1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ميرتس يدق ناقوس الخطر ـ انتهاء الدولة الاجتماعية في ألمانيا!

١ سبتمبر ٢٠٢٥

حذر المستشار فريدريش ميرتس من أن الدولة الاجتماعية الألمانية بشكلها الحالي "لم تعد قابلة للتمويل" مؤكدا سعيه لإصلاحها. تصريح أشعل جدلا حادا بشأن أجندة الإصلاح الحكومية ومؤشرات نهاية دولة الرفاه وفق معلقين ألمان وغربيين.

المستشار الألماني فريدريش الألماني
المستشار الألماني فريدريش الألماني (بندستاغ، برلين، 18 مارس 2025)صورة من: Lisi Niesner/REUTERS

أطلق المستشار الألماني المحافظ فريدريش ميرتس تصريحات أشعلت جدلا واسعا في الوسطين السياسي والإعلامي في ألمانيا، حين اعتبر أن نظام الرعاية الاجتماعية بشكله الحالي بات عبئًا ماليًا لا يمكن تحمّله. وفي كلمته خلال مؤتمر حزبه "الديمقراطي المسيحي" في مدينة أوسنابروك بولاية سكسونيا السفلى (25 أغسطس / آب 2025)، دعا ميرتس إلى إصلاح جذري، مشيرًا إلى أن الاستمرار في النهج الحالي "لم يعد ممكنًا". وأكد ميرتس أن ائتلافه الحاكم مقبل على أسابيع وشهور حاسمة. ويتكون الائتلاف من التكتل المسيحي الذي ينتمي إليه ميرتس والحزب الديموقراطي الاشتراكي. وسبق لميرتس أن أكد في تصريحات سابقة بأن "ألمانيا ليست في المكان الذي أود أن تكون فيه. علينا أن نصبح أفضل (..) سيكون ذلك عملا شاقا بالنسبة لنا في الخريف"، في إشارة إلى دعواته المتكررة لإعادة توجيه السياسات الاجتماعية وأنظمة المعونة.

تصريحات ميرتس لم تمر مرور الكرام، لأنها مُوجّهة مباشرة إلى الإشتراكيين وشركائه في الحكم الذين يتمسكون ببرامج الرعاية الاجتماعية ويرفضون المساس بها. ميرتس لم يخفِ نيته في خوض المواجهة، مؤكدًا أنه "لن يسهل الأمر" على الاشتراكيين. فهل وصلت ألمانيا إلى منعطف حاسم كدولة للرفاهية الاجتماعية، وهل تجاوزت النفقات الاجتماعية فعلا حدود المعقول؟

بهذا الصدد كتبت صحيفة "فيلت" الألمانية المحافظة في تعليق مؤيد لميرتس (28 أغسطس) "جاء الأمر متأخراً، ونأمل ألا يكون متأخراً جداً، فالمستشار ميرتس على وعي بأن النقاش بشأن الدولة الاجتماعية يوشك أن ينحرف عن مساره، ذلك أن زعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي لارس كلينغبيل ورفاقه، يستغلون فترة العطلة الصيفية بشكل خاص لطمأنة المواطنين بأنه رغم الخزائن الفارغة والديون الكبيرة، ليس من المتوقع تخفيضات ملموسة في نفقات الدولة الاجتماعية. هذا أمر يفتقد للمسؤولية. ليس فقط أرباب الأعمال، بل أيضاً كبار الاقتصاديين في البلاد يحذرون من انهيار أنظمة الضمان الاجتماعي الذي سيحدث لا محالة إذا لم يتم التحرك بسرعة وبشجاعة لمواجهة الموقف".

النفقات الاجتماعية تقفز لمستويات غير مسبوقة

شهدت النفقات الاجتماعية في ألمانيا خلال السنوات الأخيرة ارتفاعًا حادًا، حيث يُنفق اليوم نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 31% على التقاعد والرعاية والبرامج الاجتماعية الأخرى. وللمقارنة: كانت هذه النسبة في عام 1970 لا تتجاوز 20%، وارتفعت إلى 25% بحلول عام الوحدة الألمانية في 1990، لتواصل بعدها صعودها بوتيرة متسارعة. ويتم تمويل النظام الاجتماعي الألماني عبر ثلاثة مصادر رئيسية تتقاسم العبء بنسب متقاربة: المواطنون من خلال الاقتطاعات الاجتماعية، وأرباب العمل، والحكومة، ممثلة في كل من الحكومة الاتحادية والولايات والبلديات، التي تساهم جميعها في تمويل هذه النفقات.

الناخب الألماني وقضايا البلاد

00:33

This browser does not support the video element.

وبهذا الصدد كتبت صحيفة "بيلد" الشعبية المحافظة الواسعة الانتشار (24 أغسطس) "لن يكون أمام الحكومة مفرّ من اتخاذ ما يُسمى بـ"إجراءات غير شعبية"، بمعنى تقليص الدعم لمن يرفضون العمل، بالطبع! التراخي على حساب الدولة أمر غير اجتماعي، وربما التقاعد في سن 68 على الأرجح، فنحن نعيش (ولحسن الحظ) أعمارًا أطول. زيادة المساهمات عند زيارة الطبيب؟ ربما. المهم في هذه الإصلاحات ليس أن تُرضي الجميع، بل أن تجعل ألمانيا قادرة على مواجهة المستقبل".

الدولة الاجتماعية مُكرسة دستوريا ومُكلفة ماليا

تواجه ألمانيا واقعا اقتصاديا واجتماعيا ضاغطا، يجمع بين شيخوخة الهرم السكاني، وسياسات التحول المناخي، ومتطلبات الإنفاق الدفاعي ما يفرض بلا شك مراجعة شاملة للنفقات العامة، وربما إصلاحات جوهرية في نظام الرعاية الاجتماعية. مبدأ الدولة الاجتماعية هو مبدأ راسخ في الدستور الألماني، وفقًا للمادة 20 التي تصف ألمانيا كـ"دولة فدرالية ديمقراطية واجتماعية". ويقوم جوهر دولة الرفاه الاجتماعي على التأمينات الاجتماعية وتشمل، إلى جانب تأمين البطالة، بشكل رئيسي التأمين على التقاعد والتأمين الصحي، وكذلك التأمين على الرعاية والتأمين ضد الحوادث. ويستفيد من هذه التأمينات أصحاب الدخل العالي. إضافة إلى جملة أخرى من المساعدات مثل إعانة الأطفال، وإعانة الوالدين على سبيل المثال لا الحصر. وتبلغ مجموع هذه النفقات أكثر من 1.3 تريليون يورو في عام 2024. وأكبر جزء من هذه النفقات يشمل التقاعد بما مجموعه 408 مليار يورو، والمعاشات التقاعدية (77 مليار)، يليه الإنفاق على التأمين الصحي القانوني (325 مليار) يورو، والتأمين الصحي الخاص (31) مليار يورو.

وفي تعليق لافت، تناولت صحيفة "كوريري ديلا سيرا" الإيطالية (28 أغسطس) تصريحات ميرتس ووصفتها بأنها مثيرة للجدل لكنها تعكس "جرأة وصدقاً نادرين في المشهد السياسي الأوروبي". واستطردت الصحيفة معلقة "يرى البعض أن ميرتس سياسي ضعيف. المستشارة السابقة أنغيلا ميركل، على سبيل المثال، لم تكن تخف احتقارها له، وكانت تتغلب عليه دائماً في صراعات الزعامة داخل الحزب الديمقراطي المسيحي. ومن منظور العديد من القادة الأوروبيين قد يكون هذا التقييم دقيقاً: فهو متهور، يفتقر إلى الحس التكتيكي، ومثير للانقسام". غير أن ميرتس، الذي يقود حكومة ائتلافية مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي "يُظهر في بعض الأحيان وجهاً سياسياً مختلفاً تماماً، وجها أكثر جرأة وأمانة". واختتمت الصحيفة تعليقها بالقول "قد يدفع ميرتس ثمناً سياسياً بسبب صراحته، وربما تتراجع شعبيته، لكنه في نهاية المطاف لم يقل شيئاً خاطئاً".

الائتلاف الحكومي ـ طريق الإصلاح مليء بالأشواك

أعلن التحالف الحاكم في برلين عن انطلاق مرحلة جديدة من العمل المشترك، واعدًا بإعادة بناء الثقة وقيادة إصلاحات عميقة، على رأسها إصلاح الأنظمة الاجتماعية انطلاقا من الخريف المقبل. وخلال افتتاح اجتماع مغلق لقيادات الكتلتين البرلمانيتين في مدينة فورتسبورغ (28 أغسطس)، قال رئيس الكتلة البرلمانية للاتحاد الاجتماعي المسيحي (البافاري)، ألكسندر هوفمان "هذا التحالف يريد وسيكون بنّاء جسور في وجه الاستقطاب الذي يعصف بمجتمعنا، ويريد كبح تمدد الأطراف المتطرفة (..) نحتاج إلى شحن طاقاتنا استعدادًا لخريف سيكون عنوانه الإصلاح، مع تركيز خاص على تعزيز الدولة الاجتماعية". من جانبه، أقرّ زعيم كتلة التكتل المسيحي، ينس شبان، بأن الطريق لم يكن سهلاً منذ تشكيل الحكومة، "لقد مررنا بمنعطفات حادة، وعلينا الآن أن نستعيد ثقة المواطنين. نحن ملزمون بتحقيق النجاح  من أجل ألمانيا".

أما رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي الاشتراكي، ماتياس ميرش، فلم ينكر بدوره الصعوبات التي رافقت بداية التحالف، مشيرًا إلى أن أخطاء قد وقعت، خصوصًا في الأسابيع الأخيرة. "سنأخذ الوقت اللازم لنقاشات صريحة، كي نتفادى تكرار هذه الأخطاء". وكان التحالف قد واجه مطبات مبكرة منذ تشكيله. وعلى الصعيد الشعبي، تعكس استطلاعات الرأي تراجعًا واضحًا في شعبية التحالف، حيث أظهرت بعض استطلاعات الرأي تقدّم حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي على حساب الحزبين الحاكمين، ما يضيف مزيدًا من الضغوط على التحالف لإثبات جدارته والعودة إلى المسار الصحيح.

وفي تعليق مثير للاهتمام رحّبت صحيفة "إلموندو" الإسبانية (28 أغسطس) بمشاريع الإصلاح في ألمانيا، لكنها لم تغفل الإشارة إلى الكلفة الاجتماعية الباهظة لذلك التحول، محذّرة من أن "دولة الرفاه" كما يعرفها الألمان تقترب من نقطة الانهيار. وقالت الصحيفة "تستعد ألمانيا لإعادة العمل بالخدمة العسكرية الإلزامية، وتخطط لزيادة هائلة في الإنفاق الدفاعي. إنها لحظة تحول تاريخية، تؤكد التزام برلين بإعادة تسليح أوروبا في مواجهة التهديد الوجودي القادم من روسيا، وتعكس سعيها لتعزيز الاستقلالية الاستراتيجية للقارة. (..) "أدركت ألمانيا حقيقة مزعجة: دولة الرفاه التي بُنيت لعصور السلام والنمو لم تعد قابلة للاستمرار. إنها تستهلك من الموارد أكثر مما تنتج، وهذا يتطلب إصلاحًا جذريًا في بنيتها." وختمت الصحيفة تعليقها بالقول "لحماية رخاء المستقبل، لا بد من تقديم تضحيات اليوم، وعلى الحكومة أن تنقل هذه الحقيقة بوضوح إلى شعبها."

"وول ستريت جورنال الأمريكية" تحتفي بميرتس

في مقال رأي مثير، أشادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الواسعة الانتشار بشدة بفريدريش ميرتس (26 أغسطس) بشأن الجدل حول مويل الدولة الاجتماعية التي "لم تعد قابلة للتمويل". فتحت عنوان "سياسي يُفصح أخيرا عما لا يُقال"، اعتبرت الصحيفة أن ميرتس كسر أحد المحظورات في الديمقراطيات الغربية الحديثة، حين اعترف صراحةً بأن "حجم الدولة الاجتماعية الحديثة لم يعد ممكنًا تمويله". وجاء في التعليق أيضا "شكراً جزيلاً، سيادة المستشار، على هذا الموقف الصريح (..)  ميرتس يطرح المعضلة الجوهرية التي تواجه الغرب الحديث. فقد بنت الدول نظم رعاية اجتماعية كبيرة الحجم إلى درجة أن الاقتصادات ذات النمو البطيء لم تعد قادرة على تمويلها".

واستطردت الصحيفة موضحة "وبما أن شبكة الحماية الاجتماعية مترامية الأطراف وتمتد حتى الطبقة الوسطى، أصبح من شبه المستحيل تنفيذ الإصلاحات. وهذا لا ينطبق فقط على السياسيين التقليديين، بل أيضاً على المتطرفين المزعومين من اليمين الشعبوي. من مارين لوبين في فرنسا إلى نايجل فاراج في بريطانيا، وصولاً إلى حزب البديل من أجل ألمانيا ودونالد ترامب، يتجنب الشعبويون الإصلاحات الصعبة للدولة الاجتماعية المتداعية. كما أظهرت فرنسا والولايات المتحدة، أنه لا يوجد تحد سياسي أكبر من إصلاحات الدعم الحكومي، سواء كان ذلك في المعاشات أو دعم البطالة أو الرعاية الصحية أو الإعانات الدخلية. سيكون من المثير متابعة ما سيقترحه ميرتس وائتلافه، لكن الخطوة الأولى نحو الحل هي الاعتراف بوجود المشكلة أصلاً".

تحرير: عارف جابو

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW