ميلاد صعب يواجه الحكومة الفلسطينية الجديدة
للمرة الثالثة خلال أسبوع، يتمّ تأجيل الاقتراع على الثقة في قائمة رئيس وزراء السلطة الفلسطينية أحمد قريع. فقد نسبت وكالات الأنباء لمسؤولين فلسطينيين قولهم، إنّه تقرّر تأجيل التصويت من الأربعاء، مثلما كان متوقعا، إلى اليوم الخميس. ويمثل هذا التصويت اختبارا صعبا لقريع حيث ستحدد نتيجته مستقبله السياسي. وخلال اليومين الماضيين كثرت الأصوات التي ترجح استقالته في حال عدم موافقة المجلس على قائمته. الا أن تدخل الرئيس الفلسطيني عباس مساء أمس الاربعاء كان له اثر كبير في اقناع كتلة حركة فتح بالموافقة على القائمة الجديدة. عباس اكتفى في الايام الماضية بمراقبة الامر عن كثب، مفضلا عدم التدخل، الا أن حساسية الموقف وخطورته اضطرته للتدخل.
دعم غير كامل من الرفاق
أثارت القائمة التي تقدم بها أبو علاء الاثنين الماضي أزمة في البرلمان بسبب احتوائها على أغلبية من الحرس القديم، مما اضطره لتقديم قائمة معدلة ضمت عددا من الإصلاحيين. وقال وزير العدل السابق فريح أبو مدين لأسوشيتد برس إنّ الغالبية مع حكومة تكنوقراطية " (حكومة يديرها خبراء) غير أنّ المشكلة في رئيسها." غير أن أبو مدين أضاف أن " قريع ليس وحده في وضع صعب، بل جميعنا." وفيما يحتاج المذكور إلى دعم 43 عضوا على الأقل من أعضاء المجلس البالغ عددهم 85 عضوا لتشكيل حكومته، تتمتع حركة فتح، التي ينتمي إليها قريع نفسه، بأصوات 62 منهم. ويشدّد المعارضون لقائمة قريع على ضرورة تشكيل "حكومة تغيير لا حكومة تعطيل" حيث يرون أنّ "الاحتفاظ بالوجوه الفاشلة هو فشل جديد". ويرى عدة أعضاء في المجلس التشريعي، ومحللون سياسيون ومراقبون، أنّ فشل قريع في الحصول على موافقة أعضاء المجلس على قائمته، يعني فشله شخصيا في الحصول على الثقة وبالتالي فإنّ ذلك يعني ضرورة اختيار رئيس جديد للوزراء بناء على القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية.
حكومة لضمان مستقبل فتح ...
وفي انتظار ما ستسفر عنه مناقشات الكواليس، حتى الخميس، وبغض النظر عن المخاوف من نشوب أزمة داخلية في السلطة الفلسطينية، يرى شقّ كبير من الفلسطينيين ومن خارجهم أنّ ما يحدث، بشأن الميلاد الصعب لأول حكومة فلسطينية، بعد رحيل الزعيم ياسر عرفات، سيكون سلاحا بيد خلفه محمود عباس، ومن ثمّ في المفاوضات مع الإسرائيليين والمجتمع الدولي. وتتزامن أنباء تأجيل الاقتراع مرة جديدة، مع نشر نتائج استطلاع للرأي، تشير إلى أنّ حركة فتح ستفوز في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في شهر تموز/ يوليو القادم. وجاء في التقرير، الذي شمل 944 شخصا والذي عرضت نتائجه وكالات الأنباء الخميس، أن نسبة 43.8% سيصوتون لحركة فتح في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، مقابل تصويت 21% فقط لحركة حماس. ومما لاشكّ فيه أنّ فتح أفادت كثيرا من دعواتها إلى "إقصاء الفاسدين" من الحكومة، في وقت يرزح فيه المجتمع الفلسطيني تحت صعوبات الحياة اليومية. وتعتبر هذه النتائج مشجعة لأبي مازن تمهيدًا للانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث تلعب حركة فتح دورًا رئيسيًا في تركيبة الحكومة الجديدة. وقال أعضاء في كتلة فتح إن تركيبة الحكومة الحالية ستؤدي إلى فشل الحركة في تلك الانتخابات. وقالت أسوشيتد برس إنّ رئيس الحكومة أحمد قريع، قاطع الجلسة التي عقدتها فتح الأربعاء لمناقشة الموضوع وقال إن رجال محمود عباس دبروا "ضده مؤامرة."غير أن عباس، وفقا لنفس الوكالة، ورغم بقائه في الظلّ بشأن المناقشات، دعا إلى الموافقة على القائمة التي تقدّم بها أبو علاء.
... وتشكل ورقة ضغط
وبقطع النظر عن أي أزمة داخلية، تعتبر عملية "الأخذ والردّ" بشأن الموافقة على الحكومة الجديدة، من تقاليد العمل السياسي الفلسطيني رغم أنها "فريدة" من نوعها في المنطقة برمتها. وأثبت الفلسطينيون في الآونة الأخيرة أنّهم في "مستوى المواعيد" التي تفرض عليهم، حيث خلت عملية تعويض عرفات، وكذلك الانتخابات البلدية من المشاحنات والخلافات التي تصل إلى نقطة اللاعودة. ويشدّد أبومازن على أنّه من مصلحة الشعب الفلسطيني أن تنبثق عنه حكومة تحظى بالإجماع. ويغمز أبو مازن بذلك من عين الانتقادات التي دأبت أطراف من المجتمع الدولي ومن ضمنها واشنطن، على توجيهها إلى الحكومات التي تعاقبت على السلطة إبان حكم عرفات. ويأمل عباس أن تشكّل أي حكومة "على صعوبة" تشكيلها، ورقة ضغط من جانبه على المجموعة الرباعية والجانب الإسرائيلي، في ظرف من المتوقع أن يشهد إعادة إحياء لعملية السلام، لا سيما بعد عودة السفيرين الأردني والمصري إلى تل أبيب.
مواصلة الإصلاح والسعي للسلام
وفيما تلزم إسرائيل والولايات المتحدة الصمت إزاء "مخاض" الحكومة الفلسطينية الجديدة، في دلالة على فسحهما المجال للسلطة الجديدة بالعمل "من دون ضغوط"، يشدّد عباس على أنّ الفلسطينيين سيواصلون "عملية الإصلاح" لوضع الأسس القوية للدولة الفلسطينية. ويذكر أنّ عباس توصّل في الآونة الأخيرة، إلى اتفاق لوقف النار مع الفصائل الفلسطينية، للتهدئة مع الجانب الإسرائيلي ضمن اتفاق هدنة تمّ التوصل إليه في مؤتمر شرم الشيخ. ومن دون شكّ أيضا، فإنّ من شأن حكومة تكنوقراط، تيسير مهمة عباس على خلاف ما يتوقع من حكومة تتشكّل من شخصيات سياسية، في ظرف، يرى فيه رئيس السلطة، أنّه استنزف الكثير من حياة الفلسطينيين. وقال محلل سياسي إنّ ما يحدث الآن داخل الساحة الفلسطينية، هو "جزء من مشهد كامل" يتجاوزها إلى المنطقة برمتها، حيث لا مجال لفصله عن الدعوات المنادية بالإصلاح في الشرق الأوسط والتي تتزامن مع عودة سفراء ودبلوماسيين عرب إلى تل أبيب وانتخابات العراق وتزايد الضغوط على سوريا بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وإذا سارت الأمور "على عادتها" لدى الفلسطينيين في تجاوز أي أزمة داخلية، فإنّه يمكن لأي حكومة جديدة تتشكّل أن تعيد تجهيز الطاولة لاستئناف المفاوضات، ولكن من موقع أفضل هذه المرة، لاسيما بعد انسحاب إسرائيل المنتظر من غزة وأجزاء من الضفة.