نشأة الكون – دراسة جديدة تُشكك في نظرية الانفجار العظيم
ندى فاروق
١٨ يونيو ٢٠٢٥
دراسة بريطانية جديدة تقترح أن الكون نشأ من انهيار جاذبي هائل داخل ثقب أسود، وليس من انفجار مفاجئ.
تدعم النظرية الجديدة فرضية نشوء الكون داخل ثقب أسود (رسمة توضيحية لثقب أسود)صورة من: NASA/JPL-Caltech
إعلان
في دراسة نُشرت في مجلة "فيزيكال ريفيو دي" (Physical Review D)، طرح فريق من جامعة بورتسموث فرضية جديدة وجريئة تُعرف باسم "كون الثقب الأسود"، تفيد بأن كوننا قد يكون موجودًا داخل ثقب أسود.
وتختلف هذه النظرية عن نظرية الانفجار العظيم التي تفترض أن الكون بدأ من نقطة ذات كثافة لا متناهية، حيث تشير الدراسة إلى أن الكون نشأ نتيجة انهيار جاذبي هائل أدى إلى تكوين ثقب أسود، ثم انضغطت المادة داخله بشدة قبل أن ترتد إلى الخارج كالزنبرك ، مما أدى إلى ولادة الكون كما نعرفه اليوم.
وبدلًا من أن يكون الكون قد خُلق من العدم، تقترح هذه النظرية أنه جزء من دورة كونية مستمرة من الانهيار والارتداد، ما يشكل تحديًا جوهريًا للنماذج التقليدية لولادة الكون.
اكتشاف ثقب أسود في مركز درب التبانة
01:27
This browser does not support the video element.
يشرح البروفيسور إنريكي غازتاناغا أن الجاذبية لا تؤدي بالضرورة إلى نقطة نهائية بكثافة لا متناهية، بل قد تؤدي إلى ارتداد مادي يُنتج كونًا جديدًا. ويؤكد أن "أفق الحدث" للثقب الأسود يمثل حدود كوننا، وهو ما يمنعنا من رؤية ما خلفه.
ويتميّز هذا النموذج بدمجه بين النسبية العامة وميكانيكا الكم، دون الحاجة إلى أبعاد إضافية أو نظريات فيزيائية غير مثبتة. وتفيد قوانين الكم بأن المادة لا يمكن ضغطها بلا نهاية، وهو ما يجعل الارتداد أمرًا حتميًا في ظروف معينة.
وقال البروفيسور إنريكي غازتاناغا في تصريح لقناة "GB News": "لسنا مميزين، ولا نعيش بداية كل شيء من العدم، بل نحن جزء مندورة كونية دائمة، تشكلها قوى الجاذبية وميكانيكا الكم وتفاعلهما العميق".
وقد أظهرت صور جديدة التقطها تلسكوب جيمس ويب الفضائي أن عددًا من المجرات الأولى تدور في اتجاه واحد أكثر من الاتجاه المعاكس، ما يشير إلى أن الكون ربما وُلد وهو يدور. ويدعم هذا الاكتشاف فرضية نشوء الكون داخل ثقب أسود.
ويعتقد علماء أن " علم كونيات الثقوب السوداء " قد يقدم أيضًا تفسيرًا لألغاز كبرى، مثل المادة المظلمة والثقوب السوداء العملاقة.
ما هو الثقب الأسود؟
02:23
This browser does not support the video element.
ما هي نظرية الانفجار العظيم؟
تفترض هذه النظرية أن الكون بدأ قبل نحو 14 مليار سنة من نقطة صغيرة شديدة الكثافة، ثم انفجرت وبدأ الكون في التمدد. في ذلك الوقت لم تكن هناك أرض ولا سماء، بل فقط طاقة وجسيمات أولية. وبمرور مئات الملايين من السنين ، بدأت النجوم والمجرات والكواكب، ومنها الأرض، في التشكل.النموذج الجديد يشرح كيف يمكن لسحابة من المادة، عند انهيارها، أن تصل إلى حالة كثافة عالية ثم "ترتد" إلى الخارج، مما يولّد كونًا جديدًا.
إعلان
لماذا تتعارض هذه الفكرة مع نظريات روجر بنروز؟
السبب هو "مبدأ الاستبعاد الكمومي"، الذي يمنع جسيمين متطابقين من نوع "الفرميونات" من شغل الحالة الكمومية نفسها. ووفقًا للدراسة، فإن هذا المبدأ يمنع ضغط المادة إلى ما لا نهاية، مما يؤدي إلى توقف الانهيار وحدوث ارتداد.
المذهل أن هذا الارتداد لا يتطلب نظريات غريبة، بل يحدث ضمن قوانين الفيزياء المعروفة. والأكثر إثارة أن هذا الارتداد يُنتج مرحلتين من التمدد المتسارع: مرحلة تشبه التضخم الكوني المبكر، وأخرى تُشبه تأثير الطاقة المظلمة – وكل ذلك نتيجة طبيعية للفيزياء الكمية والنسبية.
محاكاة الانفجار الكوني العظيم - مشروع رائد كشف العجائب
قبل 5 سنوات جرت في مختبر مصادم الهدرونات الكبير (LHC) لدى المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية محاكاة للانفجار العظيم. استخدمت في التجربة كاميرات عملاقة واكتشفت أشياء مثيرة، في مشروع مفتوح لكل الجامعات والمعاهد في العالم.
صورة من: picture-alliance/dpa/Illustris Collaboration
في نهاية مارس/ آذار 2010 أجرت المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية عملية محاكاة صغيرة للانفجار العظيم، بقيادة علماء فيزياء الجسيمات. كان هناك مناهضون لهذه العملية وحاولوا منعها بطرق قانونية. فقد كانوا يخشون أن تتسبب في نهاية العالم. لكنها أجريت في النهاية وأسفرت عن اكتشافات مثيرة.
صورة من: picture-alliance/dpa/Illustris Collaboration
وفي عام 2013، تم اكتشاف "بوزون هيغز"، وهو جسيم أولي يعتقد أنه المسؤول عن اكتساب المادة لكتلتها. كاميرا رقمية عملاقة، أطلق عليها اسم "أطلس" تمكنت من تصوير أصغر عناصر بناء الكون وأجزاء من نواة الذرة. وهنا رسم جداري للتجربة يبين مدى ضخامة "أطلس". أما الكاشف نفسه فهو أكبر حجما ويقع على عمق 90 مترا.
صورة من: DW/F.Schmidt
وعلى طول مختبر مصادم الهدرونات الكبير توجد أربع كاميرات كاشِفات. أسماؤها: "أليس"، و"أطلس"، و"سي ام اس"، و"ال اتش سي بي". ومن يريد مشاهدتها عليه أن يهبط إلى أعماق الصخور في الألب الفرنسية والسويسرية، ويجب أن يرتدي خوذة لحماية رأسه، فهناك تنتشر مواسير وتوصيلات، ويمكن أن يرتطم الرأس بها بسهولة، أو أن تسقط أي معدة من أعلى على الرأس.
صورة من: DW/F.Schmidt
هكذا تبدو الصور التي رصدت في التجارب عند تصادم البروتونات أو أيونات الرصاص مع بعضها بسرعة الضوء، مسببة إطلاق أصغر الجسيمات الأولية، بوزون هيغز، المكتشف حديثا. إنها جزيئات تكون منها الكون الذي نعيش فيه في أول جزء من مليار جزء من الثانية بعد الانفجار العظيم.
صورة من: 2011 CERN
في هذا الأنبوب تتسارع أيونات الرصاص وبروتونات الهيدروجين بطاقة قطار سريع، وتبقى في مسارها بفضل وحدات مغناطيس كهربية. الأنبوب يقع في أعماق أراضي سويسرا وفرنسا، ويبلغ محيطه 27 كيلومترا.
صورة من: DW/F.Schmidt
وحدات المغناطيس الكهربية، المذكورة تتكون من لفائف فائقة التوصيل، ويتم تبريد الكابلات إلى 271.3 درجة مئوية تحت الصفر، لذلك تختفي منها المقاومة الكهربائية تماما. ولأجل ذلك يحتاج مُسَرّع سير الجزيئات إلى الكثير من الهيليوم السائل، الذي يتدفق في المواسير. وبهذا فإن المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية هي الجهة التي لديها أكبر ثلاجة في العالم.
صورة من: DW/F.Schmidt
لكل كاشِف كما هنا في "أطلس" غرفة تحكم عن بعد بسبب الخطورة. وعندما يكون مُسَرّع الجزيئات في وضع عمل يجب ألا يبقى أحد في الوحدات تحت الأرض. إذ لو خرج شعاع بروتون عن السيطرة يمكنه إذابة 500 كيلوغرام من النحاس. وتسرب الهيليوم قد يسبب الاختناق والتجمد، كما أن شعاع الجسيمات يمكن أن تكون له أنشطة نووية.
صورة من: DW/F. Schmidt
ملايين البيانات في الثانية الواحدة تمدنا بها الكاشِفات الأربعة عن تصادم الجزيئات. ولأنه ليس بالضرورة أن تكون كل التصادمات مهمة بالنسبة للعلماء؛ توجد عملية تصفية للبيانات المهمة. وتخزن على أقراص مدمجة (سي دي)، وتوضع في البداية في مركز الحاسب الآلي لدى المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية.
صورة من: DW/F.Schmidt
تنتج المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية كل عام الكثير من البيانات تكفي لتشكيل كومة من الأقراص المدمجة، بارتفاع عشرين كيلومترا. ولا تستطيع أقسام المحفوظات "الأرشيف" حتى الآن الاحتفاظ بكل هذه البيانات، لذلك يتم توزيعها في جميع أنحاء العالم. وهناك أكثر من 200 من الجامعات ومعاهد الأبحاث قامت بتوصيل مراكز الحاسب الآلي لديها مع بيانات المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية، مكونة شبكة عالمية.
صورة من: DW/F.Schmidt
علماء فيزياء الجسيمات من كل أنحاء العالم مسموح لهم بالوصول إلى بيانات المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية. فالمنظمة تعتبر نفسها مقدم خدمات للجامعات والمعاهد التي تعمل في مجال البحوث الأساسية، كمشروع مشترك للبشرية جمعاء.