اعتقلت قوات الأمن الجزائرية إبراهيم من مالي وجبريل من الكاميرون وأجبرتهما على قطع أكثر من عشرين كيلومترا في الصحراء مشياً على الأقدام. موقع مهاجر نيوز تواصل مع الشابين وتحدث معهما عن الرحلة الكابوسية في غياهب الصحراء.
إعلان
"حدث ذلك في أحد الصباحات بينما كنت متجهاً إلى الحقل الذي أعمل فيه. قفز رجال شرطة بلباس مدني من مركبة واقتادوني معهم دون أن ينبسوا ببنت شفة. حدث ذلك كله بلمح البصر. لم يكن هناك مجال للهرب". هكذا يصور جبريل، عملية اعتقاله في مدينة وهران الجزائرية، على ساحل البحر الأبيض المتوسط، في العاشر من تموز/ يونيو، ويقول إن إلقاء القبض عليه بتلك الطريقة سبب له صدمة نفسية.
صداقة تولد من رحم المعاناة
"بعد أن وضعونا في مركبة، رأيت أني لم أكن وحدي وأن الحافلة تغص بالمعتقلين. أخذوا بصماتنا وقالوا لنا إنهم سيأخذوننا إلى مدينة تمنراست، حوالي 2000 كيلومتراً جنوب وهران. بعد ساعات وضعونا في حافلة متجهة إلى الجنوب. كانت الحافلة من ضمن قافلة تحمل مئات الأشخاص من بينهم رجال ونساء وأطفال". وتستغرق الرحلة من وهران إلى تمنراست عدة أيام في الحافلة.
في لحظة ما من المكالمة الهاتفية مع مهاجر نيوز كان من الصعب على جبريل، المنحدر من الكاميرون، تذكر تلك اللحظات المؤلمة ومتابعة الحديث عنها. فقام بإعطاء الهاتف لإبراهيم، المنحدر من مالي. فعلت المعاناة فعلتها وعقدت بين إبراهيم وجبريل، اللذين اعتقلا في نفس اليوم، أواصر صداقة متينة.
"وصلنا تمنراست بعد ثلاثة أيام سفر (...) كان الوقت ليلاً. اقتادونا إلى مخيم للاجئين، حيث كان هناك أعضاء من الصليب الأحمر". ويتابع إبراهيم كلامه معرجاً على سوء معاملة الشرطة الجزائرية لهم: "عاملونا كالحيوانات وضربونا بالهراوات، وكانوا أكثر شراسة مع النساء والأطفال".
في منتصف الليل حشرونا في سيارات كبيرة سارت باتجاه عين قزام (آخر مدينة جزائرية قبل الوصول للحدود مع النيجر). وعند وصولنا قالوا لنا إن "أسامكا تقع على بعد خمسة كيلومترات. وكان هذا كذباً". وأسامكا هي أول مدينة مأهولة في النيجر بالقرب من الحدود مع الجزائر. وتقع على بعد 25 كيلومتراً من عين قزام.
"منتهى الوحشية"
"كان الطقس حاراً. تساقط البعض أثناء السير وسط الصحراء القاحلة من شدة التعب والجوع والعطش. كان ذلك منتهى البربرية" يسرد إبراهيم بحرقة مستذكراً كيف "انتفخت" قدماه بعد ساعات طويلة من المشي في الصحراء الكبرى. بعد وصول إبراهيم وجبريل إلى أسامكا في 13 تموز/يوليو، قدم لهما ولغيرهم فريق من المنظمة الدولية للهجرة، التابعة للأمم المتحدة، العلاج.
رفض إبراهيم وجبريل عرض المنظمة بتأمين عودتهما إلى موطنهما وعادا أدراجهما إلى الجزائر. ويقول الشابان أنهما لم يكونا سعيدين في الجزائر وأنهما كانا يتعرضان للإهانات من الناس والشرطة على حد سواء ويقذفهم الأطفال بالحجارة". ويوضح إبراهيم خلفيات قرارهما: "تعيش عوائلنا في الجزائر. كل ما أملكه هو هناك".
ويختم إبراهيم سرد قصته لمهاجر نيوز بالقول أنه لا يعرف فيما إذا كان سيعود يوماً ما إلى مالي أم لا، بيد أنه لا يريد السفر إلى أوروبا أيضاً: "بصراحة لا أعرف ماذا أفعل".
الهجرة غير الشرعية.. مواقف وأوضاع شركاء أوروبا بشمال أفريقيا
تكثف دول الاتحاد الأوروبي مؤخراً مساعيها من أجل كبح جماح الهجرة غير الشرعية نحو أراضيها، وذلك من خلال عقد شراكات وثيقة مع دول شمال أفريقيا، لكن كيف هي أوضاع ومواقف هذه الدول من أزمة اللاجئين والهجرة غير الشرعية؟
صورة من: Abdelhak Senna/AFP/GettyImages
مصر: بلد عبور يثير القلق
في السنوات الأخيرة تحولت مصر إلى أحد بلدان العبور إلى أوروبا المثيرة للقلق. ولا توجد أرقام دقيقة من جانب السلطات المصرية عن أعداد اللاجئين والمهاجرين السريين، الذين انطلقوا من السواحل المصرية على متن قوارب الصيد. لكن بحسب الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس"، فقد انطلقت عام 2016 نحو ألف سفينة تهريب بشر من مصر. كما شكلت مصر كابوساً للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عام 2016.
صورة من: picture-alliance/dpa
مصر: موقف متحفظ
أثار قرار إقامة مراكز لجوء أوروبية في دول شمال افريقيا، بينها مصر انتقادات المنظمات الحقوقية التي تعنى بشؤون اللاجئين، و تتهم هذه المنظمات نظام عبد الفتاح السيسي بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وأبدت مصر عن موقف متحفظ إزاء إقامة أوروبا مراكز لاستقبال اللاجئين على أراضيها. في المقابل يُشاع أن مصر تسعى للدخول في مساومة مع أوروبا لمنع تدفق المهاجرين إلى أوروبا مقابل مساعدات مالية.
صورة من: DW/M. Hashem
ليبيا: هاجس بدون حل
تعد ليبيا واحدة من أهم دول عبور المهاجرين واللاجئين السريين نحو أوروبا. ظلت موجة الهجرة المتدفقة من هذا البلد تمثل هاجساً للزعماء الأوروبيون، الذي لم ينجحوا لحد الآن في إيجاد حل له. في عام 2008 اُبرم اتفاق أوروبي ليبي لمكافحة الهجرة مقابل 500 مليون دولار. وكان الزعيم الليبي معمر القذافي قد تنبأ بتدفق ملايين المهاجرين لأوروبا وطالب آنذاك بروكسل بدفع خمسة مليارات يورو سنويا لليبيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP/Küstenwache Lybien
ليبيا: موقف رافض
في عام 2017 وصل حوالي 150 ألف مهاجر إلى أوروبا عبر المتوسط. و من أجل كبح جماح هذا التدفق اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي على خطة جديدة وكان أهم مقترحاتها إقامة مراكز خارجية لاستيعاب المهاجرين في دول شمال أفريقيا. وقوبل هذا المقترح الأوروبي بالرفض من أغلب دول شمال أفريقيا، بينها ليبيا، التي أعلنت رفضها لأي إجراء يتعلق بإعادة المهاجرين السريين إليها.
صورة من: AP
تونس: ارتفاع عدد الرحلات غير الشرعية
بالرغم من تشديد الحكومة اليمينية الشعبوية في إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي من استقبال قوارب المهاجرين ومراكب المنظمات الناشطة لإنقاذ المهاجرين في البحر، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت موجة رحلات هجرة غير شرعية انطلقت من السواحل التونسية باتجاه ايطاليا. فبحسب أرقام للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية، فإن 3811 مهاجرا تونسيا سري وصلوا السواحل الإيطالية هذا العام حتى نهاية آب/أغسطس.
صورة من: DW
تونس: رفض معسكرات المهاجرين
لا يختلف موقف تونس عن موقف دول شمال أفريقيا الرافضة لقرار تقديم الاتحاد الأوروبي المزيد من الدعم المالي لدول شمال أفريقيا مقابل المساعدة في التصدي للهجرة غير الشرعية من خلال إقامة معسكرات للمهاجرين.
صورة من: dapd
الجزائر: أكبر دول المنطقة
الجزائر هي أكبر دول منطقة شمال افريقيا، التي يعبرها المهاجرون باتجاه البحر المتوسط نحو أوروبا. ولا توجد إحصاءات رسمية جزائرية بشأن عدد المهاجرين الجزائريين غير الشرعيين، غير أن تقريرا نشرته في عام 2015 منظمة "ألجيريا ووتش" (غير حكومية)، استنادا إلى الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس"، وضع الجزائر في المرتبة التاسعة بين الدول المصدرة للهجرة غير الشرعية عبر الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي .
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Batiche
الجزائر ترفض مراكز الاستقبال
تتعاون الجزائر مع الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة غير الشرعية، وذلك عن طريق إعادة المهاجرين السريين القادمين من دول جنوب الصحراء إلى وطنهم، إذ رحلت خلال الأربع والخمس سنوات الماضية حوالي 33 ألف مهاجر و لاجئ أفريقي إلى بلدانهم بجنوب الصحراء. كما ترفض الجزائر من جانبها بناء مراكز لإيواء المهاجرين الأفارقة على أراضيها.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
المغرب: عودة الهجرة بقوة
عرفت السواحل الإسبانية هذا العام تدفقاً لما يعرف بـ "قوارب الموت" التي تنطلق من الطريق البحرية بين إسبانيا والمغرب والجزائر. فمن أصل 74.501 مهاجرسري وصلوا أوروبا بحراً، استقبلت إسبانيا لوحدها حوالي 43 بالمئة منهم (32.272)، وذلك في الفترة بين الأول من كانون الثاني/ يناير و12 أيلول/سبتمبر 2018، ممّا يجعلها الوجهة الأولى للهجرة السرية عبر البحر الأبيض المتوسط.
صورة من: picture alliance/AP Photo
المغرب: حسابات سياسية ومالية
منذ سنوات يحاول الاتحاد الأوروبي إبرام اتفاق مع المغرب بخصوص عودة المهاجرين من دول افريقيا جنوب الصحراء. ولكن المغرب يرفض ذلك لأسباب سياسية ومالية، أهمها أن ذلك يتعارض مع مسعى المغرب لتقوية علاقاته مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء، والاستفادة منها اقتصادياً من خلال شراكات تجارية، وأيضاً لدعم موقف المغرب في النزاع حول الصحراء الغربية.