مهرج مصاب بالسرطان يخفف أوجاع الأطفال في غزة
٢ ديسمبر ٢٠١٨أصيب محمد الزبدة البالغ من العمر 22 ربيعا، بمرض السرطان عندما كان عمره 12 عاما،ً حيث شخص الأطباء إصابته بسرطان البلعوم، وبعدها بدأت والدته بمرافقته من أجل العلاج في غزة ومن ثم إلى إسرائيل حيث ثم استئصال الورم في منطقة البلعوم وهو ما أثر على أحباله الصوتية وأدى إلى بعض التغيير في نبرة صوته.
اليوم وبأنف أحمر وبلباس مهرج ، يتنقل محمد، ماسكا بيده مجموعة من البالونات، بين غرف مستشفى يتعالج فيها أطفال من مرض السرطان بغزة من أجل رسم البسمة على وجوه هؤلاء الأطفال. فهو بنفسه عاش هذه التجربة الصعبة ويشعر بمعاناة هؤلاء الأطفال مع مرض السرطان.
اختار محمد أن يكون مهرجا ذاكر السبب لـ DW عربية قائلاً: "أنا أكثر شخص يشعر بهؤلاء المرضى، فعندما كنت مريض وأذهب الى القدس وإسرائيل للخضوع لجلسات الكيماوي والإشعاع، كنت أشعر بخوف وقلق شديدين من الطبيب ويظهر ذلك جليا على وجهي"، مضيفا، أنه قبل الدخول لهذه الجلسات كان يأتي لزيارته شخص من الطاقم الطبي يتقمص دور المهرج يُبسط له العلاج بطريقة طريفة ومضحكة. "كنت أشعر بالراحة والاطمئنان وكأن العلاج هو فترة ترفيه وليس ألم، ومن هذا المنطلق أحببت أن أخفف عن الأطفال، مثلما كان يحدث معي"، يؤكد محمد الزبدة.
"عمو المهرج"
الأطفال في المستشفى ينادونه "عمو المهرج" ويسألون عنه يومياً لكي يلعبوا معه، لا يخافون منه أبداً بل يعتبرونه "الدواء" الذي يخفف عنهم ألم العلاج الكيماوي، وهو ما تؤكده أيضا سوزان أبو عمشة، والدة الطفلة ريتال، التي تتعالج ابنتها من السرطان في ذات المستشفى: "أعتبر وجود المهرج معنا في المستشفى نعمة كبيرة، فهو يخفف عن طفلتي كثيراً وعندما نأتي هنا تسأل ابنتي عنه أولاً لأنه في كل مرة يزورها يعطيها بالونا أو لعبة لكي تشغل نفسها بها طوال جلسة الكيماوي.. ولا نشعر نحن أهالي الأطفال بأنهم بخير إلا عندما يأتي المهرج ويلعب معهم لكي نرى تفاعلهم وابتسامتهم".
تطوع محمد منذ خمس سنوات في مؤسسة "بسمة أمل" لرعاية مرضى السرطان، وهذه المؤسسة تقدم خدمات للمرضى وتساعدهم على التنقل إلى مستشفيات إسرائيلية بشكل مجاني. رغبة محمد في العمل بهذه المؤسسة تولدت لديه منذ مرحلة العلاج الأولى. ويوضح المهرج الشاب ذلك بقوله "عندما كنت مريضا وأسجل حالتي وبياناتي عند العاملين في المؤسسة، كنت أشعر بأنه يجب أن أكون في هذا المكان لكي أدون حالات المرضى وظروفهم وأقدم لهم الخدمات، وعندما أصبح عمري 17 عاماً تطوعت في المؤسسة وحصلت على دبلوم "المهرج الطبي"، وبهذا حققت حلمي لكي أكون مهرجا للأطفال، حتى أسعدهم وأخفف عنهم بعض الآلام".
يصنع البسمة رغم ظروفه الصعبة
إلى جانب عمله التطوعي في المؤسسة التي احتضنته من البداية، يعتبر محمد الزبدة، المعيل الوحيد لأمه وأخته ويتكفل بجميع متطلبات حياتهما منذ عدة سنوات. فهو الولد الوحيد داخل الأسرة بعد أن تركهم الأب وانتقل للعيش مع أسرته الثانية، كما توضح والدة محمد أناهيد الزبدة (60 عاما) التي تعبر عن فخرها لما حققه ابنها رغم الظروف الصعبة، وتقول بهذا الخصوص: "محمد عانى بشكل كبير خلال مرضه وعاش فترة صعبة جداً ولكن الحمد لله برعاية الله وبمساندتي له دائما ومرافقته للعلاج استطاع تخطي المراحل الصعبة واستئصال الورم والمتابعة مع المستشفيات" وتضيف أم محمد "أنا فخورة به، فهو حقق حلمه بأن يصبح مهرجا وعندما يعود إلى البيت يكون سعيدا جدا ويومه جميل. فهو يحب أن يلاعب الأطفال ويمنحهم الهدايا، كما كان يحدث معه من قبل".
الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر منها عائلة الشاب محمد الزبدة تؤثر أيضا في برنامج علاجه، فكما توضح والدته، فإن محمد يحتاج إلى ثلاث إبر في الشهر، ولكنه لا يأخذ إلا واحدة منها، بسبب صعوبة توفيرها له. "فلا يوجد دخل من أجل شراء الأدوية، وهو يهتم بأن يصرف على البيت أكثر من اهتمامه بعلاجه"، تضيف والدة "المهرج الشاب".
بدوره تحدث سامي الجوجو، منسق عام مؤسسة بسمة أمل لرعاية مرضى السرطان عن نشاط محمد الزبدة التطوعي في المؤسسة، قائلا: "محمد يحب عمله كثيراً ويهتم بأسرته ولديه قناعة بأن أمه وأخته تستحقان العيش بكرامة".
وعاد محمد مؤخرا من رحلة علاج له من مستشفى هداسا عين كارم في إسرائيل، حيث خضع لعملية جراحية وأجرى بعض الفحوصات لمتابعة حالته الصحية. ورغم وضعه الصحي لا يتردد محمد كل مرة في زيارة أطفال السرطان بالمستشفيات لإدخال الفرحة والسرور عليهم من خلال تقمصهم لشخصية المهرج.
رويدا عامر ـ غزة