من 1954 لـ 2012: مارس شهر الأزمات بين العسكر والإخوان
٢٩ مارس ٢٠١٢اعتقالات أمنية، ومحاكمات عسكرية، و"صفقات" سياسية، فخلافات "محسوبة" تنهي ما وُصف بـ"شهر العسل" العسكري-الإخواني. هكذا يتراوح المراقبون في وصف تذبذب العلاقة بين القوتين الأبرز حضوراً على الساحة السياسة المصرية، على مر تاريخهما منذ خمسينات القرن الماضي وحتى الآن. ويبدو أن "مارس" هو شهر الأزمات بين العسكر والإخوان، ففي مارس/ آذار 1954 اندلعت الأزمة الأولى عقب ثورة يوليو 1952، عندما احتدم الصراع على السلطة بين الإخوان (تأسست عام 1928) ومجلس قيادة الثورة، ما أدى إلى حل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال قياداتهم قبل وقوع "حادث المنشية"، الذي جرت خلاله محاولة فاشلة لاغتيال جمال عبد الناصر، تم على إثرها تصفية كوادر الجماعة ومحاكمتهم عسكرياً.
فرق كبير بين "العسكري" ومجلس قيادة الثورة
ورغم المقاربة التي فرضت نفسها بين الأزمتين يرى المؤرخ والسياسي المخضرم صلاح عيسى أنه "لا يوجد شبه بينهما، لاسيما على مستوى المجلس العسكري الحاكم الآن ومجلس قيادة الثورة في خمسينات القرن الماضي، فضلاً عن حجم الإخوان المسلمين آنذاك ووضعهم الآن".
ويوضح عيسى في حديثه مع DW عربية أنه "في ثورة 52 كان العسكر لهم شعبية بسبب قوانين الإصلاح الزراعي، في حين أن الإخوان لم يكونوا بالقوة التي هم عليها الآن بعد سنوات المحنة الأولى في الأربعينات من اعتقالات وتعذيب". وأعرب المؤرخ المصري عن اعتقاده بأن المجلس العسكري ليست لديه نية لمواصلة الحكم، بعكس مجلس قيادة الثورة الذي كان لديه مشروع سياسي يرغب في تنفيذه، على حد قوله.
وعن رأيه في تفاصيل الأزمة الحالية وعلاقة الإخوان بالعسكر بعد الثورة وما يتردد عن وجود صفقة بينهما، قال السياسي في حزب التجمع اليساري: "لا توجد أدلة على وجود صفقة. هذا اتهام قائم على تحليل خاطئ. الليبراليون واليساريون ابتكروا هذه التهمة لتبرير ضعفهم السياسي أمام الإخوان، ليعلقوا فشلهم على شماعة العسكر. هم بذلك خلقوا عدواً وهمياً في حين أن منافسهم الحقيقي هم الإخوان المسلمون".
"جموح الإخوان في الاستئثار بالسلطة قلب عليهم العسكر"
لكن المعتقل السياسي السابق في سجون ناصر والسادات استدرك: "ما يمكن قوله هو إن هناك توافقاً ومصالح مشتركة بين الإخوان. شعار الإخوان الدائم قبل الثورة وبعدها هو الاحتكام إلى صناديق الاقتراع. وبالتالي، عندما وقع الصدام بين الثوار والمجلس العسكري، رأوا أن هذا من شأنه التشويش على الانتخابات التي طالما كانوا ينتظرونها، وكانوا حريصين على إجرائها في موعدها".
أما فيما يتعلق بمصلحة العسكر، أوضح عيسى: "منذ البداية نظر العسكر للإخوان باعتبارهم القوة السياسية الوحيدة المنظمة على الساحة التي يمكن التفاهم معها، لأن سائر القوى، من ليبراليين ويساريين، كانوا غير موحدين". وفي هذا السياق رفض عيسى تصديق اتهامات البعض بأن الولايات المتحدة هي من يحرك المجلس العسكري للتقرب من الإخوان، مستفيدة من تجربتها السلبية التي أعقبت الثورة الإيرانية. وأوضح قائلاً: "ربما يكون هناك تطابق في تشخيص الحالة بين العسكر والولايات المتحدة فيما يتعلق بالإخوان، فكلاهما يراها جهة منظمة".
وعن أسباب الانقلاب المفاجئ على الإخوان يشير مؤلف كتاب "مثقفون وعسكر" قائلاً: "الإخوان يتصرفون بجموح أثار حفيظة العسكر وأشعرهم بأنهم يتجهون للهيمنة المطلقة. كلما كسبوا أرضاً جديدة، تغاضوا عن مبدئهم (المشاركة لا المغالبة) واعتبروا الإنجاز فرصة تاريخية لإقامة دولتهم. بهذا يظهر الإخوان في صورة الطامعين في كل شيء: البرلمان، تأسيسية الدستور، الحكومة، وأخيراً مقعد الرئيس".
"عبد المنعم أبو الفتوح السبب وراء الأزمة"
وبعبارات أدق يقول عيسى: "إن انشقاق عبد المنعم أبو الفتوح وترشحه للرئاسة هو السبب الجذري للأزمة. والمعروف أن أبو الفتوح أحدث انشقاقاً قوياً داخل الجماعة بين تيار شاب يؤيده، وحرس قديم يناصبه العداء. لذلك اضطر الإخوان إلى طرح خيرت الشاطر كمنافس له لاستعادة أصوات شباب الإخوان من أبو الفتوح".
ولما كان الإخوان قد تعهدوا للمجلس العسكري أمام الرأي العام بعدم المنافسة على منصب الرئيس، اشتعل غضب العسكر على الإخوان فور تردد اسم الشاطر مرشحاً محتملاً لرئاسة الجمهورية. إلا أن عيسى يرى أن "براغماتية" الإخوان لن تدفعهم في النهاية إلى الصدام مع المجلس، "بدليل أن مجلس شورى الإخوان مازال متردداً حتى الآن في قرار الدفع بمرشح رئاسي". واعتبر أنه من حيث القوة يكاد يكون الطرفان متساويين، وهو ما يجعل التصعيد بينهما محسوباً، ويجبرهما على التوصل في النهاية إلى اتفاق.
أما مؤيدو "نظرية الصفقة" فيرون أنها كانت تتضمن استحواذ الإخوان على البرلمان مقابل حكومة ائتلافية ورئيس "توافقي" مدعوم من المجلس العسكري. وبعد أن استأثر الإخوان بمجلسي الشعب والشورى ولجنة وضع الدستور، وبعد تهديدهم بسحب الثقة من الحكومة، تصدى المجلس العسكري لمحاولتهم الانفراد بتشكيل حكومة جديدة ومنصب الرئيس في آن واحد.
"مصر ضحية الصراعات السياسية"
من جانبها تعرب الكاتبة الصحفية نشوى الحوفي عن قناعتها بوجود صفقة بين الجانبين تضمنت أن "يغض العسكر الطرف عن تأسيس الإخوان لحزبهم على أساس ديني، بعكس ما ينص عليه قانون الأحزاب، فضلاً عن تجاهل المجلس العسكري طوال الفترة الماضية لضرورة إخضاع حزب الإخوان للجهاز المركزي للمحاسبات فيما يتعلق بمصادر تمويله".
وتضيف الحوفي في حديث لـ DW عربية بالقول: "عندما خرج عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الإخوان، يقول على الملأ إن الحزب لن يخضع للجهاز المركزي للمحاسبات، لم يحرك المجلس العسكري ساكناً. كيف يمكن للعريان أن يتحدث بتلك الثقة دون تعقيب من المجلس العسكري لو لم تكن هناك صفقة بينهما؟"
وتختم الحوفي بالقول: "نحن شعب يعاني من الزهايمر، لا نقرأ التاريخ. ما يجري الآن تكرر بحذافيره سنة 1954، عندما انقلب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة على الإخوان. الكارثة أن مصر 54 ليست مصر 2012، لا من الناحية السياسية ولا الاقتصادية ولا الاجتماعية، وبالتالي فالسيناريوهات اليوم مفتوحة على كل الاحتمالات، والخوف أن تتحول البلد بأكملها إلى ضحية لتلك الصراعات والصفقات السياسية بين العسكر والإخوان".
أميرة محمد- القاهرة
مراجعة: عماد غانم