موقع بناء القرية الأولمبية .. انتهاكات جمة بحق عمال مهاجرين
١٧ مايو ٢٠٢٢في قضية ليست الأولى من نوعها ولكنها فريدة من حيث مجراها، أقدم 12 عاملا مهاجرا أجنبيا في فرنسا على رفع الصوت بمواجهة الظلم الذي يتعرضون له في المواقع التي يعملون بها.
العمال جميعهم من مالي، وجميعهم يعملون في قطاع البناء. اتصلوا بالكونفدرالية العامة للعمل (أو نقابة cgt اليسارية)، ليطالبوها بالتوكل عنهم والدفاع عن مصالحهم.
موسى، أحد هؤلاء العمال، بات يتردد على مقر النقابة في مدينة بوبيني (شمال باريس) بشكل دائم مؤخرا، حيث تعرف على الحقوق الواجب أن تعود له نتيجة عمله في تلك الظروف. بابتسامة خجولة، قال الشاب الثلاثيني وهو يتفحص أوراقا على الطاولة أمامه "ذهبت بنفسي إلى هيئة التفتيش وأخبرتهم أنني لست موثقا". الشاب أمضى سنوات على الأراضي الفرنسية يعمل "بالأسود" (دون عقد)، من ضمنها 10 أشهر عمل خلالها في موقع إنشاء القرية الأولمبية (شمال باريس).
قال موسى "سبق لدورية تفتيش أن حضرت إلى موقع الورشة في 25 آذار/مارس. أنا طلبت منهم حينها أنني أريد أن أتحدث إليهم".
مثل موسى، عانى المهاجرون الـ11 الآخرين من ظروف عمل صعبة للغاية. النقابة العمالية تمكنت من ربط قضايا ثمانية منهم نتيجة عملهم في موقع الإنشاءات التابع للقرية الأولمبية، في حين يعمل الباقون لدى شركات مختلفة.
وفقا لموسى، كان لإضراب العمال غير المسجلين العام الماضي أثرا كبيرا على قراره، "أحد أصدقائي يعمل في شركة إنشاءات هو الآخر، وكان مشاركا في الإضراب. هو من أقنعني بضرورة المجيء لهذه النقابة وأطلب منهم أن يستلموا ملفي".
تعددت أماكن العمل والمدير واحد
تتلاقى شهادات المهاجرين بمجملها في الكثير من التفاصيل، أحد أهمها اسم الشركة المتعهدة لأعمال البناء والإنشاءات، سواء في القرية الأولمبية أو خارجها.
حسن، أحد المهاجرين الـ12، كان يعمل لدى نفس الشركة الموظفة لزملائه الآخرين، لكن في موقع مختلف. تنقل المهاجر الشاب بين عدد من الورش مع نفس الشركة، وكانت ظروف العمل نفسها في كل من تلك المواقع. يقول لمهاجر نيوز "يمكن للشركة أن تطرد أيا من العاملين لديها بلمح البصر نتيجة أي خلاف بسيط". يضيف الشاب الثلاثيني صاحب الملامح الجادة "جميعنا نعمل دون أي معدات وقائية، والساعات الإضافية غير محتسبة، مع أنهم يجبرونا في بعض الأحيان على العمل بشكل إضافي". ويورد "بعد أن طفح الكيل، هددنا بالإضراب. طبعا هذا لم يرق للمدير المباشر لنا، لكنه كان مرغما على الاستجابة. في النهاية وقعنا عقود عمل دائمة معهم،لكننا اكتشفنا لاحقا أنها بلا قيمة، هي مجرد أوراق تقدمها الشركة للضمان الاجتماعي".
بعد نحو سنتين من العمل الدائم، اختفت الشركة التي كان يعمل بها حسن، لتحل محلها ثلاث شركات أصغر، يرأسها جميعها نفس المدير الذي كان قائما على الشركة القديمة، المتعاقدة أساسا مع شركة الإنشاءات الأساسية المسؤولة عن بناء القرية الأولمبية.
جان ألبير غيدو، الأمين العام لنقابة cgt في بوبيني، قال لمهاجر نيوز إن كافة المهاجرين العاملين الذين تم رصدهم من قبل مفتشية العمل في 25 آذار/مارس، كانوا يعملون لدى نفس الشركة، "التي يبدو أنها غطاء لشركات أخرى".
تهرب ضريبي
بالنسبة لغيدو، يبدو أن نظام تعدد الشركات هذا مرتبط بنظام الضرائب والمسؤوليات المالية الملقاة على عاتق مدرائها. "يتم إنشاء شركات صغيرة برؤوس أموال قليلة للغاية، تعيش عامين أو ثلاثة على الأكثر قبل أن تغلق ويعلن عن إفلاسها، وبالتالي يسقط عنها واجب دفع الضرائب العامة والضريبة على القيمة المضافة". ويضيف النقابي المخضرم "مازال هناك الكثير من التفاصيل التي نجهلها، الدولة فقط هي الجهة المخولة والقادرة على البحث في مثل تلك الملفات"، مؤكدا أن دائرة التفتيش التابعة لوزارة العمل فتحت تحقيقا بالموضوع.
وفقا لغيدو، ما عمل لمصلحة العمال غير المسجلين وسهل لهم لاحقا الحصول على أوراق الإقامة في فرنسا كان ارتباط ملفهم بـ "سمعة الألعاب الأولمبية والصورة التي يجب أن لا تشوبها شائبة... تم التوقيع على ميثاق اجتماعي في حزيران/يونيو 2018 بين السلطات ونقابات أصحاب العمل ونقابات العمال لضمان أن تكون الظروف العامة في مواقع البناء نموذجية. في هذه الوثيقة، تعهدت الشركة الأساسية الملتزمة أعمال الإنشاءات (سوليديو) بتطبيق معايير العمل الدولية وضمان ظروف العمل اللائق، حسب التعريفات التي وضعتها منظمة العمل الدولية".
الشركة الأم والشركات المتعهدة
وفقا للنقابة العمالية، هناك مسؤولية مباشرة على الشركات الكبرى الملتزمة لعقود الإنشاءات، حيث من الممكن في الكثير من الأحيان في أماكن عمل كبيرة ومعقدة، كالقرية الأولمبية، أن تحصل خروقات. وحسب النقابة، كان على الشركات الأم أن تكون أكثر يقظة.
يأتي ذلك ردا على نفي الشركة الكبرى الملتزمة لعقد الإنشاء (GCC) معرفتها بوقوع أي انتهاكات في أماكن العمل.
فرانسوا تيست دو بايلر، المتحدث باسم GCC قال لمهاجر نيوز "لقد لزّمنا بعض جوانب مواقع البناء لشركات مقاولات أخرى، هي من قامت بتوظيف هؤلاء العمال. ليس لدينا السلطة القانونية للقيام بفحص أرقام تصاريح الإقامة لكل من هؤلاء العمال".
بايلر أورد أن شركته قادرة على التأكد فقط "من بطاقات عضوية النقابات الاحترافية للعمال في مواقعنا. في الحالة الآنفة الذكر، جهاز تفتيش العمل هو من أبلغنا بوجود عمال لدينا معهم بطاقات إقامة مزورة". وأكد بايلر أن شركته أنهت تعاونها مع الشركة المقاولة المعنية، مشيرا إلى البدء باتخاذ إجراءات قانونية ضدها.
بالنسبة للعمال المتضررين، ما يعنيهم هو أن تعترف GCC بهم وتمنحهم عقودا. حول هذا أشار بايلر إلى أن "الشركة لم تتلق أي طلبات من أي منهم حتى الآن. وإذا تقدموا بطلبات رسمية سينظر فيها بجدية، فلدينا دائما حاجة للمزيد من الموظفين".