موافقة أردوغان على انضمام السويد للناتو انعطافة نحو الغرب؟
١١ يوليو ٢٠٢٣
أنهى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان 14 شهراً من الانتظار والمفاوضات الشاقّة بمصافحة أعطى فيها الضوء الأخضر لانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في خطوة رأى فيها محلّلون انعطافة في سياسته الخارجية نحو الغرب.
إعلان
يؤكد خبراء أن قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برفع الفيتو عن انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي الذي لقي ترحيباً في واشنطن وباريس وبرلين، مدفوع خصوصاً بتدهور الاقتصاد التركي.
قبل أن يسافر إلى ليتوانيا الاثنين، وضع الرئيس التركي شرطاً جديداً للموافقة على انضمام السويد إلى الحلف الأطلسي، ما أثار مخاوف من إطالة المفاوضات مع ستوكهولم لأشهر. وقال اردوغان الذي كان يعطّل انضمام ستوكهولم إلى الناتو منذ أيار/مايو 2022: "أولاً، افتحوا الطريق أمام عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي ثم نفتحه أمام السويد" التي اتهمها طوال أشهر بإيواء مسلّحين أكراد مطلوبين لأنقرة.
هل بالإمكان التنبؤ بخطوات أردوغان؟
بعد أقلّ من عشر ساعات من تلك التصريحات، وإثر محادثات مع رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون والأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، أنهى رجل أنقرة القوي التعطيل.
يقول الباحث في "المعهد الألماني للعلاقات الدولية والأمن" في برلين سليم شفيق "نميل إلى الاعتقاد بأن مواقف اردوغان لا يمكن التنبؤ بها. لكن ذلك ليس صحيحاً، فبمجرد أن تفهم أسلوبه في التعامل، يصبح متوقعاً".
وتعتبر الباحثة في "مركز بروكينغز" أسلي آيدينتاسباس أن أنقرة تأمل أن تسهم موافقتها في "تعزيز علاقاتها مع أوروبا والغرب". وتضيف في تغريدة "لقد كانت سياسة التوازن الجديدة التي تبناها تميل كثيراً إلى روسيا".
وفي مؤشّر إلى هذا التحوّل، أيّد الرئيس التركي الذي حافظ على علاقات جيّدة مع موسكو، ترشيح أوكرانيا للانضمام إلى الناتو الجمعة أثناء استقباله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في إسطنبول.
كما سمح رجب طيب أردوغان بعودة خمسة من قادة كتيبة آزوف إلى أوكرانيا، بينما ينصّ اتفاق تبادل الأسرى بين موسكو وكييف على بقائهم في تركيا حتى نهاية الحرب. وقد انتقدت روسيا الخطوة على الفور.
ويرى بعض الخبراء أن هذه التطورات علامة على أن اردوغان يحتاج بشدّة إلى الغربيين، في وقت تعمل فيه تركيا على تخطّي أزمتها الاقتصادية العميقة.
زيلينسكي يصطحب 5 من قادة كتيبة أزوف من أثناء عودته إلى كييف قادما من تركيا
02:02
"تركيا بحاجة إلى استثمارات غربية"
يرى المحلل في شركة "بلو باي" تيموثي آش أنّه لو واصلت تركيا تعطيل انضمام السويد إلى الناتو "لما أدى هذا الإمر إلا إلى صعوبات اقتصادية، ولكان سيعرضها لخطر أزمة اقتصادية نظامية".
وتقول الباحثة في مركز "تيباف" في أنقرة نيلجون أريسان إيرالب إن "تركيا بحاجة إلى استثمارات غربية، لكنني لا أعتقد أن الاستثمار سيأتي فقط بسبب تغيير في خطاب الرئيس. يريد المستثمرون أولاً أن يروا اقتصاداً قائماً على قواعد وسيادة القانون". وتشير الباحثة في تصريح لفرانس برس إلى أنّ "التغيير في الخطاب" قد يكون موقتاً فقط، مضيفة أن مثل هذا التحول "سبق أن حدث، وبعده مباشرة، وقع العكس تماماً". وتشير إلى أنّ الرئيس التركي الذي أعيد انتخابه في نهاية أيار/مايو لولاية مدتها خمس سنوات، حسّن صورته لدى الرأي العام المحلّي بالخلاف الذي أثاره مع السويد وحلف شمال الأطلسي.
ويوافقها الرأي سليم شفيق الذي يرى أنّ "انتصار اردوغان الحقيقي هو تصدّره عناوين الصحف، وهو أمر أساسي لصورته في السياسة الداخلية".
خ.س/ف.ي (أ ف ب)
تركيا- الاتحاد الأوروبي.. كيف تحوّلت فكرة الانضمام إلى سراب؟
تاريخ من الشد والجذب بين تركيا والاتحاد الأوروبي. أنقرة وضعت الطلب مبكرا قبل إنشاء الاتحاد لكن كانت هناك ملفات شائكة عرقلت عملية الانضمام حتى بات الأمر مستحيلا تقريبا، على الأقل في فترة رجب طيب أردوغان.
صورة من: Getty Images/C. McGrath
أول اتفاقية مع الجماعة الأوروبية
وقعت تركيا وما كان يعرف بالجماعة الاقتصادية الأوروبية (تكونت حينها من ستة بلدان) اتفاقية اتحاد جمركي عام 1963. وكان من المفروض أن يكون الاتفاق بداية للانضمام الفعلي إلى الجماعة، خاصة مع توقيع بروتوكول إضافي عام 1970 وازدهار التبادل التجاري بين الطرفين، غير أن الحال بقي كما هو عليه، قبل تجميد عضوية تركيا بعد وقوع انقلاب عسكري فيها عام 1980.
صورة من: Alfred Hennig/dpa/picture alliance
جمهورية قبرص التركية تعمّق الخلاف
عادت تركيا لتطلب الانضمام مجددا عام 1987، لكن ظهر جليا وجود معارضة داخلية أوروبية قوية لهذا الانضمام، خاصة بعد انضمام اليونان إلى المجموعة عام 1981، ودخولها في صراع مع تركيا منذ اجتياح هذه الأخيرة لقبرص عام 1975 ثم إعلان أنقرة من جانب واحد قيام جمهورية شمال قبرص التركية عام 1983.
صورة من: Birol Bebek/AFP/Getty Images
الاتحاد يتأسس دون تركيا
تأسس الاتحاد الأوروبي فعليا عام 1992 دون تركيا. استمرت هذه الأخيرة في محاولاتها، واستطاعت إقناع الأوروبيين بتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة معها عام 1995، غير أن تفكك الاتحاد السوفياتي ساهم سلبا في استمرار إبعاد تركيا نظرا لكثرة المرشحين الجدد، قبل أن يتم إعلان أن تركيا ولأول مرة مرشحة فعليا للانضمام، وذلك بعد قمة هلسنكي عام 1999.
صورة من: picture-alliance/dpa
عهد أردوغان
وصل رجب طيب أردوغان إلى السلطة في تركيا عام 2003 وكان متحمسا كثيرا للانضمام، غير أن عدة دول أوروبية كالنمسا وألمانيا وفرنسا كانت لها تحفظات كثيرة على عضوية تركيا. المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عارضت فكرة الانضمام واقترحت بدلا منها شراكة مميزة بسبب الخلافات مع تركيا حول حقوق الإنسان وقبرص وسياسة أنقرة الخارجية.
صورة من: imago/Depo Photos
شروط كوبنهاغن
وضع الأوروبيون شرط احترام بنود اتفاقية كوبنهاغن أمام تركيا للانضمام، ومن الشروط تنظيم انتخابات حرة واحترام حقوق الإنسان واحترام الأقليات. ولأجل ذلك أعلنت أنقرة عدة إصلاحات منها إلغاء عقوبة الإعدام. بدأت المفاوضات الفعلية للانضمام عام 2005 في مجموعة من المجالات، غير أن استمرار مشكلة قبرص عجل بوقف المفاوضات، إذ رفضت أنقرة الاعتراف بعضوية قبرص في الاتحاد.
صورة من: Getty Images/AFP/C. Turkel
دولة مسلمة وسط اتحاد مسيحي؟
تشير العديد من التقارير إلى أن الاختلاف الديني بين تركيا وبلدان الاتحاد الأوروبي يشكلّ سبباً غير معلن لرفض الانضمام، فدول الاتحاد هي بلدان مسيحية فيما تركيا هي بلد مسلم. أكثر من ذلك، قلّص أردوغان مظاهر العلمانية وأرجع الدين إلى الحياة العامة. هذا العامل يرتبط بتوجس الأوروبيين من النزعة القومية التركية ومن عدم إمكانية قبول الأتراك بمشاركة هوية مجتمعية مع أوربييين يختلفون عنهم في نمط حياتهم.
صورة من: Reuters/U. Bektas
التفاوض يتعثر مجددا
بدءا من عام 2013 عادت المفاوضات مجددا، خاصة بعد مغادرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي كان معارضا بقوة لفكرة الانضمام. لم تغيّر ميركل موقفها لكنها أبدت مرونة واضحة، بيدَ أن تركيا وضعت هي الأخرى شروطها المالية الخاصة لاسيما مع تحملها موجة اللاجئين. وجاء قمع مظاهرات ميدان تقسيم 2013 ليوقف المفاوضات مرة أخرى.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP/T. Bozoglu
الصراع مع قادة أوروبيين يتفاقم
لم تجانب المفوضية الأوروبية الواقع عندما قالت عام 2019 إن آمال انضمام تركيا إلى الاتحاد تلاشت، فلا أحد من الطرفين بات متحمسا للفكرة. أخذ أردوغان خطوات وصفها قادة من الاتحاد بأنها "استبدادية" خاصة مع تقارير حقوقية عن تراجع الحريات في البلد. أبعد ملف اللاجئين الطرفين أكثر، ثم جاء النزاع في شرق المتوسط بين تركيا من جهة واليونان وقبرص وفرنسا من جهة ثانية ليعدم تقريبا الفكرة.
صورة من: Adem ALTAN and Ludovic Marin/various sources/AFP