مهاجرون عالقون في ليبيا: مصممون على الوصول إلى أوروبا!
١٦ يوليو ٢٠٢٣رغم نجاته من الغرق بعد أن انقلب قارب صيد كان يقله مع مهاجرين قبالة سواحل اليونان انطلاقا من ليبيا، إلا أن الشاب السوري علي مجدي يريد تكرار محاولته في الوصول إلى أوروبا.
وفي محاولته الأولى، دفع مجدي وهو لاجئ سوري في عامه الـ 28، إلى عصابات تهريب المهاجرين في مدينة الزاوية الساحلية 1960 دولارا حتى يتمكن من ركوب قارب ليعبر به في نهاية المطاف إلى البحر المتوسط ليصل بعد ذلك إلى مقصده الذي كان يخطط له، أي إلى ألمانيا ليعيش مع عائلته التي لم يرها منذ ثماني سنوات.
لكن خفر السواحل الليبي اعترض القارب وأجبر مجدي على العودة إلى ليبيا، مضيفا في مقابلة مع DW "لقد تحطمت آمالي بعد إجباري على العودة إلى ليبيا. ورغم الإحباط، إلا أني عازم على المحاولة مرة أخرى."
ويقول "أدرك مخاطر ذلك، لكني ما زلت مصمما على عبور البحر المتوسط لرغبتي في الوصول إلى ألمانيا".
ليبيا نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين
ولا يعد مجدي الاستثناء الوحيد فهو واحد من مئات الآلاف من الأجانب معظمهم يعيشون في ليبيا في الوقت الراهن. وفيما يعبر بعضهم عن سعادته بالتواجد في ليبيا، فإن آخرين لا يزالون عازمين على السفر مجددا إلى أوروبا.
وبينما حالف مجدي بعض الحظ إذ حصل على وظيفة في ليبيا، فإن العديد من أقرانه ربما يتعرضون لسوء المعاملة حيث تقول الأمم المتحدة إنه يوجد حوالي 680 ألف مهاجر في ليبيا أي ما يشكل من 10٪ من إجمالي سكان البلاد.
ومازالت ليبيا تئن تحت وطأة انقسام وتناحر سياسي واقتتال داخلي منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي. وعلى وقع ذلك، باتت هذه الدولة في شمال أفريقيا نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين واللاجئين بسبب قربها من السواحل اليونانية والإيطالية.
وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، حاول أكثر من 56 ألف شخص الإبحار إلى إيطاليا نصفهم انطلاقا من ليبيا.
ورغم هاجس الخوف الذي يساوره إزاء القيام بالتوجه إلى أوروبا مجددا، إلا أن مجدي يعترف بأنه يخشى من خفر السواحل اليونانية، مضيفا "أنا قلق من إمكانية أن يمنعوني من الالتقاء بأسرتي. تصرفات خفر السواحل اليونانية مع المهاجرين الباحثين عن الأمان وحياة أفضل خاطئة تتسبب في كوارث".
وكان مجدي يشير في حديثه إلى كارثة غرق قارب هجرة غير شرعي بالقرب من اليونان في منتصف الشهر المنصرم حيث اتهم ناجون خفر السواحل اليوناني بالتسبب في انقلاب القارب أدريانا أثناء "محاولة فاشلة" لسحبه في عرض البحر.
ومع ذلك، لا يشارك جميع المهاجرين هذا الرأي ومن بينهم الباكستاني رضا سولان الذي كان يحلم في البداية في السفر إلى أوروبا بحثا عن فرصة عمل، لكنه في نهاية المطاف بات راضيا عن بقائه في ليبيا بعد أن ألقت السلطات الإيطالية القبض عليه وإعادته من حيث انطلقت رحلته.
ويقول خبراء إنه في الوقت الذي يتمكن فيه مهاجرون ولاجئون من سوريا وباكستان وبنغلاديش من السفر إلى ليبيا من سوريا على متن رحلات مدنية قبل محاولة شق طريقهم إلى أوروبا، فإن مهاجرين قادمين من دول أفريقية يجدون طريقهم إلى ليبيا عبر الحدود البرية.
وكان سولان قد دفع أكثر من ألفي يورو إلى عصابات تهريب المهاجرين في مدينة الزاوية التي تشهد نشاطا متزايدا لهذه العصابات.
وفي الوقت الراهن، قرر سولان البقاء في ليبيا بعد أن تمكن من الحصول على وظيفة في محل لبيع العصائر في مدينة مصراتة التي تقع على ساحل البحر المتوسط وتبعد حوالي 220 كيلومترا شرق طرابلس حيث تعد بمثابة الميناء التجاري للبلاد.
ويعود تفضيله البقاء في ليبيا إلى قدرته على توفير المال، قائلا في مقابلة مع DW "لن أفكر في الهجرة مرة أخرى أو المخاطرة بحياتي حيث قررت البقاء هنا والعمل في مصراتة لأنها واحدة من أكثر المدن أمانا في البلاد".
ويضيف "العيش في ليبيا يعد جيدا لأن كل شيء هنا بالمجان لا سيما الكهرباء والماء. لذا يمكنني توفير أموال أكثر من المبلغ الذي كان بإمكاني توفيره في أوروبا".
الطريق "الأكثر أمانا" إلى أوروبا
وأفادت المنظمة الدولية للهجرة إنه جرى إعادة قرابة 7300 مهاجر إلى ليبيا منذ بداية العام الجاري وحتى منتصف يونيو/ حزيران الماضي، مشيرة إلى وفاة 662 وفقدان 368 شخصا خلال الفترة ذاتها.
وتستخدم عصابات تهريب المهاجرين هذه المعدلات للترويج بقدرتهم على تنظيم "رحلات آمنة" عبر البحر المتوسط إلى القارة الأوروبية.
وقد استطاعت DW التواصل مع أحد المهربين الذي استغل تطبيق "تيك توك" للإعلان عن نشاطه في تهريب المهاجرين إلى أوروبا حيث يزعم أنه استطاع تنظيم "أكثر الرحلات أمانا إلى أوروبا".
وفي مقابلة أجريت معه عبر إحدى منصات التواصل الاجتماعي، قال المهرب، الذي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن اسمه، أنه يمكنه تنظيم السفر بين طبرق والسواحل الإيطالية مقابل 2500 دولار لكل فرد، زاعما بأن الرحلات التي يقوم بها تتسم "بالأمان".
ويبدو أن هذا الادعاء شدد عليه مهرب آخر ، قائلا في مقابلة مع DW عبر تطبيق "واتس آب" إن الرحلات التي ينظمها إلى أوروبا تعد "الأكثر أمانا" في ليبيا.
من جانبه، كشف إسماعيل الذي كان يعمل كعنصر أمني في الحكومة الليبية، لكنه تحول في الوقت الراهن إلى أحد مهربي المهاجرين، عن الأسباب وراء هذه الادعاءات.
ويستخدم إسماعيل تطبيق تيك توك لإغراء المهاجرين فيما أقر في مقابلة مع DW بأن المقاطع المصورة التي يروج لها ليست واقعية ولا تعكس حقيقة ما يحل بالمهاجرين عند وصولهم إلى وجهتهم النهائية.
ويدفع المهاجرون ما بين 500 دولار و2000 دولار لمهربي المهاجرين على غرار إسماعيل مقابل السفر إلى أوروبا بحرا فيما يعتمد السعر على المخاطر إذ في حالة السفر على متن قارب مطاطي فإن سعر الرحلة يتراوح ما بين 50 و 200 للشخص الواحد وهو ما يشكل أكثر الرحلات خطورة.
وتنطوي الرحلات المرتفعة على تقديم رشاوي لعناصر حرس الحدود الليبيين لمساعدة المهاجرين في الاختفاء داخل سفن الشحن التجاري.
وفي محادثة مع DW، يقول إسماعيل إن "العمل شاق ومرهق، لكنه مربح للغاية أن أقوم في المتوسط برحلتين أسبوعيا".
طريق قانوني للهجرة؟
من جانبه، يقول أحد عناصر خفر السواحل في مدينة الزاوية، طلب عدم الكشف عن هويته، في مقابلة مع DW إنه في ظل أن عمليات تهريب المهاجرين في ليبيا تدر مكاسب كبيرة، فإن الأمر يفتقر إلى أي طريقة لوقفه.
ويقول الخبراء إن السياسات الحالية لمراقبة طريق وسط البحر المتوسط غير فعالة وتؤدي إلى المزيد من الوفيات في عرض البحر فضلا عن أنها تسمح لعصابات تهريب البشر في ليبيا بارتكاب انتهاكات جسيمة.
وقد أفاد تحقيق أجرته الأمم المتحدة في أبريل/ نيسان الماضي بحدوث "انتهاكات حقوقية جسيمة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان ما يعزز الاعتقاد بارتكاب جرائم ضد الإنسانية" بحق المهاجرين في ليبيا.
بدورها، تقول مروة محمد، رئيسة المناصرة والتوعية بمنظمة "محامون من أجل العدالة"، إنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي بذل المزيد من الجهد لمساعدة المهاجرين العالقين في ليبيا والآخرين الراغبين في الإبحار صوب السواحل الأوروبية.
وفي مقال رأي نشره المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين العام الماضي، تشير مروة محمد إلى أن منح المهاجرين في ليبيا مسارا قانونيا للهجرة لن يساعدهم فقط بما يحول دون حدوث وفيات وانتهاكات وإنما سيساعد الدول الأوروبية في تجاوز أزمة نقص العمالة.
وتشدد في المقال على أن "الالتزام بالاستجابة القائمة على الحقوق والتعاون المشترك في إطار سياسة الهجرة يعد أفضل طريقة لحماية المهاجرين واللاجئين من الجرائم الجسيمة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على طول طريق وسط البحر المتوسط".
وترى محمد أنّ لقيام بذلك من شأنه "أن يسهم في مكافحة الجريمة العابرة للحدود المتمثلة في الاتجار بالبشر من خلال القضاء على طلبات الهجرة غير النظامية وإضعاف عصابات التهريب والاتجار بالبشر في نهاية المطاف."
إسلام الأطرش/ م. ع
ساعدت في إعداد التقرير: كاثرين شاير