في قلب غزة، تحول منال السعدني بأصابعها الأوراق النقدية الممزقة إلى عملة صالحة للتداول. ففي غزة، حتى النقود تحتاج إلى من ينقذها. ولاقى عمل منال قبولا وترحيبا في سوق النصيرات وسط القطاع.
كل يوم، تحمل منال السعدني طاولتها الصغيرة إلى سوق النصيرات حيث تنصب ورشة عملها البسيطة لإصلاح الأوراق النقدية التالفة.صورة من: Belal Abu Amer apaimage/SIPA/picture alliance
إعلان
تتخذ منال السعدني من طاولة متنقلة تحملها معها، ورشة نقّالة لإصلاح الأوراق النقديّة المتهالكة المتداولة في قطاع غزّة المُحاصر، حيث لا أوراق نقدية جديدة تدخل القطاع منذ بدء الحرب قبل أكثر من عامين.
فكل يوم، تحمل هذه الأم طاولة صغيرة من مخيم البريج إلى سوق النصيرات، وسط القطاع، حيث تنصب ورشة عملها البسيطة لتأمين قوت يومها.
,وفي مقابلة مع فرانس برس، قالت منال إنها "قررت العمل وبدأتُ في تصليح الأوراق النقدية. الحمد لله، معظم الناس في الشارع ساندوني. كانوا يجلبون لي أوراق الـ20 شيكلا ويقولون: نريدك أن تصلحي هذه، بشيكل واحد أو شيكلين".
ويُعد الشيكل الإسرائيلي العملة الأساسية المتداولة في الأراضي الفلسطينية.
لكن منذ اندلاع الحربفي غزة في كتوبر 2023، فرضت إسرائيل حصارا مشددا قيّد دخول مختلف المواد، بما في ذلك الأوراق النقدية.
ولاقى نشاط منال قبولا بين سكان القطاع في ظل القيود على دخول الأوراق النقدية.صورة من: Belal Abu Amer apaimage/SIPA/picture alliance
"لأنني امرأة"
وباتت الأوراق المتداولة تالفة إلى حدّ يرفض معه أصحاب المتاجر قبولها، ليأتي دور أصابع منال السعداني. فعلى لوح زجاجي، تستخدم شفرة مشرط دقيقة لإدخال الغراء في شقوق الأوراق، ثم تلمّع السطح بأصابعها، قبل أن ترفع الورقة نحو الضوء للتأكد من حاجتها إلى مزيد من الترميم، تحت أنظار زبائنها.
تتنهد السعداني قائلة "لأنني امرأة، يقف الجميع إلى جانبي ويدعمونني، لكنني تعبت كوني امرأة، ألا يحق لي أن أرتاح إلى جانب بناتي بدلا من هذا العذاب؟".
يساوي الشيكل نحو 30 سنتا من الدولار هذه الأيام. وتستخدم السعداني طباشير ملوّنة لإعادة بعض البريق إلى الأوراق: ففئة الـ20 شيكلا حمراء، والـ50 خضراء، والـ100 برتقالية، والـ200 زرقاء.
"معظم الأوراق تالفة"
ولاقى نشاط منال قبولا بين سكان القطاع ومن بين هؤلاء نبيلة جنّار. وقالت في مقابلة مع فرانس برس إن "معظم الأوراق تالفة. عندما نحاول استعمالها لدى التجار يقولون لنا إنّها غير صالحة. لذلك نلجأ إلى إصلاحها، وندفع شيكلين مقابل أوراق الـ20، وثلاثة شيكلات مقابل أوراق الـ50".
وأضافت "يجب أن يجدوا حلا لهذه المشكلة ويوفروا لنا المال كي نعيش حياتنا ونشتري ما نحتاجه"، فيما يأمل سكان غزة بتثبيت الهدنة السارية منذ 10 تشرين الأول/أكتوبر.
ووفق تقرير حديث لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى فقدان غزة "70 عاما من التنمية البشرية".
ويشير التقرير إلى أنه "حتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلا، مع توفر الوصول الكامل لمواد إعادة الإعمار والمساعدات الدولية السخية، سيستغرق الأمر عقودا حتى تستعيد غزة مستوى النشاط الاقتصادي الذي كانت عليه قبل الحرب الأخيرة".
تحرير: ع.ج.م
غزة.. حين يصدح العود يصمت ضجيج الحرب لوهلة
وسط أنقاض غزة وخرائبها يتمسّك الموسيقيون الشباب بآلاتهم ويجدون بين الجوع والخوف والفقد لحظةً من الأمل والكرامة، تولد من بين أنغام الموسيقى.
صورة من: Dawoud Abu Alkas/REUTERS
معا للتغلب على الخوف
صف في مدرسة كلية غزة.. الجدران مخرقة بندوب الشظايا وزجاج النوافذ تناثرت أشلاؤه مع عصف القذائف. في إحدى قاعاتها الصغيرة، تجلس ثلاث فتيات وصبي في درس في العزف على الغيتار، أمام معلمهم محمد أبو مهدي الذي يؤمن الرجل أن للموسيقى قدرة على مداواة أرواح أهل القطاع، وأن أنغامها قد تخفف من وطأة القصف، ومن مرارة الفقد ومن قسوة العوز.
صورة من: Dawoud Abu Alkas/REUTERS
مواصلة الدروس
في مطلع العام الماضي كان أحمد أبو عمشة، أستاذ الغيتار والكمان، ذو اللحية الكثّة والابتسامة العريضة، من أوائل أساتذة المعهد الوطني للموسيقى "إدوارد سعيد" وطلابه الذين شردتهم الحرب لكنه بادر إلى استئناف تقديم الدروس مساءً لنازحي الحرب في جنوب غزة. أمّا اليوم، فقد عاد ليستقرّ مجدداً في الشمال، في مدينة غزة.
صورة من: Dawoud Abu Alkas/REUTERS
"الموسيقى تمنحني الأمل"
"الموسيقى تمنحني الأمل وتخفف من خوفي"، تقول ريفان القصاص، البالغة من العمر 15 عاما وقد بدأت تعلم العزف على العود في ربيعها التاسع. وتأمل القصاص في أن تتمكن يوما ما من العزف في خارج القطاع. القلق كبير بين الناس من أن يتم اقتلاعهم مرة أخرى بعد قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي في 8 أغسطس/ آب السيطرة على مدينة غزة.
صورة من: Dawoud Abu Alkas/REUTERS
ظروق قاسية
أمام خيمة مدرسي الموسيقى تقع مدينة غزة وقد استحالت إلى بحر من الحطام والخراب. يعيش معظم السكان في ملاجئ أو مخيمات مكتظة، وتشح المواد الغذائية والمياه النظيفة والمساعدات الطبية. ويعاني الطلاب والمعلمون من الجوع ويصعب على بعضهم الحضور إلى الدروس.
صورة من: Dawoud Abu Alkas/REUTERS
شيء جميل بين الموت والحياة
الفلسطيني يوسف سعد يقف مع عوده أمام مبنى المدرسة المدمر. لم تنج من القتال سوى قلة قليلة من الآلات الموسيقية. يوسف البالغ من العمر 18 عاما لديه حلم كبير: "آمل أن أتمكن من تعليم الأطفال الموسيقى، حتى يتمكنوا من رؤية الجمال رغم الدمار".
صورة من: Dawoud Abu Alkas/REUTERS
افتخار وكبرياء في القلب
من الطبيعي أن يتم عرض ما تعلمه الطلاب من العزف على الآلات الموسيقية في ظل الظروف الكارثية أمام الجمهور. في خيمة يعرض طلاب الموسيقى ما يمكنهم فعله ويحصدون تصفيقا حارا. المجموعة الموسيقية متنوعة. وتقول طالبة للعزف على الغيتار تبلغ من العمر 20 عاما: "أحب اكتشاف أنواع موسيقية جديدة، لكنني أحب الروك بشكل خاص. أنا من عشاق الروك".
صورة من: Dawoud Abu Alkas/REUTERS
سعداء ولو للحظة!
ولا يغيب الغناء عن المشهد، فتناغم أصوات الأطفال على خشبة مرتجلة يتناهى كنسمة مُرهفة، يخفف من وقع إيقاع الانفجارات القاتلة. تلك الانفجارات التي لا يدري أهل غزة إن كانوا سيفلتون من براثنها عند الضربة التالية أم سيكونون من ضحاياها.
صورة من: Dawoud Abu Alkas/REUTERS
الموسيقى في مواجهة الألم
يعزف أسامة جحجوح على آلة الناي وهي آلة موسيقية المستخدمة في الموسيقى العربية والفارسية والتركية. يقول: "أحيانا أعتمد على تمارين التنفس أو العزف الصامت عندما يكون القصف شديدا. عندما أعزف، أشعر أنني أستعيد أنفاسي، وكأن الناي يزيل الألم من داخلي".
أعده للعربية: م.أ.م