مواليد للاجئين بلا شهادة ميلاد ولا تأمين طبي في ألمانيا
شكري الشابي - برلين١١ سبتمبر ٢٠١٦
جاء لاجئون إلى ألمانيا من دون وثائق رسمية. أغلبهم فقدوا وثائقهم وشهاداتهم العلمية أثناء رحلاتهم عبر البحر. وهو ما يؤثر سلبا على مواليدهم الجدد في المهجر الألماني ويحرمهم من حقوقهم المدنية. DW عربية تبحث في ذلك من برلين.
إعلان
أعداد كبيرة من اللاجئين، لاسيما منهم من السورين والعراقيين، أتوا إلى ألمانيا لاعتبارات مختلفة من دون وثائق رسمية. أغلبهم فقدوا وثائقهم وشهاداتهم العلمية أثناء مغامراتهم الأليمة عبر البحر الأبيض المتوسط. هذا ما أثر سلبا على مواليدهم الجديدة في المهجر الألماني. كُثُرٌ هُم من لم يحصلوا على شهادة ميلاد وبالتالي لم يتمتعوا بحقوقهم المدنية ويعيشون على هامش المجتمع الألماني. تقدر الدوائر الرسمية البرلينية عدد هؤلاء بحوالي 400 رضيع يعودون إلى عائلات لاجئة.
لاعنايةطبيةولامساعدةماليةمن دونشهادةميلاد
"أنا مستاء جدا من الإدارة الألمانية ومن تصرفاتها معنا". كانت هذه الكلمات الأولى التي تفوه بها السيد أحمد حينما التقته DW عربية في أحد المقاهي العربية التي يزورها في حي فيلمرسدورف البرليني. أحمد لاجئ سوري جاء بواسطة البحر مع عائلته -التي تتكون من أم وأربعة أطفال- إلى ألمانيا السنة المنقضية، وكالعديد من أبناء جلدته فرَّ هو الآخر من جحيم الحرب في موطنه من أجل حياة آمنة وأفضل في الغربة الألمانية.
"رزقنا الله قبل حوالي ثلاثة أشهر هنا في ألمانيا اِبناً سميناه نبيل، بالرغم من ولادته في مستشفى برليني إلا أن الإدارة الألمانية لم تقبل منحه شهادة ميلاد، صحيح أني لا املك أي إثبات قانوني يؤكد أبوتي لابني الذي هو من صلبي، لكننا بحاجة ماسة للتسجيل حتى يتمتع بحقوقه ككل طفل هنا في ألمانيا".
الأب الحلبي الأصل يقص قصته لـ DW عربية مداعباً بأنامله الخشنة كأس الشاي على الطاولة، ملقياً بنظراته وكأنه يترجى المساعدة. إن الإشكالية، كما قال لنا رب العائلة السوري في حديثه، يتمثل في عدم امتلاك أفراد العائلة إلى هويات أو وثائق رسمية من سوريا أو من ألمانيا، فالعائلة لم يتم تسجيلها بعد في إدارات التسجيل المعنية. ولهذا السبب رفضت البلدية البرلينية منحه شهادة ميلاد ابنه الرضيع الجديد.
نفس الإشكالية يعيشها أيضا صديقه وابن وطنه أيمن البالغ من العمر ثلاثة وثلاثين ربيعا. أيمن يعيش هو الآخر في برلين بصحبة عائلته التي تتكون من زوجة وثلاثة أطفال، تتراوح أعمار أطفاله بين الشهرين و عشر سنوات. مسقط رأس الأطفال الثلاثة الأوائل مدينة دير الزور السورية، على عكس المولود البرليني الجديد الذي اختاروا له اسم طارق وولد هو الآخر في إحدى مستشفيات الحاضرة برلين. هذا ما علمناه من رب العائلة أيمن.
استمر هذا الأخير يقص قصته مع البلدية المعنية التي رفضت تسليمه شهادة ميلاد مولوده الجديد. بينما كان الأب السوري يقص معضلته كان يدخن النرجيلة التي طغى على دخانها طعم البطيخ. وكان بين الفينة والأخرى يحرك الجمرات ذات اليمين وذات اليسار. ثم واصل يقول: "بالرغم من أن ابني طارق ولد في مستشفى بطريقة قانونية إلا أننا لم نتسلم أية وثيقة تثبت وجوده في هذا العالم. لقد تحولت لمرات عديدة برفقة أصدقاء يتقنون الألمانية إلى مبنى البلدية، إلا أن الموظفة كانت ترفض دوما مدنا بشهادة الميلاد والسبب كما قالت عدم امتلاكنا لوثائق سورية أو غيرها تترجم وجودنا في هذا العالم".
أيمن على غرار صديقه أحمد وكثير من اللاجئين سواء كانوا عرباً أو أفارقة أو أفغاناً، فقدوا شهاداتهم العلمية ودفاتر الميلاد العائلية وكل ما يثبت مواطنتهم في بلدانهم أثناء مغامراتهم في عرض البحر الأبيض المتوسط، حينما غادروا أوطانهم. وحول الأهمية التي تضطلع بها الأوراق الرسمية لدى أيمن، الأب النحيف الجسم: "جمعت كل ما نملكه من شهادات علمية ووثائق مدنية وكل ما هو ثمين في محفظة. وأثناء مغامرتنا بحرا في قارب مطاطي فقدنا كل ما كان بحوزتنا، وكانت المحفظة البنية من أهم الأشياء التي فقدناها حينما انقلب القارب المطاطي في عرض البحر ونحن في طريقنا من تركيا إلى اليونان".
وللاستفسار أكثر حول هذا الموضوع ذهبت DW عربية إلى إدارة مستشفى برليني يقع في حي "شبانداو"، حيث قالت السيدة لاديفيغ أن الإشكالية لا تقع على عاتق إدارة المستشفي، إذ أن هذه الأخيرة لا تصدر شهادات الميلاد ثم أضافت قائلة: "أتفهم غضب واستياء أولياء الأمور، إنهم لا يملكون ما يثبت أبوتهم للطفل كما أن المولود يعتبر غير موجود بالنسبة للدولة الألمانية. دورنا هنا كمستشفى يتمثل في إعلام بلدية الحي بولادة مولود جديد لا أكثر ولا أقل". كما علمنا أيضا من خلال حديثنا مع الموظفة أن هذه الحالات لا تقتصر على برلين فحسب بل تطال بقية المقاطعات الألمانية الأخرى.
كما تطرقت لاديفيغ في مجرى حديثها إلى سلبيات هذه الإشكالية ،حيث قالت: "وهكذا لا يسمح للمولود الجديد بالتمتع بالفحوص الوقائية الطبية في المستشفيات والتي هي ضرورية، لا لشيء إلا لأنه غير مؤمَّن صحياً ولأن ولي الأمر مجهول الهوية، هذا أمر فضيع".
السيدة لا ديفيغ متفهمة للوضع الصعب الذي يعيشه الأولياء ومواليدهم الجدد. وحول النسق الطبيعي للحصول على شهادة الميلاد تقول الموظفة: "المجرى القانوني لتسجيل الأطفال يتم كالآتي. حينما يولد مولود جديد تقوم إدارة المستشفى بإبلاغ إدارة البلدية المعنية، وفي ظرف زمني لا يتعدى الشهر تحصل العائلة على شهادة الميلاد بعد إظهار أوراقهم الرسمية مثل عقد الزواج أو شهادات الميلاد، وبشهادة الميلاد يتسنى لأولياء الأمور الحصول على الـتأمين الصحي للمولود فضلا عن الدعم المالي". لذا بات من الضروري على أولياء الأمور التوجه إلى أطباء خواصّ متطوعين لضمان الفحوصات الوقائية الهامة لأبنائهم وبناتهم بطريقة غير قانونية، هذا ما أكده الأبوان السوريان.
الوجهة التالية كانت بلدية شبانداو حيث التقت DW عربية بالسيدة شميد الموظفة في مكتب المواطنين في أروقة مبنى البلدية. شميد تقول في هذا الصدد: "بلغ عدد هذه الحالات في برلين لوحدها إلى حوالي 400 حالة. لم يحصل المتضررون على شهادات ميلاد لأن العائلة لا تملك أية وثيقة تثبت صفتهم المدنية". واستمرت شميد تقول إن إدارة البلدية تحتفظ بتقرير المستشفى الخاص بالمولود، وحينما يحصل أولياء الأمور على وثيقة أو هوية من الدوائر الألمانية "نقوم بدورنا مباشرة بإصدار شهادة الميلاد"، ومن خلالها يتمتع المولود الجديد بحقوق المواطنة، أي بالدعمين المالي والطبي كبقية الأطفال على الصعيد الاتحادي.
مرور عام على عبارة ميركل الشهيرة "نستطيع أن ننجز ذلك"
مر عام كامل على المقولة الشهيرة للمستشارة أنغيلا ميركل "نستطيع أن ننجز ذلك" تعليقا على قدرة بلادها على إدارة أزمة اللاجئين. لكن ماهي أبرز الأحداث التي عرفتها ألمانيا بعد تلك العبارة الشهيرة. تعرف عليها عبر صور:
صورة من: picture-alliance/AP Photo/DHA
في 31 أغسطس/آب 2015 عقدت المستشارة ميركل ندوة صحفية وصرحت آنذاك بمقولتها الشهيرة "نحن نستطيع أن ننجز ذلك" تعليقا على قدرة ألمانيا على تجاوز أزمة اللاجئين. في أثناء ذلك سُمح بمرور قطارات تقل آلاف اللاجئين إلى ألمانيا قادمة من دول شرق وجنوب أوروبا.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Jensen
في الرابع من سبتمبر/أيلول 2015 قررت المجر وقف حركة القطارات إلى ألمانيا، لتسود فوضى عارمة في المحطة الرئيسة للقطارات بالعاصمة بودابست. ما دفع الآلاف من اللاجئين إلى مواصلة رحلتهم الشاقة إلى ألمانيا مشيا على الأقدام.
صورة من: picture-alliance/dpa/B. Roessler
في الخامس من سبتمبر/ أيلول 2015 قررت ميركل بعد اجتماع مع المستشار النمساوي فيرنر فايمان استقبال اللاجئين لتعود بعدها حركة القطارات من المجر عبر النمسا إلى ألمانيا.
صورة من: Reuters/handout/Giudo Bergmann
استقبال حار للاجئين من قبل الألمان في السادس من سبتمبر/أيلول 2015 كما تبين الصورة التي التقطت في محطة القطارات الرئيسية في ميونيخ. بعدها تداولت الصحف الألمانية مفهوما جديدا لوصف هذا الاستقبال الحار بات يعرف بـ"ثقافة الترحيب".
صورة من: Getty Images/AFP/C. Stache
في العاشر من سبتمبر/أيلول 2015 زارت المستشارة ميركل مركزا أوليا لاستقبال طالبي اللجوء في برلين وقام العديد من طالبي اللجوء بالتقاط صور سيلفي معها. تناقلتها وسائل الإعلام العالمية وأعطت، خاصة لدى السوريين، انطباعا إيجابيا عن ألمانيا كبلد متضامن ومضيف للاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/B. v. Jutrczenka
استقبال اللاجئين والترحيب بهم لم يقتصر على الهيئات الحكومية، بل هبت فئات عريضة من الشعب الألماني متطوعين لإستقبال اللاجئين وتقديم مختلف المساعدات بدءا بالجوانب الصحية والإجتماعية وصولا إلى الإستقبال في البيوت.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Schutt
في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وصف وزير العدل الألماني هايكو ماس تزايد الاعتدءات اليمينية ضد اللاجئين بـ"المخزية". آنذاك بلغت اعتداءات اليمنيين المتطرفين على مراكز اللاجئين 461 حالة.
صورة من: picture-alliance/Digitalfoto Matthias
في 31 ديسمبر/كانون الأول تعرضت عشرات النساء إلى اعتداءات جنسية في محطة القطارات الرئيسية في مدينة كولونيا، من قبل مئات من الرجال ينحدر أغلبهم من دول المغرب العربي. أثارت هذه الحادثة موجة من الغضب والاستنكار في المجتمع الألماني. كما ثار جدل واسع حول السبل القانونية لترحيل الأجانب من مرتكبي الجرائم.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Boehm
في 18 فبراير/شباط قام حوالي 100 متظاهر باعتراض طريق حافلة تقل طالبي لجوء إلى مركز للاجئين في مدينة كلاوسنيتز بمقاطعة ساكسن. وقام المتظاهرون آنذاك بإطلاق عبارات مناهضة للأجانب، فيما تمكنت الشرطة من التدخل وحماية الحافلة ومن فيها.
صورة من: YouTube/Thomas Geyer
في 24 فبراير/شباط 2016 صوت البرلمان الألماني لصالح حزمة القوانين الثانية الخاصة بسياسة اللجوء. وتنص هذه الإجراءات على ترحيل طالبي اللجوء ممن يملكون فرصا ضئيلة للبقاء في ألمانيا وتسهيل ترحيل المتورطين في أعمال إجرامية. المعارضة الألمانية انتقدت هذه الإجراءات واعتبرتها "خرقا لمبادئ حقوق الإنسان".
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Kumm
في الرابع من أبريل/نيسان 2016 دخل الاتفاق الأوروبي التركي لحل أزمة اللاجئين حيز التنفيذ. وبمقتضى الاتفاق تعيد السلطات اليونانية المهاجرين الذين يصلون إلى اليونان بطرق غير شرعية من تركيا. في مقابل ذلك تعهد الأوروبيون مقابل كل سوري يتم إبعاده إلى تركيا قبول سوري آخر من المهاجرين إلى تركيا للعيش في دول الاتحاد الأوروبي.
صورة من: Getty Images/AFP/O. Kose
في 7 يوليو/تموز 2016 صادق البرلمان الألماني على قانون الإندماج الجديد والذي ينص على تسهيل دخول اللاجئين إلى سوق العمل ومنحهم فرصا أكثر للالتحاق بدورات الإندماج ودورات اللغة الألمانية. وفي صورة عدم التزام اللاجئين بهذه الإجراءات، تنخفض المساعدات الاجتماعية المخصصة لهم من قبل الدولة.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Nietfeld
في الثاني من سبتمبر/أيلول من هذا العام نقلت مصادر أن المستشارة ميركل اجتمعت مع برلمانيين محافظين من حزبها وقالت لهم "أهم شيء في الشهور المقبلة هو الترحيل.. الترحيل.. وأكرر الترحيل". وذلك لتهدئة المخاوف العامة المتنامية بشأن زيادة أعداد المهاجرين في خطوة تمثل تغيرا حادا في موقف ميركل.
صورة من: picture-alliance/dpa/P. Grimm
وفي الثاني من سبتمبر/أيلول من العام الماضي انتشرت صورة الطفل السوري الكردي أيلان بعد أن غرق وجرفت المياه جثته إلى الشاطئ التركي. تسببت هذه الصورة في حدوث صدمة وغضب في جميع أنحاء العالم. وتوفى شقيقه وأمه ونجا والده فقط. وعائلة أيلان من أكراد سوريا الذين فروا من الحرب الأهلية في بلادهم. إعداد: سميح عامري