1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

نجل السبسي لم يترشح بألمانيا..ومبارزوه يتوافدون إلى الحلبة!

منصف السليمي
٢ نوفمبر ٢٠١٧

يبدو أن انتخاب مقعد نيابي شاغر في البرلمان التونسي بدائرة ألمانيا، قد تحول إلى معركة سياسية تونسية على أراضٍ ألمانية، الناخبون فيها أشبه ما يكونون بالمتفرجين على مبارزة يشارك فيها مرشحون "وافدون" في مواجهة مرشح"شبح".

Tunesien Hafhed Caid Essebsi
حافظ نجل الرئيس الباجي قايد السبسيصورة من: picture-alliance/dpa/M. Messara

تشهد ألمانيا في منتصف ديسمبر/ كانون الأول المقبل انتخابات جزئية لسد شغور في مقعد نائب مجلس نواب الشعب التونسي، حاتم الفرجاني الذي عُيِّن في سبتمبر/ أيلول الماضي ككاتب دولة مكلف بالديبلوماسية الإقتصادية، وذلك في أحدث تعديل جرى على حكومة يوسف الشاهد.

الانتخابات في هذه الدائرة ورغم أنها تأتي لسد شغور لا تتجاوز مدته عامان متبقيان من ولاية البرلمان التونسي الحالي، إلا أنها تحولت إلى حلبة لتنافس غير مسبوق تُسلط عليه الأضواء في تونس وخارجها، وتثير فضول المتتبعين في ألمانيا وأحيانا حيرتهم، لفهم أسباب وخلفيات استقطاب دائرة ألمانيا لكل هذه الأضواء.

القصة بدأت بتسريبات

القصة بدأت منذ بضعة أشهر عندما تسربت معلومات وتصريحات مسؤولين في حزب نداء تونس الذي يقود الإئتلاف الحكومي، تفيد بأنه يعتزم ترشيح أمينه العام حافظ نجل الرئيس الباجي قايد السبسي للدائرة الانتخابية التي تعد واحدة من ستة دوائر مخصصة للتونسيين بالخارج من أصل 217 مقعد في مجلس نواب الشعب.

حاتم الفرجاني من محام في دسلدورف إلى نائب برلماني في تونس ثم كاتب دولة مكلف بالديبلوماسية الاقتصاديةصورة من: DW

ومع ظهور هذه التسريبات تناسلت القصص في مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل إعلام تونسية، ترسم سيناريوهات قاتمة لمستقبل المؤسسات المنتخبة ديمقراطيا لأول مرة في تونس بعد ثورتها. إذ ذهبت بعض السيناريوهات لقراءة أسباب "الترشيح المفترض" بأنه يتجاوز مجرد وصول حافظ قايد السبسي إلى قبة البرلمان، بل يتعداه لمرحلة لاحقة يتولى فيها رئاسة البرلمان خلفا لرئيسه الحالي المتقدم في السن (83 عاما)، تمهيدا لفرضية خلافة والده الرئيس الحالي الطاعن في السن (91 عاما).

تداولُ هذا السيناريو إعلاميا على الأقل، كان كافيا لتفجير الجدل في البلاد حول مستقبل الديمقراطية الناشئة والمخاوف من عودة كابوس "توريث الحكم" الذي ظن التونسيون أن ثورتهم قد أقبرته إلى الأبد. حيث ظهرت ردود فعل قوية في أوساط الطبقة السياسية بتونس وخارجها، وامتدت تفاعلاتها إلى ألمانيا في شكل حملات إعلامية وسياسية ضد "توريث" الحكم في البلاد، وانبرى عدد كبير من السياسيين والنشطاء لتقديم أنفسهم كمرشحين لمبارزة "المرشح المفترض".

بعد أسابيع من الأخذ والرد، خرج حزب نداء تونس ذو التوجهات العلمانية، عن صمته معلنا أن مرشحه هو طبيب يعيش في ألمانيا منذ عقود، وأنه يحظى أيضا بدعم شريكه في الحكم حزب النهضة. وكان إعلان الحزب الإسلامي مبكرا عن امتناعه عن تقديم مرشح قد أجّج التكهنات بأن "صفقة" ما تُطبخ في كواليس اتخاذ القرار السياسي في تونس. ويُرمز إليها في القاموس الإعلامي التونسي أحيانا، اختزالا بـ"قرطاج"(قصر الرئاسة) و"مونبليزير"( مقر حزب النهضة)، وأحيانا أخرى بـ"توافق الشيخين" أي الرئيس السبسي ورئيس حزب النهضة الشيخ راشد الغنوشي.

معركة محلية تونسية على أراضٍ ألمانية

ورغم عدم ترشيح نجل الرئيس السبسي لدائرة ألمانيا، الا أن الجدل لم يتوقف وما يزال محتدما، بيد أنه بات يأخذ طابعا وسياقات أخرى. فالذين تسابقوا على مبارزة "المرشح المفترض" لم يسحبوا ترشيحاتهم بعد عدم ترشيحه من قبل حزبه، والناخبون التونسيون في ألمانيا ما يزالون يحاولون فهم ما يجري بشأن دائرتهم. وقد تقدم فيها 27 مرشحا ضمنهم 15 بصفة مستقلين و11 باسم أحزاب ومرشح واحد عن إئتلاف حزبي. وضمنهم فقط أربع مرشحات نساء. وضمن المرشحين غير مقيمين بألمانيا بل يقيمون في تونس أو فرنسا، جاءت بهم ايضا رياح الرفض لترشيح ابن السبسي. وضمنهم مدونون ونشطاء معروفون بتوجهاتهم الإسلامية أو الليبرالية أواليسارية.

إثر اعتداء برلين الارهابي تضررت صورة تونس في ألمانيا صورة من: picture-alliance/dpa/R. Jensen

ومقابل المرشحين "الوافدين" من خارج ألمانيا، أظهرت الأجواء التي تسبق انتخاب المقعد الشاغر، ديناميكية ملحوظة في أوساط المجتمع المدني المحلي بألمانيا وظهور مرشحين محليين يقدمون أنفسهم باستقلالية عن الأحزاب التقليدية، كـ"مؤهلين أكثر من غيرهم" للإلمام بمشاكل المهاجرين التونسيين بألمانيا. وينحى مرشحون باللائمة على الحزبين الحاكمين (نداء تونس والنهضة) بأنهما "خانا ثقة الناخبين" عندما سمحا لنائبيهما الذين تداولا على دائرة ألمانيا بـ"التفريط" في قضايا ناخبيهم والتفرغ لمناصب سياسية أو رسمية في تونس. 

الا أن حملة الانتخابات التي يبدو أنها انطلقت عمليا قبل موعدها الرسمي (23 نوفمبر/ تشرين ثاني)، تأخذ في حالات كثيرة، سياقات تتجاوز الإطار المحلي لانتخاب نائب عن دائرة تشمل مهاجرين تونسيين لهم مشاغلهم وانتظارتهم. ولا حتى قضايا مرتبطة بألمانيا البلد الذي تواجه فيه صورة تونس تداعيات سلبية بسبب الارهاب والهجرة غير الشرعية. اذ تغصّ مواقع التواصل الإجتماعي ومنصات الإعلام المُعَوْلم يوميا بالفيديوهات والمنشورات والرسائل الموجهة للناخبين التونسيين بألمانيا.

وهي تبدو أشبه بمعركة سياسية تونسية داخلية على أراضٍ ألمانية، تهيمن فيها سجالات سياسية أو حزبية مألوفة يوميا في القنوات التلفزيونية التونسية. وهي لا تخلو من ملاسنات ومشادات شخصية.

هجرة "جماعية" إلى ألمانيا!

تدور هذه المعركة "الانتخابية" الحامية في دائرة يبلغ عدد المسجلين بها 27 ألف ناخب لم يشارك منهم في الانتخابات السابقة (2014) سوى 40 في المائة. وما يثير تساؤلات المراقبين هو حجم تسليط الأضواء عليها بينما تشهد الحالة السياسية داخل تونس انسدادا في عدد من المجالات الحيوية في الحياة السياسية والاقتصادية، ولا تبدي الطبقة السياسية كفاءة في معالجة ملفاتها الساخنة والمصيرية بالنسبة لمستقبل الشباب التونسي وديمقراطيته الناشئة.

الرئيس الباجي قايد السبسي في حوار سابق(2012) مع DW بكولونيا صورة من: DW

فعلى مستوى بناء المؤسسات الديمقراطية الناشئة، تم تأجيل الانتخابات البلدية والمحلية لمرات متكررة منذ قيام الثورة سنة 2011. وأخفق مجلس نواب الشعب للمرة الرابعة في انتخاب رئيس جديد للهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، وتجديد ثلث أعضائها، بسبب تصدعات داخل الإئتلاف الحاكم وتجاذبات حزبية متعددة الجبهات. ويحذر مراقبون من أن استمرار الفشل في هذين الملفين سيهدد مصداقية الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

وعلى مستوى إدارة الملفات الاقتصادية والاجتماعية، ورغم تحقيقها بعض المنجزات إلا أن حكومة يوسف الشاهد تواجه صعوبات هيكلية في تنفيذ برامج الإصلاحات من أجل توفير فرص العمل للشباب ومكافحة الفساد والارهاب والحد من الهجرة غير الشرعية ومآسيها. بالإضافة إلى صعوبات تواجه الحكومة في الاستجابة لضغوط المقرضين الدوليين بخفض الإنفاق وخفض كتلة الأجور التي يقول صندوق النقد الدولي إنها في هذا البلد الصغير تعد من بين أعلى المعدلات في العالم.

وفي غضون ذلك تبدو حكومة الشاهد تحت وطأة تجاذبات سياسية وحزبية وضغوط جماعات لوبي، تجعل إدارتها للتوافق الوطني حول الإصلاحات في مهب الرياح. وغالبا ما تؤول السجالات حول ملفات الإصلاح إلى نقاش حول مصير الحكومة نفسها، التي تبدو في كثير من الحالات بين مطرقة الاتحاد العام التونسي للشغل المركزية النقابية العتيدة واتحاد أرباب العمل ( اتحاد الصناعة والتجارة) ذو النفوذ الواسع في قطاع المال والأعمال. والمنظمتان النافذتان حصلتا ضمن رباعي غير حكومي تونسي على جائزة نوبل للسلام سنة 2015 لدوره في نجاج التوافق الديمقراطي في تونس.

وفي مواجهة اتساع دائرة الإحباط لدى الشباب، تزداد موجات الهجرة غير الشرعية تفاقما، كما يؤكد ذلك تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة غير حكومية). وتعيش تونس في الآونة الأخيرة على وقع تجدد مآسي وفاة عشرات الشبان غرقا في مياه البحر الأبيض المتوسط. كما تفيد أحدث احصاءات أدلى بها المتحدث باسم الحرس الوطني التونسي، أنه تم إيقاف 2710 شخصا بسبب محاولات للهجرة السرية (غير الشرعية) عبر البحر خلال الأشهر العشر الأولى من هذا العام.

وكما تشكل أوروبا وألمانيا بشكل خاص مقصدا وحلما لأعداد كبيرة من الشبان التونسيين بحثا عن خلاص من أوضاعهم وانسداد الآفاق أمامهم في بلد يشكل الشباب فيه 70 في المائة ويحكمه شيوخ، تبدو المفارقة أن الطبقة السياسية ايضا باتت تفضل ترحيل مشاكلها إلى دائرة ألمانيا، بل إن بعضهم حط رحاله منذ أسابيع على الأراضي الألمانية كمرشح "وافد" من تونس أو من فرنسا في ظل قانون انتخابي لا يضع شروطا صارمة في الترشح اذ يمكن لمقيم ليس فقط في تونس بل حتى في أستراليا أو كندا أن يترشح في دائرة ألمانيا. ويذهب بعض الساسة التونسيين للقول بأن انتخاب المقعد النيابي الشاغر في ألمانيا هو بمثابة معركة سياسية رمزية أو "مختبر انتخابي" لمستقبل تونس!

 

منصف السليمي

منصف السليمي صحفي في مؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية
تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW