تفتق ذهن الكثير من اللاجئين إلى ألمانيا عن أفكار خلاقة وحولوها لمشاريع عمل واعدة. سيدة سورية نجحت بمعونة شريكها الألماني في إطلاق متجراً الكترونياً لبيع البضائع والمنتجات الشرقية.
إعلان
يعثر المهاجر العربي المقيم في ألمانيا اليوم على معظم ما يخطر بباله من المنتوجات العربية والشرقية في المحلات والمتاجر العربية في ألمانيا. غير أن ذلك يكاد يكون حكراً على المدن الكبرى والمتوسطة؛ إذ يندر وجود تلك البضائع في المدن الصغيرة والقرى. مهندسة سورية لاجئة في مقتبل الثلاثينات من عمرها اكتشفت هذا الفجوة في السوق وسارعت إلى سدها عن طريق إطلاق سوق أونلاين Souk Online.
البذرة في مصر..والثمرة في ألمانيا
فرّت وئام عيسى وزوجها الصحفي وعائلتها من نار الحرب السورية إلى مصر عام 2012. ولأنها لا تطيق "المكوث" في البيت بلا عمل، بدأت بصنع أكسسوارات ومصنوعات يدوية بسيطة وتسويقها عن طريق صفحة على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك. ومن هنا بدأت رحلتها في عالم التجارة.
وفي عام 2014 استقر المطاف بالعائلة في مدينة بيرغش غلادباخ الواقعة على بعد عشرين كيلومتراً من مدينة كولونيا في غرب ألمانيا. سارع الزوجان إلى دراسة اللغة وتمكنوا من الوصول لمستوى متقدم، وفي أثناء ذلك تطوعوا في الترجمة مع عدة جهات كالصليب الأحمر وكاريتاس.
تقاسم للمهام وتكامل
خطرت على بال وئام فكرة المشروع عندما "أردت البدء بتعليم أطفالي اللغة العربية ولم أجد الكتب المناسبة لذلك"، على حد تعبيرها في تصريح خاص بـ"مهاجر نيوز".
توجهت وئام لصديق للعائلة هو الدكتور الألماني أولفر شيلنغز. يدير أولفر شركة Alpha & Omega Public Relations للعلاقات العامة. شرعت السيدة السورية والألماني سوياً-وخطوة خطوة- في تأسيس الشركة وترخيصها حسب القوانين المعمول بها في ألمانيا. وبعد مخاض طويل، استمر تسعة أشهر، رأى موقعهم الإلكتروني التسويقي النور في الأول من تموز/يوليو الماضي. برأس مال قدره ثلاثة آلاف يورو "لا غير"، أقلعت وئام وشريكها بالعمل. "تتصدر رأس قائمة مهماتي الكفاح ضد البيروقراطية الألمانية العاتية والأمور التقنية الخاصة بالموقع والمحاسبة والضرائب والتسويق باتجاه الزبائن الألمان"، يقول أولفر في حديث خاص بـ"مهاجر نيوز". كما يقدم الألماني مكان العمل والمستودع الخاص به وبعض الخدمات اللوجستية الأخرى.
بناء الثقة مع الزبون
يوفر العمل للأم ذات الثلاثة أطفال مرونة كبيرة؛ إذ بإمكانها التواصل مع الزبائن وهي تنجز أعمالها المنزلية كأي ربة منزل. وتقر وئام بصعوبة بناء الثقة مع الزبائن وخصوصاً العرب منهم؛ إذ أن الشراء عن طريق الإنترنت غير شائع في البلاد العربية. غير أنها تقول إنها نجحت ببناء "جسور الثقة" مع الزبائن بواسطة "إتقان العمل والالتزام بدقة المواعيد". ويشكل العرب المهاجرون إلى ألمانيا الغالبية الكبرى من الزبائن إلا أن "الألمان، بدورهم، يشكلون حوالي 20 بالمئة من الزبائن" على حد تعبير أولفر.
تستورد وئام وشريكها المنتجات والمواد المعروضة على الموقع من سوريا وبريطانيا وبلدان أخرى في الشرق الأوسط. ومن ثم تحرص وئام على ترتيبها وتغليفها بيديها ومن ثم إرسالها بالبريد للزبائن. وتشمل المنتجات والبضائع صناديق موازييك مُصدّفة، وكتب بأنواعها، وملابس، ولوازم مدرسية، ومستحضرات التجميل والتنظيف ومواد غذائية ولوازم المواليد الجدد، على سبيل المثال لا الحصر.
فترة حمل!
وصفت وئام المردود بعد أربعة أشهر على الانطلاق بأنه "لا بأس به"، موضحة أكثر: "عند إطلاق المشروع وضعت بالحسبان عدم تحقيق ربح في السنة الأولى وأن يذهب الدخل لتطوير المشروع". وتخطط وئام وأولفر لتطوير الموقع الإلكتروني باتجاه تسهيل استخدامه والولوج إليه وإطلاق تطبيق له على الهواتف الذكية وإضافة اللغة الألمانية للغتين العربية والإنكليزية الموجودتين حالياً، كما تخطط وئام وشريكها لتنويع البضائع وتوفير تشكيلة أوسع من المعروضات.
ويرى أولفر أن فوائد المشروع لا تنحصر بالناحية "الاقتصادية الربحية"، بل تتعداها للجانب الثقافي، أي "بناء جسر بين سوريا والشرق من جهة والألمان على الضفة الأخرى". وعندما سألناه عن رؤيته للمردود الربحي للمشروع، أجاب ضاحكاً: "ما زلنا في الشهور الأولى. وحتى الطفل الرضيع تستغرق فترة حمله تسعة أشهر".
تُعد الإشكالية اللغوية وعدم الحصول على أجور لائقة من بين المصاعب التي يواجهها اللاجئون السوريون في تركيا. ولم يتغير هذا الوضع، رغم مكوث العديد منهم هناك لأعوام كثيرة.
صورة من: DW/D. Cupolo
صبي ينظر باتجاه الشارع من داخل مدرسة في مخيم للاجئين في نصيب2 جنوبي تركيا. وقد عاش العديد من السوريين هناك لأكثر من خمس سنوات، ولكن لديهم صعوبات في الاندماج داخل المجتمع التركي، بسبب الحواجز اللغوية وظروف العمل الصعبة. يقدم هذا المخيم أماكن إقامة جيدة تتوافق مع المعايير الدولية، ولكن السكان مازالو يكافحون من أجل كسر العزلة المجتمعية.
صورة من: DW/D. Cupolo
على ضفاف نهر الفرات أقيم عام 2012 مخيم اللاجئين نصيب 2 والذي يوفر عروضا مجانية في التعليم والرعاية الصحية. وهناك أيضا محلات السوبرماركت للسكان السوريين البالغ عددهم 4500 لاجئا. وعلى خلاف الخيام التقليدية في مخيمات اللاجئين تعيش العائلات هنا في منازل على شكل حاويات، مزودة بحمامات وتدفئة وتكييف.
صورة من: DW/D. Cupolo
وفقا لأرقام وزارة التربية الوطنية التركية فإن 40 بالمائة من الأطفال اللاجئين السوريين في سن الدراسة لا يذهبون إلى المدرسة. لكن التعليم في مخيم نصيب 2 مجاني ومتوفر للطلاب بجميع المراحل الدراسية باللغة العربية والتركية والانجليزية، غير أن بعض اللاجئين انتقدوا أن تعلم اللغة التركية لا يتوافق مع طموحاتهم للعمل مستقبلا بأجور جيدة.
صورة من: DW/D. Cupolo
بالنسبة للأطفال، فالتعليم الأفضل يكون خارج المخيم، حيث لا يتم تعلم اللغة التركية بداخلها بشكل سريع، وهم يريدون تعلما أسرع من اجل الالتحاق بالصفوف المدرسية التي يتواجد بها طلاب أتراك. كما يعتبر مصطفى عمر الذي يدرس اللغة الإنجليزية وهو في الأصل من مدينة حمص، أن "اللاجئين يشعرون بالأمان داخل المخيم مع مواطنيهم، وهو الأمر الأهم بالنسبة لنا".
صورة من: DW/D. Cupolo
"التفاعل بين الأطفال السوريين والأتراك مهم لتخفيف التوترات الاجتماعية، كما يقول عمر كادكوي، وهو باحث متخصص في مجال التكامل الاقتصادي والاجتماعي للاجئين. ولكنه يلاحظ: "ومع ذلك، فالمدارس الحكومية ومراكز التعليم المؤقتة تعاني من نقص في وجود موظفين مؤهلين لتعليم التركية كلغة ثانية"
صورة من: DW/D. Cupolo
هناك قصص نجاح واضحة. ماهر إسماعيل، 17عاما، درس اللغة التركية لمدة عام واحد ويلاحظ "إنها سهلة التعلم "، ويقول إسماعيل في لقائه مع DW. "أستطيع أن أفهم نسبة 70 في المائة من الكلام بالتركية". وعندما يُنهي المدرسة الثانوية فهو يأمل في دراسة الهندسة بجامعة غازي عنتاب القريبة ، كما ذكر مدير المخيم إبراهيم خليل دمير
صورة من: DW/D. Cupolo
نسبة البطالة مرتفعة بين السوريين، ولكن العديد يعثرون على وظائف متدنية المهارات، خاصة في قطاعات يكون العمل فيها شاقا، في حين ينشأون آخرون شركات خاصة بهم. ستة آلاف من الشركات السورية تم إنشاؤها في تركيا بين 2011 و 2017. نسبة 13 في المائة منها موجودة في غازي عنتاب القريبة. ويسعى العديد من السوريين نقل مهاراتهم المهنية إلى السوق التركية.
صورة من: DW/D. Cupolo
كهرمان مراش، 24 عاما، يقيم في المخيم في زيارة لجديه في يوم عطلة، وهو يعمل 12 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع في محل لبيع الكباب في مدينة قريبة مقابل 1000 ليرة تركية أي ما يوازي 256 يورو، ويقول إنه يود أن يتعلم التركية والذهاب إلى المدرسة إلا أنه ليس له وقت للقيام بذلك.
صورة من: DW/D. Cupolo
الأغلبية الساحقة من سكان المخيم يفكرون في العودة إلى ديارهم في سوريا. محمد حاجي (يسار) يقوم بتعبئة الخضار والفواكه طوال اليوم براتب 35 ليرة تركية، أي ما يوازي 9 يورو. ويقول إنه لا يفكر في الذهاب إلى المدرسة هنا، حيث إنه يود العودة إلى سوريا. ويوافقه زكريا عريض (يمين) من الرقة في هذا الرأي. فهو أيضا ينتظر تحرير مدينته من داعش.
صورة من: DW/D. Cupolo
عيوش أحمد (خارج إطار الصورة) تحمل واحدة من حفيداتها. وتعيش عيوش في نصيب 2 منذ خمس سنوات، وكانت من أوائل السكان في المخيم. فحفيداتها رأين نور الحياة في المخيم. وتقول: "إذا بقينا هنا فإن حفيداتي سوف يصبحن تركيات، أما إذا عدنا إلى سوريا فسوف يبقين سوريات". (دييغو كوبلو/علاء جمعة)