كان السفر إلى خارج سوريا حلما صعب التحقيق، أما الآن وقد اصبحت اوروبا التي شغلت أحلامنا خياراً متاحاً، أشعر بأني حبيسة الاتحاد الأوروبي، وعواصمه لا تشبه سوى جدران سجن يفصلني عن سوريا. أصبح السفر إلى سوريا ضرباً من الجنون.
إعلان
ما إن تطأ قدماي باريس حتى تبدأ آلة الأكورديون الموسيقية عزفها في رأسي دونما انقطاع. أسير في شوارعها بغبطة عظيمة، ربما إكراماً لكل الأحلام والأفكار التي ضج بها خيالي سابقاً حين كانت زيارة هذه المدينة المشتهاة، التي تردد اسمها في كل الأفلام الرومانسية، حلماً وردياً يصعب الوصول إليه إلا عبر مركبات الخيال والأماني. لم تكن زيارة باريس مستحيلة حقاً، إلا لما تتطلبه الإجراءات المعقدة من وقت وجهد ومال، وتقريباً استحالة الحصول على التأشيرة. لذا اقتصرت الرحلات السياحية التي كنا نقصدها، ضمن نطاق المدن السورية، التي تحمل تاريخاً غنياً، أو مناظر طبيعية خلابة إذا ما أذهلتنا، وُصفت وكأنها "قطعة من أوروبا". على الرغم من ذلك، كانت تطلعاتي وأحلامي بالسفر تتجاوز حدود البلد أو بالأحرى القارة كلها. كنت قد فتنت بكل الأسماء الرنانة التي تصدح في التلفاز، وتملأ الكتب، وتحظى باستضافة الأفلام العالمية.
ما يؤرقني بعد أن أصبحت أكثر قرباً لما وصفته بالمستحيل، أن تلك الأماكن التي غادرتها، ورغم قربها، باتت بعيدة، كتلك القلعة في مدينتي، التي لم أزرها يوماً لتربعها الدائم على مشارف المدينة. كانت تبعد دقائق فقط، غير أنني لم أزرها. إذ امتلأ رأسي حينها بصور عن لندن، وباريس، وروما، وأمستردام، كل تلك العواصم التي سخرنا من حلمنا المتواضع أمامها. بعد قدومي إلى ألمانيا وإدراكي سهولة التنقل بين هذه "الأحلام"، وجدت نفسي أبحث عما يشابه المدن السورية، التي كانت بديلة لوجهات سفري الحالمة لأعوام.فلا سماء زرقاء كسمائها، ولا شمس حارقة كشمسها، لا شوارع ضيقة فوضوية كتلك الشوارع، ولا بحر يضاهي المتوسط. صحوت فجأة لأجد بأن هناك صور لم التقطها لحجارة قد هدمت مصطحبة معها تاريخ حضارة كاملة، وهناك أعمدة لم ولن ألمسها، بعد أن دمرها سرطان الحرب الذي انتشر غير عابئ بالأشباح التي خلفها. هناك مناطق لم أزرها، وقد لا تنتظر قدومي المجهول، وأخرى تغيرت حيث لم يبق من روح الديار إلا ذاكرة متعبة.
خلال إقامتي في ألمانيا، اختلفت فكرة السفر والمكان الجديد كلياً. أجدني أبحث عن وجهة جديدة بمواصفات قديمة. وكأنني سجينة منطقة الشنغن أو الاتحاد الأوروبي، أتنقل بين بلدانه لا يذهلني سوى تشابه يجمع بين هذه البلدان، وبين النطاق السياحي الصغير الذي كان لأعوام مقصد عطلاتي. قد أجد تشابهاً حيث لا تشابه، وقد يسعدني طقس حار مشابه لصيف طفولتي، وسنوات طويلة أخرى اشتكيت شمسها الحارقة، يملأ الآن رئتي
بالأوكسجين حين تُخنق حرارته آخرين. فقد فقدت هذه العواصم الشهيرة التي كان يرتعش قلبي لذكرها تأثيرها في نفسي، أتردد واقلب الخارطة مراراً وتكراراً بين هذه الدول الكبيرة قبل تحديد وجهتي القادمة، بيد أنني قد فقدت الدهشة حين أصبحت الأشواق أكثر صخباً.
أتابع السير في شوارع باريس بنبض مختلف، ونظرات مختلفة، وأفكار مختلفة، ما عادت خطى نابليون وعظماء التاريخ يشغلني وقعها على أرصفة الشانزلزيه، ولا قصص الملوك التي تركت آثارها على جدران فرساي، أو قوس النصر، أو زوايا المتاحف تلفتني. كل ما يجذب انتباهي ملامح تعيد إلي صور قديمة من دمشق في بعض الأبنية التي ترك الاحتلال الفرنسي لمساته فيها خالدة، أو ملامح أخرى في أبنيتهم ربما قد حملوها من شرقنا. أزقة ضيقة تتشابه مع أزقتها، وشوارع عريضة قد تشبه مدينة أخرى في بلدي تفصلني عنها مسافات شاسعة، وحرب، وأسوار رعب مرتفعة جداً، يقف حنيني أمامها عاجزاً.
تواصل آلة الأكورديون العزف في رأسي، بالتزامن مع كلمات باللغة الفرنسية، التي طالما أحببت، لا تصمت إلى أن أغادر المدينة الرومانسية عائدة إلى ألمانيا بينما أفكر بوجهتي التالية مع إيمان لا يتزعزع، أنني سأرى كل طرقات أوروبا تؤدي إلى الشام.
ريم ضوا
مدن عالمية .. مسارح للروايات البوليسية
عادةً ما يسافر الفرد إلى مدنٍ مشهورة مثل باريس ولندن لمشاهدة معالم تاريخية مثل برج إيفل وساعة بيغ بين. لكن في هذه الجولة نعرفكم على مدن شكلت مسرحاً للكثير من روايات الجريمة وتجذب الكثير من الزوار من بلدانٍ مختلفة.
صورة من: picture-alliance/ZB/R. Kaufhold
ثلاثية "الألفية" للمؤلف السويدي ستيغ لارسون تتخذ من العاصمة ستوكهولم مسرحاً لها. تبدأ أحداث السلسلة في متحف "ستوكهولم"، وتكتمل في الشقة حيث أقامت بطلة القصة "ليزبيت زالاندر"، ومن ثم تنتقل إلى مقهى "ملكفيست"، انتهاء بمطعم "كفارنين". جميع هذه الأماكن تجدها في حي "سوديرمالم" بالعاصمة السويدية.
صورة من: picture-alliance/ZB/B. Pedersen
كتب الروائي السويدي هنينغ مانكل رواياته عن الجريمة وجعل من مدينة "يستاد" السويدية المُطلة على بحر البلطيق مسرحاً لها. هناك كان المحقق كورت فالاندر يتجول وهناك كان يقيم في منزل "مارياغاتن 10" المبني من الطوب. وهنا تقع مكتبته ومقهاه المفضل "فريدولف" في الساحة الرئيسية. وهناك خارطة خاصة للمدينة تعرفك على الأماكن التي ترد في سلسلة الروايات البوليسية هذه.
صورة من: Fredrik Ekblad/ystad.se
مدينة "كوبنهاغن" هي عاصمة الدنمارك ومسقط رأس الروائي جوسي أدلر أولسن، صاحب روايات الجريمة الأكثر مبيعاً، وهو يُقيم حالياً في منطقة ريفية شمال المدينة. الأحداث الرهيبة التي وردت في رواياته كانت كلها من وحي الخيال. وتتبع رواياته خطوط الجرائم التي يعمل المفتش كارل مورك ومساعده على كشف خفاياها.
صورة من: picture alliance/Robert B. Fishman ecomedia
من روائع شخصيات المفتشين شخصية "جول آميدي فرانسوا ميغريت"، التي ابتكرها الروائي البلجيكي جورج سيمنون. المفتش "جول" غالباَ ما يتناول السندويتشات ويحتسي البيرة في كافتيريا "براسيري دوفين" أثناء تحقيقاته. وقد أقيم موقع المطعم، وهو مشابه لمطعم "براسيري" في ساحة "دوفين" بمدينة باريس.
صورة من: picture-alliance/ZB/M. Tödt
من بين أشهر محققي الروايات البوليسية المفتش غيدو برونيتي في سلسلة روايات الروائية الأمريكية دونا ليون، والتي تَعْتبَر مدينة البندقية موطناً لها. تدور الأحداث الغامضة التي يكشف عنها المفتش برونيتي في أزقة المدينة وممراتها المائية الشهيرة. ويقوم المفتش ومساعده، الرقيب سيرجينتي فيانيلو، بالإبحار بزورق الشرطة ووالتوقف أحياناً لاحتساء القهوة في بار "دو موري" قرب جسر"ريالتو" الأثري.
صورة من: picture-alliance/ZB/W. Grubitzsch
تزخر سواحل كورنوول الوعرة بالمواقع التي كانت تُشَكِل مسرحاً لأشهر الروايات الإنكليزية. المناظر الخلابة لريف ماندرلي تُشَكلُ خلفيةً رواية "ريبيكا" للروائية دافني دو مورير. وقد صورت الرواية كفيلم على شاطىء بلدة مينابيلي على الساحل الجنوبي لكورنوول، والفيلم من إخراج عبقري أفلام الجريمة ألفريد هيتشكوك، وفاز بجائزتي أوسكار عام 1940.
صورة من: picture-alliance/dpa/J. Kalaene
قد تُشَكِل الجولات السياحية في لندن بعد حلول الظلام، على غرار جولات شيرلوك هولمز، تجربة ذات نكهة متميزة. هولمز هو عراب المفتشين، وهو من بنات أفكار آرثر كونان دويل. يتشارك هولمز بالسكن مع الدكتور واطسون في شقة تقع بشارع بيكر وسط لندن. تحول هذا المبنى إلى متحف يختص بمقتنيات المفتش هولمز، مثل كرسيه الشهير والموقد والغليون.
صورة من: picture-alliance/dpa/J. Kalaene
مؤلفو الروايات البوليسية إيان رانكينغ وألكسندر ماكول سميث وكيت أتكينسون أرسلوا مفتشيهم لمطاردة الأوغاد في شوارع مدينة إدنبرة الاسكتلندية. بإمكان جمهور المفتش جون ريباس حجز جولات سياحية خاصة لزيارة بعض الأماكن التي ورد ذكرها في الرواية. كما باستطاعتهم قراءة مقاطع من الرواية تتوافق مع الأماكن التي يشاهدونها.
صورة من: picture-alliance/ZB/R. Kaufhold
نادراً ما يتم اللجوء إلى مدينة القدس كمسرح لروايات الجريمة. غير أن المدينة كانت مسرحاً لرواية الكاتب ميشائيل أوهايون وقصة للكاتبة باتيا غور. وقد لاقت رواياتهما البوليسية إقبالاً من القراء في مختلف أنحاء العالم.
صورة من: picture-alliance/dpa/B. Weissbrod
تقع سلسلة جبال وهضاب آيفل في المنطقة الواقعة بين غرب ألمانيا وشرق بلجيكا، وتتصف صخورها بوجود تشوه في الغلاف الصخري. أوحت تضاريس هذه المنطقة للروائيين بكتابة ما لا يقل عن ثلاثين رواية بوليسية. وعلى طريق جبلية تمتد لمسافة 55 كيلومتر، تجد المواقع التي تشهد على حضور المفتشين ومواقع الأحداث التي وردت في الروايات البوليسية.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. P. Tschauner
كُتِبَت روايات الألماني فولكر كوتشر البوليسية أوائل عشرينيات القرن الماضي، أي قبل وصول النازيين إلى السلطة، وهذا ما خلق جواً متميزاً للمفتش غيريون راث. الخريطة المُجَسَمة لمدينة برلين، والموجودة على موقع الكاتب، تُساعد على تتبع الأماكن التي وردت في رواياته عام 1932.