كان خطاب ميرتس خلال افتتاح كنيس بمدينة ميونيخ عاطفيا رغم مضامينه التاريخية والجدية، إذ بدت عليه مظاهر التأثر وغالب دموعه وهو يتذكر جرائم النازيين بحق اليهود. فما أهم ما قاله حول موضوع معاداة السامية في ألمانيا؟
أعرب ميرتس عن أمنيته في أن "يعيش اليهود في ألمانيا دون الحاجة إلى حماية الشرطة"صورة من: Sven Hoppe/dpa/picture alliance
إعلان
في حفل أقيم مساء الإثنين (15 سبتمبر/أيلول 2025)، بمناسبة إعادة افتتاح الكنيس اليهودي في شارع رايشنباخ شتراسه بميونيخ بجنوب ألمانيا، عبّر المستشار فريدريش ميرتس عن تأثره العميق ووصف دار العبادة اليهودية، التي دُمّرت خلال الحقبة النازية، بأنها "نصب تذكاري فني" يُجسّد "الحيوية اليهودية" في ألمانيا.
وكان من بين المشاركين في الحفل رئيس وزراء ولاية بافاريا ماركوس زودر ورئيسة برلمان الولاية إيلزه آيغنر وعمدة المدينة ديتر رايتر ورئيس المجلس المركزي لليهود يوزف شوستر والسفير الإسرائيلي رون بروسور.
ميرتس يغالب دموعه
وأعرب المستشار الألماني عن شعوره بالصدمة حيال ما اعتبره عودة لتأجج معاداة السامية في بلاده مرة أخرى.
وخلال مراسم إعادة افتتاح الكنيس، بدا ميرتس وكأنه يغالب دموعه، وتقطع صوته أثناء إلقاء كلمته التي استذكر فيها ما وصفه بـ "الجرائم غير الإنسانية التي ارتكبها النازيون بحق يهود".
وقال رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي: "أريد أن أقول لكم كم يخجلني ذلك، كمستشار لجمهورية ألمانيا الاتحادية، وكألماني، وكابن لجيل ما بعد الحرب، كطفل نشأ على أن شعار "لن يتكرر أبدا" واجب والتزام ووعد".
وأضاف ميرتس:" على مدار فترة طويلة، أغمضنا أعيننا في السياسة والمجتمع عن حقيقة أن جزءا كبيرا من الذين جاؤوا إلى ألمانيا في العقود الأخيرة نشأوا في بلدان يعتبر فيها العداء للسامية عقيدة رسمية للدولة، ويلقن الأطفال فيها كراهية إسرائيل".
"حرب على معاداة السامية"
وأعرب ميرتس عن أمنيته في أن "يعيش اليهود في ألمانيا يوما ما مرة أخرى دون الحاجة إلى حماية الشرطة"، مضيفا: "يجب ألا نعتاد حقيقة أن ذلك كان ضروريا على ما يبدو منذ عقود". وأكد: "من هذا المكان أعلن باسم الحكومة الاتحادية بأكملها الحرب على كل أشكال معاداة السامية، القديمة والجديدة، في ألمانيا".
افتتاح الكنيس بعد نحو تسعة عقود من تدميره
يذكر أن الكنيس أعيد افتتاحه بعد نحو 87 عاما من تدميره على يد النازيين. وكان المهندس المعماري غوستاف مايرشتاين قد شيد مدرسة رايشنباخ عام 1931 على طراز العمارة الحديثة. وكان الكنيس تعرض لأضرار شديدة في الليلة التي تعرف بـ ليلة البلور (مصطلح يستعمل للإشارة إلى عمليات نظمها ونفذها النازيونضد مصالح وبيوت يهودية في ألمانيا) في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني من 1938.
وفي عام 1947 جرى ترميم قاعات الكنيس بشكل مؤقت، وتم استخدامه حتى اكتمال بناء كنيس "أوهيل ياكوب" الكبير عام 2006، وبعد ذلك ظل الكنيس مهجورا.
وفي وقت لاحق أعيد ترميم الكنيس بمبادرة من راشيل سلاماندر ليطابق شكله الأصلي بأكبر قدر ممكن حيث جاء بطراز بسيط يضم مقاعد خشبية متواضعة، وجدرانا ملونة، ونوافذ زجاجية ملونة مرسوما عليها رموز دينية ومقتطفات من المزامير.
تحرير: صلاح شرارة
تعصب وتطرف أم خوف من الآخر؟ مظاهر العنف في أوروبا
لئن عاشت الأغلبية العظمى في أوروبا من أوروبيين ومن أصول مهاجرة من مختلف الأديان والثقافات في كنف السلام والاحترام، إلا أنها لم تخل أيضا من مظاهر للعنف تحت ذرائع مختلفة: دينية وقومية وغيرها، لكنها مرفوضة من الأغلبية.
صورة من: picture-alliance/dpa/SDMG/Dettenmeyer
مظاهر التطرف والدعوة إلى العنف باسم الدين لم تقتصر على الدول العربية والإسلامية، بل أيضا دول غربية على غرار ألمانيا شهدت بدورها مظاهرات لأقلية سلفية حمل بعض عناصرها الأعلام السوداء ودعا فيها للعنف. الصورة لمظاهرة تعود إلى عام 2012 في مدينة بون الألمانية حيث تظاهر سلفيون ضد يمينيين متطرفين واعتدوا خلالها على رجال شرطة.
صورة من: picture-alliance/dpa
استخدام الدين كذريعة لارتكاب جرائم إرهابية، مثلما حدث خلال الاعتداء على مقر صحيفة شارلي إيبدو مطلع هذا العام وقتل 11 شخصا من طاقمها بدافع الانتقام لصور كاريكاتورية للرسول محمد نشرتها الصحيفة، أثار استهجان الملايين ليس في فرنسا وأوروبا فقط وإنما ايضا في العديد من الدول الإسلامية والعربية.
صورة من: Reuters/Platiau
الإرهابيون لم يستهدفوا مقر صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية فقط وإنما أيضا شرطيا مسلما واسمه أحمد وشرطية أخرى كانت تنظم حركة المرور وكذلك أربعة يهود، بينهم يهودي تونسي، كانوا في أحد المتاجر اليهودية بصدد التبضع لإحياء مراسم السبت. العمليات الإرهابية كانت من توقيع تنظيم "الدولة الإسلامية".
صورة من: AFP/Getty Images/K. Tribouillard
وبعد الهجمات الإرهابية التي طالت باريس واسفرت عن سقوط 18 شخصا، ها هو الإرهاب تحت ذريعة الدين يضرب العاصمة الدنماركية كوبنهاغن ويتسبب في مصرع رجل يهودي كان يحرس كنيسا يهوديا وآخر مخرجا سينمائيا، ذنبه أنه كان حاضرا في ندوة حول حرية التعبير.
صورة من: Reuters/S. Bidstrup
ولكن مساجد المسلمين بدورها تعرضت أيضا للاعتداء بالحرق وتهشيم النوافذ وحتى لهجوم بالمتفجرات. ففي فرنسا مثلا ارتفع عدد الأعمال "المعادية للإسلام" بنسبة 70 بالمائة منذ الاعتداءات التي قام بها جهاديون في باريس في كانون الثاني/ يناير، مقارنة بعام 2014، وفقا لجمعية التصدي لمعاداة الإسلام الفرنسية.
صورة من: Reuters/Y. Boudlal
حتى المقابر اليهودية لم تسلم من اعتداءات بعض المتطرفين إما بدافع العنصرية أو بدافع معاداة السامية. على أحد القبور اليهودية في مقاطعة الآلزاس الفرنسية كتب باللغة الألمانية "أرحلوا أيها اليهود" إلى جانب الصليب المعقوف، رمز النازيين الذين أبادوا ستة ملايين من يهود أوروبا.
صورة من: picture-alliance/dpa
حتى وإن كان هؤلاء لا يمثلون إلا أقلية مطلقة داخل المجتمع الألماني، إلا أن النازيين الجدد، الذين يستلهمون أفكارهم من النازية واليمين المتطرف، يشكلون مصدر قلق في ألمانيا، خاصة وأنهم لا يتوانون عن استخدام العنف ضد الأجانب أو من كان شكله أو مظهره يوحي بأنه ليس ألمانيا. وفي الفترة الأخيرة سجل في عدد من الدول الأوروبية صعود التيارات اليمينية المتطرفة، مستغلة أعمال الإرهابيين للإسلاميين المتطرفين.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Balk
ولازال القضاء الألماني ينظر في قضية خلية تسيفيكاو النازية، والتي سميت نسبة لمدينة تسيفيكاو الواقعة شرقي ألمانيا، في محاكمة تحظى باهتمام دولي الواسع. هذه الخلية متهمة بقتل عشرة أفراد، تسعة أتراك ويوناني في ألمانيا، ذنبهم الوحيد أن أشكالهم توحي بأصولهم الشرقية. في الصورة العضوة الوحيدة المتبقة من الخلية، بعدما انتحر عنصران منها، والتي ترفض الإدلاء بأي تفصيل يساعد في الكشف عن الحقيقة.
صورة من: Reuters/M. Rehle
اليمينيون المتطرفون استغلوا مخاوف البعض في ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية من عدم معرفتهم للإسلام والمسلمين وخلطهم بالتطرف الإسلامي، خاصة بعد الجرائم البشعة التي ارتكبها تنظيم "الدولة الإسلامية" في المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا، للدعوة إلى مظاهرات مناهضة للإسلام. الصورة مظاهرة مناهضة للإسلام في مدينة هانوفر، شمالي ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/J. Stratenschulte
وبعد الانتقادات اللاذعة والرفض الشعبي الألماني الواسع للمظاهرات المناهضة للإسلام، أصبحت هذه الاحتجاجات نقتصر على بعض اليمينيين المتطرفين الذين خرجوا للتظاهر ضد قدوم اللاجئين إلى ألمانيا، معللين رفضهم بأن ثقافة هؤلاء تختلف عن ثقافتهم وأنه لا يمكنهم الاندماج في المجتمع الألماني.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
بعض المتطرفين اليمينيين أصبح يعمد بدل الاحتجاج إلى إضرام النيران في البنايات والمقرات التي من شأنها أن تأوي اللاجئين. حتى وإن لم تسفر عمليات إحراق المباني عن أي أضرار بشرية، إلا أن تكرارها في عدد من الولايات والمدن الألمانية أثار قلقا وجدلا واسعا في البلاد.