التماسيح عليهم ويلقون التهمة على غيرهم. هذا هو أسلوب البعث بامتياز.

عبد الخالق حسين

مراجعة ملهم الملائكة

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW