1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

نازيون أمام القضاء ـ رمزية محاكمات نورنبرغ وإرثها التاريخي

٢٠ نوفمبر ٢٠٢٥

بعد الحرب العالمية الثانية، وضع الحلفاء قيادات النظام النازي على مقاعد الاتهام، حيث واجه مسؤولو دولة ما لأول مرة محكمة دولية للنظر في جرائمهم الكبرى أمام العالم. فما هي رمزية هذه المحاكمة في تاريخ العدالة الدولية؟

محاكمة نورنبرغ  1945-1946
بعد الحرب العالمية الثانية، خضع النازيون لمحاكمات في نورنبرغ عن جرائمهم الكبرى.صورة من: Keystone Archives/Heritage-Imags/picture-alliance

"أقاضي الأشخاص التالية أسماؤهم بتهمة ارتكاب جرائم ضد السلام وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية: هيرمان فيلهلم غورينغ. رودولف هيس. يواكيم فون ريبنتروب..."

كانت القاعة 600 في "قصر العدالة" في نورنبرغ ممتلئة عن آخرها عندما بدأ المدعي العام روبرت ه. جاكسون في قراءة الأسماء واحدا تلو الآخر. كانت قائمته طويلة. بدأت "محاكمة المجرمين الرئيسيين في الحرب" ضد 24 من كبار ممثلي الدولة النازية في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 1945 في نورنبرغ. تم استجواب أكثر من 230 شاهدا خلال 218 يوما من المحاكمة وقراءة 300 ألف إفادة وكتابة 16 ألف صفحة من المحاضر.

لم يكن اختيار نورمبرغ كمكان للمحاكمة مصادفة. كانت المدينة البافارية في السابق مسرحا لمؤتمرات الحزب النازي. هنا استعرض النظام النازي قوته وهنا تم إعلان قوانين نورمبرغ  تلك القوانين العنصرية والمعادية للسامية التي مهدت الطريق للهولوكوست. ولهذا السبب بالذات كان يجب أن يتم إقامة العدل هنا.

حشود تحتفل بهتلر في مؤتمر الحزب النازي في نورمبرغصورة من: akg-images/picture-alliance

الجرائم لا يجب أن تبقى دون عقاب

كانت هذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي يُحاسب فيها قادة دولة على أفعالهم التي تنتهك حقوق الإنسان. وهذا أمر جديد في النظام القانوني الدولي. ولكن بعد خسارة ألمانيا للحرب اتفقت القوى المنتصرة: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي على أن جرائم الرايخ الثالث لا يجب أن تمر دون عقاب. فقد وقع ملايين الأشخاص ضحية للنظام النازي وقُتلوا في معسكرات الاعتقال أو بسبب الحرب والجوع والاستعباد والعمل القسري.

كان من المهم أيضا لأول مرة طرح مسألة المسؤولية الفردية لكل شخص. "كان زعيم دولة مثل هيرمان غورينغ يمكنه حتى ذلك الحين وربما كان يعتقد ذلك أيضا أن يعتمد على أن ألمانيا الدولة التي يعمل لصالحها هي التي ستتحمل المسؤولية وليس هو نفسه"، كما يوضح خبير القانون فيليب غريبكه لـ DW.

لم يعترف أحد بالذنب

عندما بدأت الاستجوابات أعلن المتهمون واحدا تلو الآخر أنهم "غير مذنبين". "عمليات القتل الجماعي تمت حصريا وبدون أي تأثير بناءً على أوامر زعيم الدولة  أدولف هتلر"، يعلن يوليوس شترايشر وهو  معادٍ للسامية متعصب ومحرر صحيفة "دير شتورمر" التحريضية التي نشرت الدعاية النازية لسنوات.

وقد منع فالتر فونك، الصحفي الذي شغل منصب وزير الاقتصاد ثم رئيس البنك المركزي الألماني (رايخس بنك)  خلال فترة حكم هتلر اليهود من الوصول إلى حساباتهم المصرفية بصفته رئيسا للبنك المركزي. كما أنه أمر بنقل الأشياء الثمينة التي كانت بحوزة اليهود الذين قُتلوا في معسكرات الإبادة، بما في ذلك الذهب المستخدم في علاج أسنانهم إلى البنك المركزي الألماني.

وفي نورمبرغ قال أمام المحكمة: "لم يمت أي شخص بسبب الإجراءات التي أمرت بها. لقد احترمت دائما ممتلكات الغير. كنت دائما حريصا على مساعدة الأشخاص المحتاجين. وكنت أحاول بقدر ما تستطيع قواي أن أضفي السعادة والفرح على حياتهم".

تقول ماري كلود فايان كوتورييه، الناجية من الهولوكوست: "ترى الجثث ممددة في الفناء. ومن وقت لآخر تتحرك يد أو رأس بين هذه الجثث".صورة من: Usis-Dite/Leemage/picture alliance

كما أعلن هيرمان غورينغ، المارشال الإمبراطوري المسؤول عن بناء أول  معسكرات الاعتقال بثقة "غير مذنب!". وردا على سؤال حول ما إذا كانت هناك سياسة تهدف إلى إبادة اليهود أجاب: "لقد قلت بالفعل إنني لم أكن أعرف حتى تقريبا مدى حجم هذه المسألة". وقال إنه كان يعلم فقط أن "الهجرة اليهودية كانت مخططة وليس إبادة اليهود".

اثنا عشر حكما بالإعدام وسبعة أحكام بالسجن

لم يبد قادة النازيين أي ندم وألقوا باللوم بشكل ثابت على هتلر وحده. لم يكن من الممكن محاكمته لأنه انتحر في الأيام الأخيرة من الحرب.

لكن كل الإنكار لم يجد نفعا. كانت الأدلة دامغة. أفلام من معسكرات الاعتقال. شهادات شهود عيان من الناجين. رسائل وأوامر من الجناة. لأول مرة رأى العالم الفظائع التي ارتكبت في معسكرات أوشفيتس بيركيناو وبوخنفالد وبيرغن بيلسن.

في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 1946 انتهت محاكمة نورنبرغ الأولى. وأصدرت المحكمة أحكاما بالإعدام على اثني عشر من كبار القادة النازيين المتهمين وسبعة أحكام بالسجن وثلاثة أحكام بالبراءة.

اعتبر الألمان المحاكمات "عدالة المنتصرين"

"عندما تم الحكم على المتهمين اعتقد معظم الألمان: الآن تم القبض على المذنبين الحقيقيين وهذا أمر جيد"، يقول برنارد غوتو من معهد التاريخ المعاصر في ميونيخ - برلين. وتضيف زميلته شتيفاني بالم: "أدت محاكمات نورنبرغ إلى ترسيخ رواية معينة في أذهان الشعب الألماني: أن جميع الآخرين لم يكونوا سوى منفذين مجرد أتباع ولا ذنب لهم! تم تبني نوع من منظور الضحية: "نحن ضحايا هذه المجموعة الصغيرة المحيطة بهتلر".

ألمانيا | محاكمات نورنبرغ | المدعي العام الأمريكي روبرت هـ. جاكسونصورة من: National Archives, College Park, MD, USA

في هذا الإطار كان معظم الألمان معارضين للمحاكمات الاثنتي عشرة اللاحقة ضد المحامين والأطباء والصناعيين. اعتُبرت المحكمة "عدالة المنتصرين" "لأنها تثير على الفور السؤال حول مدى مسؤولية النازيين عن الجرائم التي ارتكبوها"، كما يقول غوتو. "وفجأة لم يعد الأمر يقتصر على غورينغ وكيتل والوهرمات وهيملر وبالطبع هتلر الذين يُزعم أنهم أضلوا الألمان، بل أصبح عبء هذه المسؤولية موزعا على أكتاف أكثر وهو ما لم تقبله غالبية الألمان".

سلف المحكمة الجنائية الدولية

تُعتبر محاكمات نورنبرغ اليوم علامة فارقة في تاريخ القانون الدولي. في عام 1945 كان هناك أمل في أن المعايير القانونية المطبقة في نورنبرغ ستنطبق على الجميع في المستقبل. لم يعد بإمكان أي مجرم حرب الاعتماد فقط على سلطة منصبه أو قوانين بلده.

"إذا افترضنا أن القانون الجنائي الدولي ظهر لأول مرة في قاعة المحكمة الجنائية في "قصر العدل" في نورنبرغ عام 1945 فيمكننا أن نرسم خطا مباشرا يربط بين تقاليد محاكم الأمم المتحدة لمجرمي الحرب في التسعينيات وصولا إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية"، حسب خبير القانون فيليب غريبكه. "لكن هذا لم يؤدِ بالتأكيد إلى تطبيق القانون الجنائي الدولي بشكل كامل منذ عام 1946 أو كما نراه اليوم".

لم يتم تأسيس المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلا في عام 1998 وبدأت عملها في عام 2002. لكن ليست كل الدول تعترف بها. من بين 125 دولة طرف في الاتفاقية تغيب القوى العظمى الأهم: الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند. إسرائيل أيضا ليست من بين الدول الأطراف.

هل المحكمة الجنائية الدولية مجرد نمر من ورق؟

لكن حتى الدول التي تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية قد تجاهلت أوامر الاعتقال. حتى الآن كان المبدأ السائد بالنسبة للحاكمين المتهمين هو: من لا يريد الذهاب إلى السجن عليه ببساطة البقاء في منزله. أما الآن فلم يعد ذلك ضروريا. ففي سبتمبر 2024 سافر فلاديمير بوتين الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف بتهمة ترحيل أطفال أوكرانيين إلى روسيا إلى منغوليا حيث استُقبل بكل تكريم. فهذا البلد يعتمد اقتصاديا بشكل كبير على جاره القوي. 

بالمناسبة لم تتمكن المحكمة الجنائية الدولية من توجيه اتهامات إلى بوتين بسبب حربه العدوانية: على عكس الجرائم ضد الإنسانية لا يمكن للمحكمة أن تحاكم رئيس دولة بسبب إصداره أمرا بالغزو إلا إذا كان بلده يعترف بالمحكمة الجنائية الدولية.

دفع هيرمان غورينغ ببراءته. ثم تهرب لاحقا من عقوبة الإعدام بالانتحار.صورة من: akg-images/picture alliance

هناك أيضا مذكرة توقيف صادرة ضد  بنيامين نتنياهو. تقول المحكمة الجنائية الدولية إن رئيس دولة إسرائيل قد تسبب في تجويع وقتل المدنيين الفلسطينيين. لكن خلال زيارة إلى المجر في نهاية عام 2024 أكد رئيس الحكومة فيكتور أوربان لضيفه بشكل واضح أنه سيتمتع بحرية التنقل.

ومن المرجح أن يبقى نتنياهو أيضا دون ملاحقة في ألمانيا: "أعتقد أنه من غير المعقول ألا يتمكن رئيس وزراء إسرائيل من زيارة جمهورية ألمانيا الاتحادية"، كما قال المستشار الألماني فريدريش ميرتس في فبراير/ شباط من هذا العام وهو موقف كان قد اتخذه سلفه أولاف شولتس أيضا.

وبالتالي فإن إحالة مجرم حرب محتمل إلى القضاء في نهاية المطاف يعتمد على حماس الدول الأعضاء. فلاحقا لا تملك محكمة لاهاي الوسائل والسلطات اللازمة لإحالة المشتبه بهم إلى المحكمة.

أعده للعربية: م.أ.م

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW