مواقع التواصل- بديل المعارضة السعودية في الخارج لأجل التغيير
١ ديسمبر ٢٠١٧ليست المعارضة الإلكترونية أمراً جديداً في السعودية، فمنذ بزوغ نجم مواقع التواصل الاجتماعي بالمنطقة العربية في الفترة ما بعد عام 2008، وهذه الشبكات الاجتماعية تزخر بمجموعة من الصفحات والحسابات التي فتحت متنفساً لانتقاد الأوضاع في البلدان العربية التي تطالها دورياً انتقادات بخصوص حرية التعبير. السعودية لم تكن استثناءً، خاصة لقوانينها المتشدّدة التي تعتبر "الإساءة إلى الدولة وسمعتها" جريمة، ولعدم امتلاكها أحزاباً أو منظمات نقابية أو حقوقية مستقلة، ممّا دفع الكثير من الشخصيات إلى مغادرة البلد، واتخاذ المواقع الاجتماعية منصة للمطالبة بحقوق أكبر داخل بلدهم.
من هذه الشخصيات الأمير خالد بن فرحان الذي حاورته DW مؤخراً في ألمانيا، كما توجد حسابات تقودها أسماءٌ مستعارة، من أشهرها حساب "مًجتهد" الذي يغرّد في تويتر منذ عام 2011، والكاتب الصحفي جمال خاشقجي الذي يقطن بالولايات المتحدة، ومؤخراً التأم عدد من السعوديين في مبادرة انطلقت من دبلن تحمل اسم "مواطنون بلا قيود"، تدعمها شخصيات سعودية مُعارضة معروفة كالأكاديمية مضاوي رشيد والحقوقي يحيى عسيري حسب ما صرّح به منسق المبادرة عبد العزيز المؤيد، المُقيم في إيرلندا.
تعتمد هذه المبادرة على الحملات الإلكترونية بقوة، وقد أطلقت فيديو جديد هذا الأسبوع، تحدثت فيه شابة اسمها دلال الشهيب إلى جانب المؤيد، عن ما تراه انتهاكاً لحقوق النساء في السعودية، مستعرضة لتجربتها في "أستلامها تهديدات بالقتل بسبب رغبتها الزواج من شخص سعودي لم يرغب فيه والدها"، وكذا لتجارب نساء أخريات كالأستاذة الجامعية فوزية أبو خالد، والشابة دينا علي التي تحدّت نظام الولاية وحاولت اللجوء في استراليا. فهل تنجح مواقع التواصل الاجتماعي في نشر أفكارٍ تنادي بالتغيير في السعودية؟
مطالب الديمقراطية
الإجابة تبدأ باستحضار عدة حملات إلكترونية شهدتها هذه المواقع خلال السنوات الماضية لأجل حراك يغيّر أوضاع البلد، ومن ذلك ما يعرف بـ"حراك 15 سبتمبر" الذي دعا إلى "معالجة الفقر والبطالة ورفع الظلم عن المرأة " ومطالب أخرى. غير أن هذا الحراك، الذي أطلقته مجموعة من الحسابات على موقع تويتر خلال سبتمبر/أيلول 2017، وتناولته الصحافة العالمية بشكل كبير، بقي في حدود الانترنت ولم يحقّق شيئاً على أرض الواقع، وإن كان قد أثار حفيظة الداخلية السعودية التي دعت إلى الإبلاغ عن أي "أنشطة تحريضية" على مواقع التواصل، كما رّدت النيابة العامة على الحملة بتعميم نشر المادة الأولى من "نظام جرائم الإرهاب" التي تعاقب على "تعريض الوحدة الوطنية للخطر".
يقول عبد العزيز المؤيد في تصريحات لـDW عربية، إن هدف مبادرة "مواطنون بلا قيود" هو تكوين "معارضة سلمية تشكّل وسيلة ضغط كي لا يكون القرار محصوراً في مجموعة صغيرة. إنها معارضة تجمع أطياف مختلفة ولكنها تعمل بتوافق لتحقيق الأهداف التي تتفق عليها". لا تملك المبادرة هدفاً واضحاً يخصّ نظام الحكم في السعودية، إذ تؤمن حسب المؤيد بحرية الرأي والتعبير عبر إصلاح القوانين التي تمس بهذه الحرية، وبالمشاركة السياسية للجميع عبر انتخابات برلمانية حرة. ويضيف المؤيد أن المبادرة تلتزم بمبادئ أساسية منها عدم انتهاك الكرامة الإنسانية واحترام الحق في الحياة والتساوي أمام القانون ومشاركة المعرفة واحترام الحياة الخاصة وتوفير الخدمات الأساسية للجميع.
لكن د. حمدان علي الشهري، الأستاذ في معهد الأمير سعود فيصل للدراسات الدبلوماسية، يرى في حوار مع DW عربية، أن هذه الحركة مغمورة وقلة قليلة يعرفون بها، متهماً أعضاءها بالعمل، في أغلب ظنه، لأجندات خارجية، أو أن تستخدمهم دول معينة، كإيران، مطية لأهدافها وليس لصالح بلادهم (وهو ما نفاه المؤيد). أما عن مطالب الديمقراطية، فيعلق الشهري : "ماذا جلبت الديمقراطية في العراق وسوريا وحتى في لبنان حيث توجد ميلشيات تحمل السلاح؟ لا توجد نماذج حية للديمقراطية في المنطقة، بينما تعدّ الأنظمة في الخليج من الأكثر استقراراً ومن الأفضل اقتصادياً وأمنياً". ويردف الشهري أن استقرار البلدان أهم من هذه الدعوات، وأن الأهم ليس في شكل النظام السياسي الذي يختلف من دولة إلى دولة، بل في واقع عيش سكان البلد المعني وأحوالهم المعيشية.
استخدام الانترنت
نشرت مبادرة "مواطنون بلا قيود" ثلاثة مقاطع فيديو منذ إنشائها قبل شهرين، وتملك موقعاً باللغة الإنجليزية وحساباً نشيطاً على تويتر. يقول المؤيد إن المبادرة تعمل بشكل دوري على إنتاج محتوى مرئى بالإضافة لاستخدام حملات تدعم قضايا محددة، فهي ترى في الانترنت وسيلة لإيصال رسائل إلى الجمهور السعودي وللتواصل مع المهتمين وكذا لتمثيل "الأصوات المقموعة" داخل السعودية حسب وصفه. ويقرّ المؤيد أن تهديدات الداخلية السعودية نجحت بشكل كبير في إيقاف الكثير من الأصوات التي تحمل وجهات نظر مختلفة، بل "مع الوقت ستجد أن هذه الأصوات أضحت مهددة بالانقراض" وفق تعبيره.
النقاشات السياسية التي دارت في هذه الفضاءات الرقمية خلال السنوات الأخيرة كانت من الأسباب التي شجعت المؤيد أكثر على بلورة فكرة المبادرة، إذ نشرت شخصيات سعودية أفكاراً غير مسبوقة في مواقع التواصل لم تكن لتظهر في الإعلام المحلي. مع تشديد المراقبة داخل بلادهم، بات سعوديو المهجر الفئة الأكثر قدرة على التعبير عن آرائها المنتقدة للسلطات، كما يقول المؤيد، وهو ما تستفيد منه المبادرة التي تجمّع مواقف هذه الفئة، ومن ذلك رصد آرائهم في التسويات المالية التي تتم مع الأمراء ورجال الأعمال الموقوفين، وكانت نتيجة هذا الرصد، أن هناك رفضاً لهذه الصيغة، فـ"الكلمة الفيصل يجب أن تكون للقضاء"، يتحدث المؤيد.
في الجانب الآخر يرفض الشهري الاتهامات بغياب حرية الرأي والتعبير في المملكة، إذ يقول إن هناك كُتاباً داخل السعودية وفي الصحف السعودية يكتبون آراءهم التي تنتقد ولكن بطريقة بناءة وليس بشكل استعدائي يدعو إلى تدمير البلد، فهم "يخافون على بلدهم ولديهم غيرة عليه"، يقول الشهري، مستدركاً: "لا أقول إننا دولة ديمقراطية، لكننا كذلك لسنا دولة بوليسية تُكمّم الأفواه وتقمع الناس. لك الحق في التعبير في حدود صالح البلد. ولو كنا بهذا القمع، لما استمرت وسائل التواصل الاجتماعي بقوة داخل البلاد، فقد كان سيتم إغلاقها كما فعلت دول أخرى".
ولا يبدو الشهري واثقا كثيراً فيما يمكن للمعارضة داخل التواصل الاجتماعي أن تؤثر به، إذ يقول: "الكثير من الحسابات المعارضة في هذه المواقع لا يُعرف أصحابها الحقيقيون، إذ تَستخدم بكثرة أسماء مستعارة ومن الصعب لها أن تغيرّ شيئا على أرض الواقع". ويتابع الشهري أن السعودية لم تتأثر بمحاولات عديدة لتأجيج الأوضاع انطلاقاً من مواقع التواصل في زمن الربيع العربي رغم الدعم الكبير الذي تلقاه ( هذا الربيع)، فـ"ما بالك الآن، وقد تبيّن من هو المستفيد الحقيقي من الربيع العربي (مشيراً بصراحة إلى إيران)"، ويضيف الأكاديمي السعودي قائلا : "لا أظن أن هناك عاقلاً داخل السعودية يحاول استغلال هذه المواقع لمحاولة ضرب استقرار المملكة التي تعيش ديناميكية متطورة تجسدت في أكثر من مجال".
في سياق متصل، يؤمن المؤيد أن هناك عقبات كثيرة أمام "مواطنون بلا قيود"، يلّخصها فيما يراه "سلطة قمعية تزرع الخوف في قلب كلّ مفكر حر"، معطياً المثال باعتقال سلمان العودة وبمنع أسرته من السفر (حسب تصريحات المؤيد)، وكذا في "معارضة مزيفة" صنعتها الحكومة، لكنه يؤمن كذلك أن التأثير الإيجابي على الوضع سيكون تدريجياً: "على طول تاريخ المملكة، كان للنشطاء الحقوقيين أثر في تهذيب مواقف السلطة بشكل أو بآخر، ونحن نسعى في النهاية أن نكون أحد العوامل التي تساعد في التغيير".