شوغ سيباستينا/ ترجمة عبد الرحمان عمار١١ يناير ٢٠١٦
لا يزال الشارع الألماني مصدوما بسبب الاعتداءات وأعمال التحرش التي تعرضت له العديد من النساء خلال ليلة رأس العام في كولونيا. فمتى تستعيد النسوة الشعور بالأمن خصوصا أنّ كرنفال المدينة الشهير على الأبواب.
إعلان
عندما يخرج المرء من محطة القطار بكولونيا يذهب نظره مباشرة صوب كاتدرائية دوم . ففي الساحة المقابلة لها يوجد طاقم تصوير صحفي، لكنه ليس الطاقم الوحيد الموجود في عين المكان. ففي محيط المحطة هناك ثلاث فرق تصوير صحفي وعدد كثير من حافلات الشرطة. فالحياة الطبيعية في كولونيا كانت أكثر أمنا قبل احتفالات رأس السنة الجديدة.
وحتى بوجود عدد كبير من رجال الأمن في عين المكان، إلا أن ذلك لا يمنح الناس بالضرورة شعورا بالأمن. وفي معرض جوابها عن سؤال حول ما تنتظره من رجال الشرطة والساسة تقول امرأة شابة: "لم أعد أنتظر منهم شيئا، فهم على كل حال لا يفعلون شيئا". وحتى فترة كرنفال كولونيا (شهر فبراير/ شباط من كل عام)، قررت هذه الشابة أن تقضيها هذا العام في بروكسل بعيدا عن المدينة لأنها "لم تعد تشعر فيها بالأمان" على حد تعبيرها.
يمر الطريق إلى المدينة عبر درج كاتدرائية كولونيا الشهيرة. وهناك وُضعت ورود والواح تذكاري لضحايا الاعتداءات الجنسية في رأس السنة الجديدة، ويقف عدد كثير من الناس لالتقاط الصور لتلك المشاهد.
انطباعات متباينة حول الاعتداءات
رغم ذلك ، فانطباعات السكان مما حدث في رأس السنة ليست متشابهة إطلاقا. فالنقاشات حول تلك الاعتداءات أصبحت قضية قائمة بذاتها ولم تعد مقتصرة على أحداث كولونيا كما عبرت لنا إحدى النساء. ومن جانبها تقول ناشطة في مجال البيئة وهي تمتطي دراجتها الهوائية، "الآن يتم نشر صورة خاطئة مفادها أن الرجال الألمان أيضا يغتصبون النساء، والهدف هو في نهاية المطاف تسطيح الإجابات ضمن النقاش الدائر حول اللاجئين".
تجاوزت النقاشات حول أحداث رأس العام الفضاء العام وأصبحت موضوع نقاش داخل البيوت بين العائلات. وأشارت إحدى الأمهات إلى أنها مشغولة البال بسبب ما وقع، لهذا رأت أنّ من المهم أن تتحدث مع ابنتها حول اللباس الذي سترتديه في كرنفال المدينة. ورغم معرفتها بأن أي حادث عرضي لا يعني بالضرورة أن الأمر سيتكرر يوميا، إلا أن الخوف واضح على هذه الأم.
الشعور المعتاد بالأمن أصبح من الماضي
ويلحظ المرء أنّ النساء في كولونيا يشعرن بالخوف والخطر حتى ولو كنّ ضمن مجموعة من ثلاث نساء. فالشعور المعتاد بالأمن ليلا في شوارع المدينة لم يعد موجودا كما في السابق. وأمام هذا الوضع فإنّ السؤال المطروح الآن هو كيف ستمر أجواء تظاهرة كرنفال كولونيا التي تشهد إقبالا كبيرا كل عام؟ فالكرنفال بالنسبة لسكان كولونيا هو بمثابة مهرجان أكتوبر / تشرين الأول للبيرة في مدينة ميونيخ، وفي حال تأثر الكرنفال سلبا بأحداث نهاية العام المنصرم فإن مدينة كولونيا ستعاني بكاملها. كما أن نصيحة عمدة المدينة هنريته ريكر للنساء بُعيد تلك الاعتداءات، بإبعاد أنفسهن عن الأشخاص الغرباء وعدم البقاء لوحدهن، لا تفيد كثيرا في مثل هذه التظاهرات الكبيرة .
الاعتداءات الصادمة في كولونيا.. مشاهد وردود فعل حادة
أثارت سلسلة الاعتداءات الجماعية التي تعرضت لها أكثر من مائة امرأة ليلة رأس السنة في مدينة كولونيا سخطا ألمانيا كبيرا على المستوى السياسي والشعبي وردود أفعال قوية، وفتحت النقاش مجددا حول اندماج المهاجرين في ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa
يثير حوالى مئة اعتداء جنسي تم تسجيلها في مدينة كولونيا ليلة رأس السنة ونسبت إلى "شبان عرب على ما يبدو" استياءً كبيرا في ألمانيا، حيث نددت الحكومة بأعمال العنف، لكنها أكدت في الوقت نفسه أنها قلقة من اتهام اللاجئين.
صورة من: Reuters/W. Rattay
وفقا لبيانات الشرطة، فإن نحو 1000 رجل "يبدو أنهم من المنطقة العربية أو شمال أفريقيا" تجمعوا ليلة رأس السنة في ساحة محطة القطار الرئيسية في كولونيا، وتشير التحقيقات إلى أن عدة مجموعات تكونت من هذا التجمع، وحوطّوا النساء من كل جانب وتحرشوا بهن وسرقوهن، ووصفت الشرطة ما حدث بأنه جرائم جنسية جرت في شكل جماعي بالإضافة إلى حالة اغتصاب.
صورة من: DW/V. Kern
بعد الاعتداءات، نظم بين 200 و300 شخص حسب الشرطة تجمعا رمزيا امام كاتدرائية كولونيا للدعوة إلى احترام النساء. ورفعوا لافتة كتب عليها "السيدة ميركل، ماذا تفعلين؟ الأمر مخيف".
صورة من: Reuters/W. Rattay
رفع الكثير من المتظاهرين أيضا لافتات، كتبوا عليها " كلنا ضد التحرش وضد العنصرية"، في إشارة لعدم توجيه أصابع الاتهام لكافة الأجانب وخاصة اللاجئين. وذلك بعد أن قام الكثير من أنصار الأحزاب اليمينية والمحافظة بالحديث بتهديد المهاجرين ووصفهم بأوصاف عنصرية.
صورة من: Reuters/W. Rattay
عبر العديد من المتظاهرين في مدنية كولونيا على غضبهم من الأحداث، التي شهدتها مدينتهم ليلة رأس السنة، رافعين لافتات كتبوا عليها " طفح الكيل" و" لن نسكت" و" سنحارب التحرش" .
صورة من: picture-alliance/dpa/O. Berg
طالبت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الثلاثاء (الخامس من كانون الثاني / يناير 2016 ) بما وصفته بـ "برد صارم من دولة القانون" على التعديات التي تعرضت لها عشرات النسوة أمام محطة القطار الرئيسية في مدينة كولونيا غربي ألمانيا ليلة رأس السنة. جاء ذلك على لسان المتحدث باسمها شتيفان زايبرت.
صورة من: Getty Images/AFP/O. Andersen
لم تعلن الشرطة حتى الآن توقيف أي شخص في إطار هذه القضية. ولكن قائد شرطة مدينة كولونيا، التي تستعد لاستقبال مئات الآلاف من المحتفلين لمهرجانها التقليدي من الرابع إلى العاشر من شباط/ فبراير، أعلن عن تعزيز قوات الأمن وعمليات المراقبة بالكاميرات لتفادي مثل هذه الحوادث.
صورة من: DW/V. Kern
"لا يمكن للشرطة أن تعمل بهذه الطريقة"، إحدى العبارات التي انتقد بها وزير الداخلية الألماني توماس دي مزيير مساء الثلاثاء (الخامس من كانون الثاني/ يناير 2016)، عدم تحرك شرطة كولونيا خلال سلسلة الاعتداءات التي تعرضت لها أكثر من مائة امرأة ليلة رأس السنة الأمر الذي أثار السخط في البلاد.
صورة من: Getty Images/AFP/T. Schwarz
حذر وزير العدل الألماني هايكو ماس من وضع اللاجئين تحت الاشتباه العام عقب أحداث التحرش والاعتداء الجنسي التي تعرضت لها نساء في مدينة كولونيا الألمانية ليلة رأس السنة. وقال ماس "لا ينبغي لأحد أن يستغل هذه التحرشات والاعتداءات في التشويه الجزافي لسمعة اللاجئين... إذا كان هناك طالبو لجوء بين الجناة فإن هذا ليس سببا لوضع كافة اللاجئين تحت الاشتباه العام".
صورة من: picture alliance/dpa/K. Nietfeld
أثارت تصريحات رئيسة بلدية كولونيا هنرييتي ريكر مساء الثلاثاء (الخامس من كانون الثاني/ يناير 2016) زوبعة من الانتقادات بعد أن نصحت النساء في مؤتمر صحفي بأخد مسافة (نحو ذراع) من الرجال الذي "لا نشعر معهم بالثقة". بعدها انتشر هاشتاغ #einarmlaenge الذي عبر فيه الكثير من الألمان عن سخريتهم وانتقادهم لهذه النصيحة.
صورة من: Reuters/W. Rattay
وجد المحافظون البافاريون في الاتحاد الاجتماعي المسيحي الذين ينتقدون سياسة الحكومة في مجال الهجرة، وسيلة لتعزيز حججهم. إذ قال الأمين العام للحزب أندريا شوير بعد أحداث كولونيا: "اذا كان طالبو لجوء أو لاجئون قد ارتكبوا هذه الاعتداءات فيجب إنهاء إقامتهم في ألمانيا فورا". وهو ما انتقدته الأحزاب المعارضة، متهمة إياه بالشعبوية وعدم احترام دولة القانون.
صورة من: picture-alliance/dpa
11 صورة1 | 11
تخوفات من تكرار الاعتداءات خلال الكرنفال
ومع ذلك فضبط النفس وتحمل المسؤولية الذاتية هي بالتأكيد من بين الأمور التي يتم أيضا الحديث عنها. فكلما كان اللباس طويلا، كلما كانت درجة الحذر أكبر. ورغم كل هذا الحذر الواجب، هناك أيضا حديث عن مخاطر الإرهاب، لكن الناس لا يريدون تقييد حرياتهم أمام تلك المخاطر. فكرنفال كولونيا لم يكن يوما آمنا بالكامل، وفي السنوات القليلة الماضية تغيرت أجواء الكرنفال بسبب تزايد أعداد زائريه.
خارج المحطة اقتادت مجموعة من رجال الشرطة أحد الشباب إلى سيارة الأمن، وهو ما علق عليه أحد الرجال الحاضرين قائلا: "انهم يتصرفون على نحو صحيح: اصطادوا الصياد". الاحاديث بين المارة، وداخل محلات بيع الكباب، والمحلات التجارية تدور حول الأجانب والهجرة والاندماج، وعن أسباب الحديث المتأخر عن اعتداءات رأس السنة في وسائل الإعلام الألمانية. فالاعتداءات الجنسية خلال رأس السنة الجديدة تشغل الآن بال الناس في كولونيا، وهو ما سيبقى عليه الوضع خلال فترة الكرنفال .