ميناء بيرايوس اليوناني .. بوابة أوروبا وأمل اللاجئين
١٦ مارس ٢٠١٦أحتفلت اليونان في عطلة نهاية الأسبوع الماضية (12 و 13 آذار /مارس 2016) بموسم الكرنفال. وفي صباح يوم الاثنين عاد بعض الشباب المحتفلين وهم يرتدون الملابس الكرنفالية إلى منازله. ويوم الاثنين هو عطلة رسمية في اليونان وفيه يبدأ موسم الصيام للمسيحيين الأرثوذكس اليونانيين، وهذه الأجواء قد تبدو بعيدة نوعا عما يجري في الوقت نفسه في ميناء بيرايوس.
وفي ميناء بيرايوس قالت إحدى العاملات مع منظمة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين إنها تعمل مع المنظمة منذ سنوات طويلة لكنها لم تشاهد من قبل ما يشابه الأوضاع الحالية السيئة للاجئين، حيث يقبع مئات اللاجئين من النساء والرجال والأطفال جنبا إلى جنب على أرضية الميناء في معابر نزول وصعود الركاب الذي تبلغ مساحته نحو 2000 مترا مربعا فقط. وفي ميناء الركاب الآخر في بيرايوس حيث المخازن لا يبدو الوضع مختلفا عن ذلك. ويقضي الكثير من اللاجئين ليلهم في خيام يقطر منها المطر، وذلك بسبب امتلاء صالات قاعات الميناء عن آخرها باللاجئين.
"لولا المتطوعون لما استمرت عميلة الإغاثة"
تنهال الأمطار على الميناء منذ عدة أيام دون توقف. وموجات اللاجئين تستمر بالتدفق على الميناء. ورغم أن السلطات اليونانية قامت بإرسال نحو 500 لاجئ لمخيم اللاجئين القريب والمعد لهم حديثا، إلا أن عدد اللاجئين وصل إلى 2780 شخصا صباح يوم الأحد الماضي حسب أرقام سلطات الميناء. وجلبت العبارة "أريادنه" 221 لاجئا جديدا للميناء من جزيرة لسبوس و380 لاجئا من جزيرة خيوس. وكان من المتوقع أن تصل سفينتان محملتان باللاجئين من جزر شرق بجر إيجه مساء الأحد. ولا تعرف السلطات أعداد اللاجئين القادمين إلا عند وصولهم ومن ثم إحصائهم.
ويقول عامل الإغاثة أندي "يمكنك أن تُجن هنا"، وأضاف "لا يمكن للمرء معرفة أعداد البشر القادمين لكي نتهيأ لهم". وأندي وزوجته هما إسرائيليان ويعيشان في جزيرة كريت اليونانية، ويعملان تطوعا منذ 10 أيام لمساعدة اللاجئين في بيرايوس. ويعملون سوية مع المتطوعين الآخرين في تنظيم ظروف استقبال اللاجئين القادمين للميناء.
وكان اللاجئون يأتون سابقا من الجزر اليونانية إلى الميناء ليقرر هناك مصيرهم أو يتجهون إلى أماكن أخرى. وبسبب غياب التعاون بين الدول، قررت منظمة غير حكومية في بيرايوس في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي البدء بمبادرة لتوفير السكن والمستلزمات الضرورية للاجئين. وقدمت السلطة المشرفة على الميناء بعض البنايات الفارغة للمنظمة لاستخدامها في إيواء اللاجئين، فيما تُغطى مصاريف المبادرة من قبل التبرعات، حيث يتم شراء الخيام والأغطية والملابس وحفاظات الأطفال ومستلزمات التنظيف والغسيل والطعام والشراب.
ويحصل 3000 لاجئ يوميا على المساعدة بفضل هذه المبادرة، ويشارك العشرات من المتطوعين اليونانيين على مدار الساعة فيها. جيورجوس ماركاكيس هو أحد المتطوعين في الميناء وهويعمل تقني تبريد، وأخذ إجازة من عمله ليتسنى له القيام بالعمل التطوعي. ويخصص يوميا نحو 12 ساعة لمساعدة اللاجئين، ويقوم بنقل الطعام بسيارته الخاصة ويوزع الخيام والمستلزمات الأخرى على اللاجئين. وعند سؤاله عن سبب تركه لعمله وعائلته والعمل كمتطوع في الميناء أجاب قائلا: "هنا على المرء المساعدة، ألا ترى ذلك؟".
"الأمل لا يموت إلا في النهاية"
ويمثل السوريون نحو 40 بالمائة من عدد اللاجئين في ميناء بيرايوس، وكذلك الأفغان، فيما يشكل العراقيون نحو 20 بالمائة من اللاجئين، كما تشير التخمينات. ويعيش نحو 130 لاجئ إيزيدي في مجموعة واحدة في الخيام. وقدم جميع اللاجئين من تركيا، وامتطى أغلبهم القوارب في الليل وتوجهوا من الشواطئ التركية إلى جزر لسبوس وخيوس وساموس اليونانية. ودفع اللاجئون مبالغ مختلفة لمهربي البشر، فالأفغان دفعوا مثلا 1300 دولارا، فيما دفع السوريون 700 دولارا.
وبعد تسجيلهم في الجزر يتوجه اللاجئون إلى اليونان ومنها يواصلون المسيرة إلى غرب أوروبا. وأوضح لاجئ سوري اسمه محمود ويبلغ من العمر 28 عاما قائلا:"دعني أتكلم بصراحة. اليونان تمر بوضع اقتصادي صعب. ونحن نريد أن نتوجه إلى بلد يرحب بنا". ولذلك يفضل اللاجئ محمود التوجه إلى بلد آخر على الرغم من أنه قد يجد عملا بسهولة في اليونان وخاصة في مجال السياحة، كونه يحمل شهادة جامعية في إدارة الفنادق. لكن محمود لا يمكنه تقرير مصيره بنفسه، إذ يسافر صحبة والدته وإخوته الاثنين، بالإضافة إلى بعض الأصدقاء. وتضم مجموعتهم 25 شخصا. وتقرر المجموعة سوية إلى أين يتجهون جميعا.
انتظار إشارة من بروكسل
وكان اللاجئون يتجهون سابقا إلى إدوميني المدينة الحدودية مع مقدونيا، لكن إغلاق الحدود اليونانية المقدونية دفع اللاجئين إلى البحث عن طرق بديلة لعبور الحدود. أما اللاجئون في ميناء بيرايوس فيأملون أن تفتح الحدود أبوابها من جديد. وبعض اللاجئين الذين قدموا يوم الاثنين لم يتوجهوا إلى مخيمات اللاجئين التي أعدت لهم في بيرايوس.
وقالت لاجئة قادمة من دمشق عمرها 30 عاما "إنها تريد الذهاب مع زوجها إلى مقدونيا". ولا يبدو أن أخبار غلق الحدود قد تمنعها من الذهاب إلى هناك.
وليس اللاجئ السوري محمود هو الوحيد بانتظار حل أوروبي لأزمة اللاجئين، بل إن الكثير منهم ينتظر نتائج القمة المرتقبة لقادة الاتحاد مع تركيا ومن ثم يقررون بعدها ماذا سيعملون. أما الحكومة اليونانية فقد فقدت الأمل هي الأخرى من إعادة فتح الحدود. وحسب تصريحات للمفوض الحكومي الخاص لشؤون اللاجئين ديمتريس فيتاس سيبقى أغلب اللاجئين في اليونان ولمدة تصل إلى عامين، وبعضهم قد يبقى إلى الأبد في اليونان.
فيما تظل الطريقة الوحيدة القانونية للذهاب إلى غرب أوروبا عبر برنامج "إعادة التوطين" الخاص بالاتحاد الأوروبي. ويمكن حسب البرنامج توزيع 160 ألف لاجئ من اليونان وإيطاليا على بقية دول الإتحاد الست والعشرين. ولكن لا يعرف مدى نجاح هذا البرنامج، الذي استفاد منه 536 شخصا فقط في اليونان، من بين 66400 لاجئا شملهم البرنامج.