"نداء" هيلموت كول الأخير
٤ نوفمبر ٢٠١٤ربما يرى المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول حقائق القرن الـ21 نوعا ما بخيبة أمل كما رآها من قبل رجل المقاومة الفرنسية السابق والدبلوماسي بالأمم المتحدة ستيفان هيسل. هذا الأخير قام في عام 2010 وفي سن متأخرة /93 عاما/ بالتعبير عن آرائه في كتاب دعا فيه الشباب الفرنسي وحثهم على اتخاذ موقف اتجاه الرأسمالية والالتزام بمبادئ السلموالاعتدال. وحقق كتابه المتكون من 14 صفحة نجاحا كبيرا وطُبعت منه الملايين من النسخ.
كذلك الكتاب الجديد للمستشار الألماني الأسبق هيلموت كول، فهو كتاب صغير لا تتعدى صفحاته 120 صفحة ويحمل عنوان "نداء ـ حرصاً على أوروبا". ويُعتبر هذا الكتاب صغير الحجم مقارنة بالكتب السابقة الضخمة التي تعود عليها القراء من هيلموت كول. أسئلة كثيرة باتت تحوم حول ما دفع هيلموت كول إلى اختصار هذا الكتاب إلى هذا الحد. فهل هذا الكتاب عبارة عن إرث؟ أم أن وقت هيلموت كول، الذي يبلغ من العمر الآن 84 عاما، بات ضيقا للتطرق إلى خيبة أمله في كتاب ضخم؟ وقد قام هيلموت كول بعرض كتابه الجديد في مدينة فرانكفورت يوم الاثنين (3 نوفمبر/تشرين الثاني 2014) واكتفى بالجلوس على كرسيه المتحرك كتمثال من الشمع، حيث كان من الصعب فهم الجمل التي كان ينطق بها، مما دفع إلى طرح السؤال التالي: كيف يمكن لشخص في حالته الصحية هذه أن يكتب كتابا؟
مايكه كول-غيشتر، اليد اليمنى للمستشار السابق كول
مايكه كول-غيشتر تُوضح أن صانع الوحدة الألمانية والمواطن الفخري لأوروبا، زوجها هيلموت كول، لا يمكنه التحرك لوحده ويصعب عليه القيام بأي شيء ويعتمد عليها في قضاء أغراضه منذ ست سنوات. وتقول: "زوجي يحتفظ بكل شيء في رأسه". فهي تقوم بتحضير ما يرغب فيه من الأرشيف وتبحث له عن المصادر التي يحتاجها، فهل تقوم أيضا بكتابة النصوص التي يحررها؟ وتضيف: "زوجي يحدد ما يريده في نصوصه وبالصياغة التي يرغب فيها".
أما الموضوع الأساسي الذي عالجه هيلموت كول في كتابه، فيتطرق إلى الحقبة التي عاشها جيله والمعاناة من ويلات الحرب العالمية الثانية والبديل في التطلع إلى وحدة أوروبية يعيش فيها الجميع في رخاء وسلام بغض النظر عن الطموحات الوطنية لكل بلد. وفي هذه الحقبة لم يفكر أحد في التضحية بالقيم الأوروبية المشتركة من أجل هدف سياسي داخلي، فقد كان الجميع على يقين أن الوحدة الأوروبية وحدها فقط من شأنها أن تضمن السلام للقارة العجوز. وهذا ما يسعى هيلموت كول إلى إحيائه مرة أخرى من خلال كتابه "نداء ـ حرصاً على أوروبا"، ويريد أن يكون الساسة قدوة في تجسيد الوحدة الأوروبية وروح المجتمع الأوروبي لكي يشعر كل مواطن في الاتحاد الأوروبي بأنه عضو في هذا المجتمع وليس فقط مواطن أوروبي لتحمل أعباء الاتحاد الأوروبي.
يجب على الاتحاد الأوروبي الوصول إلى قلوب الناس
يعتمد جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية، أيضا هذه الفكرة ويتخذها شعارا لمفوضية الاتحاد الأوروبي التي سبق ووصفها بــ "مفوضية الفرصة الأخيرة" لأنه يرى فيها وسيلة ضرورية للوصول إلى قلوب المواطنين الأوروبيين. ولم يقضي يونكر أول يوم له كرئيس للمفوضية الأوروبية في مقر عمله ببروكسل وإنما حضر عرض كتاب صديقه القديم هيلموت كول في فرانكفورت كدليل على تشبته برأي المستشار السابق والاقتداء به كنموذج سياسي أوروبي متميز. وسيلتقي يونكر كذلك جاك ديلور، وزير المالية الفرنسي السابق في عهد فرنسوا ميتيران، يوم الخميس (6 نوفمبر/تشرين الثاني 2014) الذي يرى فيه أيضا نموذجا سياسيا أوروبيا متميزا.
تبنى يونكر في خطابه، وهو الموقف الذي أكده أيضا المستشار الأسبق هيلموت كول في كتابه، أن إدراج عملة اليورو لم يكن رهينا بدعم فرانسوا ميتران للوحدة الألمانية، وإنما لتحقيق وحدة أوروبية لا رجعة فيها. لاسيما وأن هناك أصوات تنادي في حملات انتخابية أوروبية بإلغاء اليورو، كحزب "البديل من أجل ألمانيا".
انتقادات حادة للمستشار السابق شرودر
لا يتطرق هيلموت كول في كتابه إلى حزب "البديل من أجل ألمانيا" بتاتا. وعلى حد قوله، فإن الكتابة عن معارضين معينين يرفع من شأنهم عوض الضرر بهم. أما "العدو" الذي ذكره في كتابه فهو الائتلاف الحكومي، المكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، الذي حكم البلاد في عهد المستشار غيرهارد شرودر وأوقف حقبة المستشار هيلموت كول، والتي امتدت إلى 16 عاما. وينسب كول إلى خلفه شرودر ثلاثة أخطاء فادحة: دمج اليونان في منطقة اليورو وانتهاك معاهدة الاستقرار عن طريق رفع مستوى العجز الحكومي والإضرار بالتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التصويت ضد الحرب على العراق.
وعرف عرض كتاب هيلموت كول تغطية إعلامية كبيرة بحضور 80 صحفيا. ورغم أن المستشار السابق لم يعلق كثيرا على كتابه، إلا أنه استمتع بالمؤتمر الصحفي مع أربعة صحفيين مختارين، وبالطبع بحضور رئيس تحرير صحيفة "بيلد" أكبر صحيفة شعبية ألمانية. ولكن الدوافع الحقيقة وراء عرض هذا الكتاب، مع أخذ حالته الصحية بعين الاعتبار، يبقى سر هيلموت كول الدفين.