مهمة الغرب "المستحيلة" في أفغانستان..قرارات خاطئة أم أكاذيب؟
١٠ نوفمبر ٢٠٢١
بعد انسحاب حلف الناتو من أفغانستان وعودة طالبان للحكم بدأت في ألمانيا عملية مراجعة وتقييم تجريها مراكز أبحاث ووزارات وجهات غيرها لمهمة الجيش الألماني هناك. فإلى أين وصلت عملية المراجعة هذه؟
إعلان
حدث غير عادي بداية تشرين الثاني/نوفمبر الجاري في أحد أبنية جامعة فرانكفورت غرب ألمانيا: سيارة شرطة أمام المبنى، تفتيش دقيق للحقائب والمتعلقات الشخصية، تأكد من البطاقات الشخصية للداخلين، رجال حماية في قاعة المحاضرات، في الصف الأول رجل ممشوق القوام بزي رسمي وشعر القصير: نائب المفتش العام للجيش الألماني، ماركوس لاوبنتال.
المناسبة هي مؤتمر خاص بمهمة الجيش الألماني في أفغانستان يعقده "مركز أبحاث فرانكفورت للإسلام في العالم" (FFGI).
"كارثة أفغانستان: دروس للمستقبل؟" هو عنوان المؤتمر. العنوان استفزازي وعدم اليقين كان كبيراً. اجتمع خبراء وعسكريون لتدارس مشاركة الجيش الألماني في أفغانستان على مدار عشرين عاماً. هل كان هدف "بناء أمة" في أفغانستان طموحاً للغاية؟ هذا السؤال طرحه ماركوس لاوبنتال على مستمعيه وعلى نفسه، مضيفاً بتمعن وتفكير أن العمل العسكري جزء من الحل وليس الحل.
تقييم ما بعد الصدمة
أثار الانهيار السريع للقوات الحكومية الأفغانية، التي تم بناؤها بالكثير من المساعدات الأجنبية، أمام مقاتلي حركة طالبان في أيام معدودة دون مقاومة تذكر صدمة كبيرة.
أسباب انهيار مشروع إعادة بناء الدولة وإحلال السلام في أفغانستان ليس موضوع نقاش في مؤتمر فرانكفورت فقط، بل عقدت عدة مؤتمرات بهذا الخصوص. وتتم عملية مراجعة وتقييم في الوزرات الألمانية الأربع التي لها علاقة مع أفغانستان.
عندما ناقش نواب البرلمان الألماني في نهاية آب/أغسطس مهمة إجلاء القوات الألمانية لم يتمحور النقاش حول الانسحاب والإجلاء وصيف 2021 فقط، بل انسحب إلى المهمة برمتها على مدار 20 عاماً.
وحتى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل طالبت آنذاك بالإجابة على الأسئلة النقدية: "الإجابات ستحدد الأهداف السياسية التي يمكن وضعها بشكل واقعي للمهام الخارجية للجيش في الوقت الحالي وفي المستقبل"، على حد تعبيرها.
لهذا مازال أفغان كثيرون يأملون في اللجوء إلى أوروبا
04:35
"تعلمنا من أفغانستان"
هناك اليوم 3 آلاف جندي ألماني في مهمات خارجية معظمهم في مالي. "الفضل فيما تعلمه الجيش الألماني في مكافحة التمردات يعود لأفغانستان، وهذا ليس في المجال الميداني وحده بل وفي التفاوض والتشاور مع مختلف المجموعات المحلية"، يقول: نائب المفتش العام للجيش الألماني، ماركوس لاوبنتال.
نوقشت في المؤتمر بشكل مستفيض مهمة الجيش الألماني منذ البداية وحتى النهاية: تحولت مهمة محاربة الإرهاب إلى عملية تغيير للنظام ومن ثم إلى محاولة إعادة الاستقرار وبناء الدولة. في عام 2004 وضع حلف الناتو هدفاً طموحاً لمهمته في أفغانستان: "بناء دولة آمنة ومستقرة ذات قاعدة عريضة ومراعية للنوع الاجتماعي والتعدد الاثني وتشكيل حكومة تمثل كافة الأطياف".
مهمة الليبرالية الديمقراطية
"سادت في بداية الألفية الجديدة فكرة أن الغرب لديه مهمة هدم آخر قلاع الديكتاتورية والتخلف وإحلال الديمقراطية على النمط الغربي محلها"، يقول كريستوفر داسي، أستاذ العلوم السياسية والخبير بأبحاث الحرب والسلام. ويخلص كريستوفر داسي في حديث مع DW إلى أن "وضع الانخراط الغربي في أفغانستان الحد لهذه الفكرة. إنها لن تنجح وحتى بالكثير من المال والتضحيات وعشرين عاماً من العمل الشاق".
حملت محاضرة كريستوفر داسي عنوان "مهمة مستحيلة"، غير أنه يشدد على ضرورة عدم التخلي عن كل تدابير إحلال الاستقرار: "أحيانا يكون التدخل العسكري ضرورياً وناجحاً، ولكن بأهداف محددة بدقة وبأهداف مرحلية، يمكن قياسها بدقة. ويجب أن يكون هناك الاستعداد لوضع حد للتدخل وسحب القوات عندما لا يكون هناك إمكانية لتحقيق الأهداف".
هل تحظى طالبان بدعم أغلب الأفغان؟
واحد من أكثر الآراء نقدية كان رأي المختص بالقانون الدولي الألماني من أصل إيراني إبراهيم أفصح. وعزز رأيه بخبرة اكتسبها من العمل في الشأن الأفغاني على مدار أكثر من عشر سنوات في أفغانستان نفسها وفي منظمات دولية مختلفة عملت الملف الأفغاني في مجالي القانون والإدارة.
وخلص إبراهيم أفصح إلى نتيجة مفادها: "يبدو أن المشروع السياسي لطالبان يحظى بدعم أغلبية الأفغان أكثر من مشروع النخبة السياسية في كابول. ليس لدى المشروع الليبرالي الديمقراطي أتباعاً كالذي لدى مشروع الإسلام السياسي الطالباني"، مشيراً إلى فشل الغرب في بناء مؤسسات إدارية فعالة ووحدات قتالية تثبت جدارتها.
ومن هنا يدعو إبراهيم أفصح إلى التخلي عن التفكير الرغبوي المريح نفسياً ومحاولة وضع أهداف واقعية يمكن تحقيقيها، مع إشارته إلى أن الأهداف الواقعية قد لا تكون بالضرورة جيدة.
لماذا ذهب الألمان إلى أفغانستان؟
يعتقد إبراهيم أفصح أن أكبر كذبة في مهمة الألمان في أفغانستان هي "القول إننا كنا هناك من أجل الأفغان". ويفسر إبراهيم أكثر: "المستشار السابق غيرهارد شرودر قالها بوضوح إننا ذهبنا إلى أفغانستان تضامناً مع الأمريكيين. نحن نحتاج الولايات المتحدة في أمننا".
بطريقة أقل حدة طرح نائب المفتش العام للجيش الألماني، ماركوس لاوبنتال، السؤال نفسه: "هل أردنا الدفاع عن أفغانستان أم عن ألمانيا". بعد طرح السؤال اختفى ماركوس لاوبنتال وحاشيته وغادروا باتجاه العاصمة برلين حيث مقر وزارة الدفاع الألمانية. وبقي السؤال بلا جواب، بيد أن عملية مراجعة مهمة الجيش الألماني في أفغانستان قد انطلقت.
ماتياس فون هاين/خالد سلامة
في صور.. مشاهد الفرار من "إعصار طالبان"
يحاول كثيرون الفرار من أفغانستان، بعد أن تقدمت حركة طالبان إلى العاصمة كابول، مطيحة بالحكومة، بينما تقوم القوى الغربية بنقل المدنيين جوا من مطار كابول. مشاهد الرعب والتخوف في أفغانستان ضمن هذا الملف المصور.
صورة من: Wakil Kohsar/AFP/Getty Images
أفغان يائسون يحاولون دخول مطار كابول
تواصل العائلات الأفغانية محاولاتها اليائسة للوصول إلى مطار حامد كرزاي الدولي في كابول. وحتى الأطفال تدفقوا بين الحشود التي تسعى بكل قواها للهروب في اللحظات الأخيرة من حركة طالبان التي اقتحمت العاصمة.
صورة من: REUTERS
مستقبل غامض أمام الأفغان
كان أمام الأفغان خياران، منذ انسحاب القوات الأمريكية وقوات الناتو من البلاد، وأحلاهما مر: إما البقاء اعتمادا على قدرة القوات الحكومية على وقف زحف طالبان أو الفرار إلى الدول المجاورة. والآن بعد أن استولت حركة طالبان على العاصمة كابول، بات كثيرون الآن في مأزق، خصوصا مع الغموض الذي يلف المشهد الأفغاني، ولا أحد يعرف ماذا سيحدث بعد ذلك.
صورة من: REUTERS
حشود غير مسبوقة تتجمع في المطار
المطار الرئيسي في كابول، والذي سمي على اسم حامد كرزاي، أول رئيس تولى السلطة بعد الإطاحة بطالبان، بات مسرحا لحشود يائسة مطلع الأسبوع، يحدوهم الأمل في ركوب الطائرات والفرار من طالبان. وبينما سارعت القوى الغربية لإجلاء مجموعات صغيرة، مؤلفة في معظمها من رعايا تلك الدول، وبعض الموظفين المحليين، تم إيقاف الرحلات الجوية التجارية من وإلى البلاد.
صورة من: AFP/Getty Images
طالبان تستولي على القصر الرئاسي
زحف طالبان الذي تواصل حتى سقوط العاصمة كابول، شهد سيطرة مقاتلي الحركة على القصر الرئاسي يوم الأحد (15 أغسطس/آب). وأظهرت مقاطع فيديو قادة ومقاتلي طالبان جالسين داخل القصر معلنين النصر في حملتهم ضد الجيش الأفغاني.
صورة من: Zabi Karim/AP/picture alliance
الخوف من حكم الإسلامويين
الأنظار تتركز الآن نحو الخطوات القادمة، إذ يخشى كثيرون من الحكم الإسلامي المتشدد لطالبان، رغم أن الحركة أصدرت بيانا زعمت فيه أنها لن تنتقم من الأشخاص الذين ساندوا التحالف الذي تدعمه الولايات المتحدة. خلال حقبة حكم طالبان السابقة، منعت النساء والفتيات من التعليم. والآن سارع السكان في كابول للتصرف قبل فوات الآن، محاولين إخفاء الصور التي قد لا يحبها الأصوليون.
صورة من: Kyodo/picture alliance
عبور الحدود إلى باكستان
وبينما اكتظت الحشود حول وفي داخل مطار حامد كرزاي سعيا منهم للمغادرة، كان هناك آخرون يعبرون الحدود برا باتجاه باكستان. وقال وزير الداخلية الباكستاني الشيخ رشيد أحمد لـDW إن حكومة بلاده أغلقت معبر تورخام الحدودي مع أفغانستان.
صورة من: Jafar Khan/AP/picture alliance
عودة طالبان لم تستغرق سوى أسابيع بعد الانسحاب الأمريكي
الولايات المتحدة وحلفاؤها دخلوا أفغانستان معلنين الحرب، بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001، وأطاحوا بحركة طالبان. ولكن بعد عشرين عاما انهار الجيش الأفغاني بشكل مفاجئ، بعيد انسحاب القوات الأمريكية وقوات الناتو.
صورة من: Hoshang Hashimi/AP Photo/picture alliance
قيادة طالبان
الفترة الأولى لحكم طالبان امتدت من عام 1996 إلى عام 2001. وخلالها فرضت الحركة تفسيرا متشددا للشريعة الإسلامية. الحركة تأسست تحت قيادة الملا عمر. أما قائدها الأعلى اليوم فهو هبة الله آخُند زاده. الرئيس المؤسس المشارك الملا بردار، الظاهر في هذه الصورة، يترأس المكتب السياسي للحركة.
صورة من: Social Media/REUTERS
طالبان تنصب رايتها
تقول طالبان إنها مستعدة للسيطرة على البلاد، متعهدة أنها لن تضر بالمدنيين الذين تعاونوا مع القوات الغربية. وأكد المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان، محمد نعيم، في تصريح أنهم "مستعدون لإجراء حوار مع جميع الشخصيات الأفغانية وضمان الحماية اللازمة لهم". الأمر نفسه أكده الناطق باسم الحركة ذبيح الله مجاهد في أول مؤتمر صحفي له من كابول. قد يكون من الصعب تصديق هذا الكلام.
صورة من: Gulabuddin Amiri/AP/picture alliance
خطر على النساء والأطفال
من المرجح أن تعاني النساء والأطفال والأقليات الأخرى بشكل كبير تحت حكم نظام طالبان. فالنساء والفتيات منعن من التعليم خلال الفترة الأولى لحكم طالبان، والذي انتهى بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2001.
صورة من: Paula Bronstein/Getty Images
فرار الرئيس غني
هرب الرئيس الأفغاني أشرف غني من البلاد في 15 أغسطس/آب. وصرح بالقول: "كي نتجنب الفيضان النازف، اعتقدت أنه من الأفضل الخروج"، لكنه شدد على أنه سيواصل الكفاح من أجل بلاده.
صورة من: Rahmat Gul/AP Photo/picture alliance
الرئيس السابق كرزاي يدعو للسلام
أنشأ القادة الأفغان مجلسا للقاء طالبان وإدارة نقل السلطة. الرئيس السابق حميد كرزاي، الذي يقود هذا المجلس، قال إن الهدف هو: "منع الفوضى وتقليل معاناة الشعب" وإدارة "انتقال سلمي" للسلطة.
صورة من: Mariam Zuhaib/AP Photo/picture alliance
جلاء الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون
قامت ألمانيا بإرسال طائرات عسكرية للمساعدة في الإجلاء من أفغانستان، بعد أن أغلقت سفارتها في كابول. الأمر نفسه تقوم به الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية، حيث تقوم بإجلاء القوات والدبلوماسيين ومسؤولين آخرين من البلاد.
صورة من: Moritz Frankenberg/dpa/picture alliance
احتجاجات في الولايات المتحدة
خرج متظاهرون في نهاية الأسبوع في الولايات المتحدة للاحتجاج أمام البيت الأبيض مطالبين باستعادة السلام في أفغانستان. وقال الأدميرال مايك مولين: إن الولايات المتحدة وحلفاءها "قللوا من شأن تأثير ما تقوم به الحكومة (الأفغانية) الفاسدة".