1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

موسيقى الراب من غزة: كلمات بدلا من الحجارة

شابان من غزة أسسا فرقة "راب" وقررا مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بهذه الموسيقى الشبابية الاحتجاجية التي لا تتمتع بشعبية واسعة في هذا الشطر من الشرق الأوسط. تقرير بيتر شيفر.

موسيقيو "راب" عرب من إسرائيلصورة من: AP


خان يونس. إنه الشقاء. بطالة وكآبة. من الجنوب والشرق يحدّه شريط الموت. من الغرب تقف مستعمرة غوش قطيف حائلاً دون الوصول إلى البحر. والشارع الذي يقود نحو الشمال، نحو مدينة غزة يُغلق بشكل دوري.

لا يجرؤ الجيش الإسرائيلي على الدخول إلى المدينة وإلى المخيم المجاور إلا مدعوماً بالدبابات. إرادة السكان للدفاع عن أرضهم هائلة. تتسم الشوارع بالبائعين المتجولين والهندام الإسلامي. من يكبر هنا عليه أن يتعايش مع ذلك وأن يتحمل مسؤولية العائلة مبكراً. فعلى الناس أن يسوّوا أمورهم بأنفسهم هنا، في جنوب قطاع غزة حيث السلطة الوطنية الفلسطينية ضعيفة. أما أن يفلت المرء من هذا الطوق فهو أمرٌ نادر.

لكن محمد الفرا (تسعة عشر عاماً) ونادر أبو عايش (واحد وعشرون عاماً) يثيران الدهشة. يضع محمد نظارات شمسية، ويرتدي بدلة رياضية سوداء من النوع الدارج، وحذاء رياضة. نادر يرتدي جاكيت تتزاحم فيها الألوان الفاقعة. فيلفت الإثنان نظرات المارة اليهما. هذا هو شكل الخلية النووية للهيب هوب الفلسطيني في قطاع غزة: إنها فرقة P. R. Palestinian Rappers.

دعاية شفوية

يضحكان حين تسألهما عن العروض الموسيقية في خان يونس. ويجيبانك بأن المجتمع لا يتقبلها. "محبينا قلائل في خان يونس. يصل تعدادهم العشرين. لكنهم في مدينة غزة أكثر"، حسبما يقول محمد الذي يدعو نفسهD. R. إختصاراً لكلمة Dynamic Rapper. قدَّما حتى الآن خمسة عروض في المدينة الكبيرة الواقعة شمالي خان يونس، والتي تبعد مسافة ساعة بالسيارة، عندما تكون الطريق غير مغلقة.

بالدعاية الشفوية تم إستقطاب تلامذة وطلبة جامعيين من كلا الجنسين، وحاز العرض على إعجابهم البالغ. "بيد أن الأمر في مدينة غزة ليس بالسهل أيضاً" كما يصرح نادر، حيث "رمى أحدهم قنبلة على القاعة أثناء تقديم أحد العروض. فأحدث إنفجارها صوتاً عالي، لكن لم يصب أحد بجراح". ولم تؤثر الحادثة عليهما كثيراً، فمن يعيش في قطاع غزة يعتاد على ما هو أسوأ.

النضال بالموسيقى

تتناول كلمات أغاني فرقة P. R. تجربتها مع جيش الإحتلال الإسرائيلي. "نناضل بموسيقانا" كما يبين محمد. "بعض أصدقائنا قتلوا رمياً بالرصاص". رمى طالب الإنكليزية، البالغ من العمر تسعة عشر عاماً، يوماً ما الحجارة على الدبابات. "أصبت قبل أربعة أعوام بطلق ناري في ذراعي العلوي. كل هذا لا يجدي نفعاً. ليس بمقدورنا الوقوف في وجه الجيش الإسرائيلي. مذاك بدأت بممارسة الراب، وغدا الآن سلاحنا".

منذ ذلك الحين يقبع محمد قبالة حاسوبه ويجرب الأصوات المتنوعة. "نغني عن أشياء أخرى أيضاً. ألَّّفت أغنية عن قصة حب بائسة. وكتبنا أخرى عن مشاكل المخدرات. وكتبت أغنية عن أمي". بيد أنَّ النقد الإجتماعي لا يمارس، إذ أنَّ الإحتلال الإسرائيلي يحتل مكان الصدارة في كل الأعمال.

سجل الثنائي حتى الآن تسع أغنيات في أحد إستديوهات غزة. لكنهما لم ينتجا قرصاً مضغوطاً CD. "ينقصنا المال للقيام بذلك" كما يقول نادر، "وكيف لنا أن نوزعها على الناس؟ إذ لا يوجد هنا متاجر لبيع الإسطوانات". لذا فهما يوزعان أغانيهما عن طريق البريد الإلكتروني والجوال. ليس هناك قوائم للأغاني الفلسطينية الأكثر رواجاً Charts.

وأن يقدم مغنو الراب عرضاً عبر المذياع أمرٌ يتحقق في الأحلام فقط: الموسيقى الصاخبة ناهيك عن مرافقتها بالرقص أمران مرذولان في كافة أنحاء قطاع غزة وفي معظم مناطق الضفة الغربية. ينعت الفلسطينيون النقديون ذلك بـ "ثقافة الموت":

طالما يقتل ويصاب أبناء بلدنا أو يقبعون في السجون فلا مكان للفرح في الحياة العامة. وبالرغم من عودة إحتفالات الأعراس الكبيرة إلى قطاع غزة، لكن لا أحد يتمايل مع الألحان الراقصة ولا حتى جلوساً. وهذا الموقف يربط فيما بين الأجيال.

جولة غنائية ذات تبعات

بما أن الأمور لا تسير في الوطن بلا عقبات، يفاخر مغنو الراب الفلسطينيون بجولتهم في إيرلندا الشمالية في آذار/مارس الماضي، والتي نظمتها لهم إحدى لجان التضامن هناك. كانت هذه الرحلة هي المرة الأولى التي يغادر فيها محمد قطاع غزة.

"وحين عودتنا"، يضحك، "استدعتنا المخابرات الفلسطينية. أرادوا أن يستعلموا إذا ما كنت أعرف أمريكيين وعما كنت أفعله في إيرلندا". لم يكن الموظفون قد سمعوا من قبل بالراب. "قلنا لهم أننا نغني عن الأوضاع في فلسطين". لكن محمد ترك إنطباعاً أقوى لدى المحققين، عندما ذكر أن والده يشغل منصبا رفيعا في السلطة الوطنية الفلسطينية. فـ "إنتهى التحقيق عندها ببساطة".

يُغنى الراب على إيقاعات ثقيلة من إنتاج ذاتي تتزاوج مع نماذج مألوفة من الموسيقى العربية الكلاسيكية. هكذا ينتُج مزيج من الراب المعروف في الغرب ومن الرنين الشرقي. يعلق نادر محتجّاً "موسيقى البوب العربية مملة، تكرر نفسها دائماً".

استلهم الثنائي في البداية من الفرق الموسيقية الأمريكية الشمالية، لكنه لا يكنّ لها اليوم أي تقدير. ويتابع نادر "تقتصر مواضيعهم في أمريكا على السيارات الفاخرة، والمال، والنساء". "بداية تناولوا العنصرية والاضطهاد في الولايات المتحدة الأمريكية. هنا ما زلنا نعيش تحت هذه الظروف".

شك وريبة

يقول نادر "أسمع موسيقى الراب أثناء العمل". نادر يعيش في مخيم المغازي في وسط قطاع غزة حيث يملك صالون حلاقة. "بجواري يقطن شيخ، يدخل الصالون دوماً ويشتاط غيظاً"، يضحك. لكن أهل المخيم يعرفون الحلاق نادر ولا تنجم عنهم مشاكل.

الغرباء يسببون المشاكل أكثر. يعترف نادر "واضح لي، أن مظهرنا مختلف". بثيابنا وموسيقانا نخرج عن الإطار المألوف. يعتقد الناس بداية أننا لا نؤمن بالله وأننا لا ننتمي لهذا المجتمع. لكن والدَيْنا يقدمان الدعم لنا".

تسعى فرقة P. R. لكي لا تخدش الحياء العام، وتُجرى رقابة ذاتية بطريقة لبقة. فعلى سبيل المثال، يغطون في أحد الأغنيات على كلمة "بعبوص" بمواكبتها بصرخة. "معظم الناس يعرفون ما هو قصدنا على أية حال" كما يقول محمد.

إضافة لفرقة Palestinian Rappers ثمة فرقتا راب في قطاع غزة على الأقل، RFM و Gazista. وفي أفضل الأحوال ثمة بدايات ثقافة هيب هوب أو ثقافة شباب على غرار الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا.

ليس لموسيقيي الراب لغتهم الخاصة، ولا غرافيتي خاصة بهذا الوسط. لا مساحة لهذا هنا، فجدران المنازل تملؤها الشعارات السياسية.

الإنترنت هو المنفذ الوحيد للكثيرين كي يتحرروا من أسْرهم. "أنا على اتصال بكثيرٍ من الناس"، "لكن يؤلمني أن أرى أن ثمة من لا يعلم أين تقع فلسطين، وكذلك معرفتي بالتصورات السائدة عنا". لذا تطمح فرقة الـ Palestinian Rappers بأن تقدم عروضاً في الخارج.

يقول محمد "نحن معنيون بأن نُعرِّف الناس في الدول الأخرى أن ليس كل شخص في غزة يحمل السلاح". تريد الفرقة إيصال صورة مغايرة عن المجتمع الفلسطيني، وبالطبع إيصال الرؤية الفلسطينية لنزاع الشرق الأوسط.

تتناول فرقة Palestinian Rappers موضوع تحسين العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بيد أنها بالكاد تتصور كيف يمكن للوضع أن يكون بعد إنسحاب الإحتلال. ولا يعتقد أعضاؤها حقاً بأن الإنسحاب الإسرائيلي المتفق عليه من قطاع غزة سوف يتم. اللحظة الراهنة هي الأهم ليس إلا.

بيتر شيفر
ترجمة يوسف حجازي
صدر المقال في صحيفة نيوه تسورشر تسايتونغ قبل الانسحاب الإسرائيلي من غزة
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW