"نريد أن نعيش" ـ موجة الحر تشعل لهيب الاحتجاجات ضد حماس بغزة
٧ أغسطس ٢٠٢٣في 30 يوليو/ تموز 2023، نزل عدة مئات من الأشخاص إلى شوارع غزة، وخاصة في بلدتي خان يونس ورفح الجنوبيتين، للاحتجاج على انقطاع التيار الكهربائي المزمن والأوضاع القاسية للسكان، التي تفاقمت بسبب الطقس الحار المستمر. وبدا أن الاحتجاجات نظمتها مجموعة غير معروفة على مواقع التواصل الاجتماعي تطلق على نفسها اسم "الفيروس الساخر". ولا يزال غير معروف من وراء المجموعة.
كانت المشاهد حدثًا نادرًا للاستياء العام في ظل حكم حركة حماس الإسلامية المستبدة في غزة. في الماضي، قامت حماس في كثير من الأحيان بقمع الاحتجاجات أو المعارضة. وهذه المرة، لم تكن الأمور مختلفة، حيث قال شهود عيان إن المتظاهرين تم تفريقهم بسرعة من قبل ضباط الشرطة، الذين قاموا أيضًا ببعض الاعتقالات.
ولم ترد السلطات في غزة على طلب للتعليق حول الموضوع.
تأتي الاحتجاجات في الوقت الذي يشهد فيه قطاع غزة، وهي الأرض الفلسطينية الصغيرة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط ، نفس الصيف الحارق وبشكل غير عادي مثل العديد من أجزاء أخرى من الشرق الأوسط. على الرغم من أن الطقس الصيفي في الإقليم حار ورطب عادة، إلا أن درجات الحرارة هذا العام ظلت عند مستويات عالية لفترة طويلة بشكل غير معتاد، مما يجعل الحياة هناك أكثر صعوبة.
"حياة صعبة وبائسة"
قال شادي، خريج كلية من خان يونس، إن انقطاع التيار الكهربائي كان أحد الأسباب العديدة لمشاركته في الاحتجاجات. وقال الشاب البالغ من العمر 24 عامًا لـ DW في مقابلة عبر الهاتف معه: "النقص الأخير في الكهرباء جعل الكثير من الناس يتذكرون أنهم لا يتلقون الحد الأدنى من التعامل البشري، على الرغم من أننا نعيش في هذا الوضع منذ سنوات عديدة". وأضاف: "نحن نعيش حياة صعبة وبائسة. لا أمل. أردنا أن نرفع صوتنا حتى يسمع أحد هذا الصوت. نحن ضحايا الاحتلال [الإسرائيلي] والانقسام الفلسطيني". يُذكر أن إٍسرائيل لم تعد تحتل قطاع غزة وقد انسحبت منه كليا في أغسطس/ آب عام 2005 فيما عرف حينها بـ"خطة فك الارتباط من طرف واحد". ومنذ عام 2007 انفردت حركة حماس بالسيطرة على القطاع بعد معركة عسكرية بينها وبين حركة فتح.
يُشار إلى أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة إسلاموية فلسطينية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبعض الدول العربية على أنها منظمة إرهابية.
العيش تحت الحصار
ومنذ أن استولت حماس على غزة في عام 2007، يعيش سكان القطاع تحت حصار صارم تفرضه في الأساس إسرائيل وجزء تفرضه مصر المجاورة. عزز استيلاء حماس على السلطة - أو انقلابها، كما تسميها حركة فتح المنافسة لحماس - الانقسام السياسي بين غزة والضفة الغربية المحتلة. وتلقي حماس باللوم على الحصار الإسرائيلي في خنق أي احتمال للتعافي الاقتصادي أو التنمية في المنطقة.
وصفت جماعات حقوق الإنسان وسكان غزة الإغلاق الخانق، الذي تخففه إسرائيل من حين لآخر أو تشدده تبعا للتطورات السياسية، بأنه عقاب جماعي. خاضت إسرائيل وحماس عدة حروب بالفعل.
من جانبها، تقول إسرائيل إن الحصار، الذي يقيد الوصول عن طريق البحر والبر والجو، ضروري لمنع التعزيز العسكري للجماعة الإسلامية، والتي تنكر حق إسرائيل في الوجود. وخاضت إسرائيل وحماس عدة حروب بالفعل.
ربما كانت الاحتجاجات محاولة للفت الانتباه إلى الوضع في غزة، حسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر المقيم في غزة مخيمر أبو سعدة، بينما اجتمعت عدة أحزاب سياسية فلسطينية في مصر لمناقشة الوحدة الوطنية. وضم الاجتماع حماس وفتح، التي تهيمن على السلطة الفلسطينية وتدير أجزاءً محدودة من الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل.
ويضيف أبو سعدة: "أراد الشباب الفلسطيني هنا في غزة رفع صوتهم ضد أوضاعهم اليومية في اليوم الذي كان يجتمع فيه قادة الفصائل في القاهرة حتى ينتبهوا (القادة) على الأقل لاحتياجاتهم ومظالمهم". لكن في النهاية ومع ذلك، فشل الاجتماع في القاهرة في إيجاد طرق للتغلب على الانقسام السياسي العميق.
انقطاع في التيار الكهربائي المعطل أصلا
قضية رئيسية أخرى هي النقص المستمر في الكهرباء بسبب الحرارة الشديدة. يؤثر انقطاع التيار الكهربائي على جميع جوانب الحياة اليومية: من تبريد الطعام إلى تشغيل الأجهزة الأساسية مثل الغسالات أو أجهزة الكمبيوتر المحمولة أو مضخات المياه أو المراوح.
يقول أبو سعدة: "في العادة، كان لدينا جدول زمني مدته ثمان ساعات عمل للكهرباء، وثمان ساعات راحة، ولكن بسبب الحرارة، فإن الطلب مرتفع، ومعظم الأسر لا تحصل إلا على أربع إلى ست ساعات في المتوسط".
يعاني سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة من انقطاع التيار الكهربائي بمعدل 12 ساعة في اليوم في أوقات الطلب الشديد، مثل الصيف. وفقًا للموسم، فإن إمدادات الكهرباء المقدرة اللازمة لتوفير الطاقة المستمرة لغزة تتراوح بين 450 و550 ميغاوات، كما يقول محمد ثابت المتحدث باسم شركة توزيع الكهرباء في غزة. لم يتم توفير أي شيء قريب من هذه السعة لسنوات، وهذا أدى إلى أن يكون انقطاع التيار الكهربائي متكررًا، ولفترات زمنية طويلة.
في الوقت الحالي، تزود محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة ما بين 75-100 ميغاواط اعتمادًا على كمية الوقود المتاحة. في السنوات الأخيرة، ساعدت قطر غزة بشراء الوقود لمحطة الطاقة من إسرائيل. ولكن حتى عندما يكون الوقود متوفراً، فإن المحطة لا تعمل دائمًا بكامل طاقتها بسبب مشكلات الصيانة الشاملة والأضرار الطويلة التي لم يتم إصلاحها.
تقوم السلطة الفلسطينية بشراء 120 ميغاواط إضافية من إسرائيل ويتم توفيرها مباشرة من خلال خطوط الكهرباء المتصلة بقطاع غزة. في عام 2018، أوقفت مصر إمدادات طاقة إضافية كانت توفرها لجنوب قطاع غزة. وفوق كل هذا، نشبت خلافات على مر السنين بين السلطة الفلسطينية وحماس حول المسؤول عن دفع فواتير قطاع غزة.
لكن بالنسبة للبعض، تعتبر أزمة الكهرباء مجرد رمز للوضع المزري العام. يقول محللون في غزة إنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت الاحتجاجات مثل ما جرى في 30 يوليو / تموز 2023، يمكن أن تشكل تحديا لحماس.
يقول أسامة عنتر، أستاذ العلوم السياسية في مدينة غزة: "لم يكن هناك تأثير للتعبئة، لكن [مع ذلك] يعني أن الناس قد سئموا حقًا". هذا الشعور بالإحباط موجه إلى كل من حماس وفتح، كما يقول المراقبون، اللتان كما يبدو للسكان غير قادرتين على حل أي أزمة.
وهذا ما أكده شادي: "نحن جيل نشأ في ظل ظروف صعبة، ولم يكن لدينا يومًا واحدًا جيدًا. أبلغ من العمر 24 عامًا ولم أسافر في حياتي أبدًا". ويضيف الشاب الفلسطيني:" نريد أن نعيش بكرامة، هذا هو هدفنا. قد لا نحقق ذلك من خلال هذه الاحتجاجات، لكننا على الأقل رفعنا صوتنا".
تانيا كريمر/ ترجمة: زمن البدري