كشفت مئات الآلاف من الوثائق الأمريكية السرية، نشرت مساء الجمعة/ السبت (22/23 أكتوبر/تشرين الأول) على موقع "ويكيليكس" الإلكتروني بعضها يذكر بالتفصيل حالات بشعة من إساءة معاملة القوات العراقية لسجناء كانت الولايات المتحدة على علم بها ولكنها لم تجر تحقيقا فيها. وتشير الوثائق إلى أن الجيش الأمريكي في العراق كان يحتفظ بسجلات وإحصاءات حول عدد الضحايا المدنيين في العراق، بالرغم من إخفائه لهذه المعلومات طيلة سنوات الحرب في العراق، إضافة إلى علمه بتعرض سجناء على يد القوات العراقية لتجاوزات تضمنت القتل والتعذيب والاغتصاب. وتظهر الوثائق التي نشرها الموقع أن نحو 109 آلاف شخص قد قتلوا منذ بداية الحرب في العراق عام 2003.

هل تورط المالكي في إدارة فرق القتل والتعذيب؟

وأكدت قناة الجزيرة، التي قالت إنها اطلعت على الوثائق وقامت بتحليلها، أن "الملفات السرية التي حصل عليها موقع ويكيليكس تكشف أن القوات الأميركية كانت تحتفظ بتوثيق للقتلى والجرحى العراقيين, رغم إنكارها علنيا لكل ذلك". وقالت القناة القطرية إن "الوثائق تكشف عن وجود 285 ألف ضحية عموما بينهم 109 الأف قتيل على الأقل". وأضافت أن 63% من القتلى هم مدنيون. وأوضحت أن أخر الأرقام الصادرة عن الجيش الأميركي في نهاية تموز/يوليو 2010 تفيد أن نحو 77 ألف عراقي قتلوا بين كانون الثاني/يناير 2004 وأب/أغسطس 2008، وهي الفترة الأكثر دموية خلال سبع سنوات من الحرب. وتابعت "الجزيرة" ان "شهر ديسمبر/كانون الأول 2006 كان الأكثر دموية حيث قتل 5183 في ذلك الشهر وحده، وصنف 4000 منهم بأنهم مدنيون". وقالت إن وثائق ويكيليكس تشير أيضا إلى "تورط" رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي "في إدارة فرق للقتل والتعذيب". وتصور هذه الوثائق "وجها خفيا للمالكي وهو يقود فرقا عسكرية تنفذ أوامره في الاغتيالات والاعتقالات"

"عدد الضحايا ليس مفاجئاً"

من ناحيتها أكدت وزارة حقوق الإنسان العراقية اليوم السبت (23 أكتوبر/ تشرين الأول) لوكالة فرانس برس، أن الوثائق التي نشرها موقع "ويكيليكس" ليست غريبة على الوزارة، مضيفة أن أعداد الضحايا تقارب الأرقام التي نشرتها وزارة الصحة العراقية.

وأشارت الوزارة إلى أنها وثقت انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان وحالات من القتل العمد، من بينها حادثة "بلاك ووتر"، ومجزرة اغتيال العائلات في منطقة حديثة. وكان أفراد من شركة "بلاك ووتر" الأمنية الأمريكية قد أطلقوا النار على مدنيين عراقيين بمدينة بغداد عام 2007، مما أدى إلى مقتل 14 شخصاً على الأقل، أثناء قيامهم بمهمة لحساب وزارة الخارجية الأمريكية.

وبالإضافة إلى نشر إحصائيات حول ضحايا الحرب في العراق، تتطرق الوثائق السرية إلى عدة نواح من الحرب، مشيرة إلى أن حوالي 180 ألف شخص قد اعتقلوا لأسباب تتعلق بالحرب، معظمهم من المناطق السنية في العراق، إضافة إلى تورط قوات الأمن العراقية بعمليات تعذيب ممنهجة للسجناء، واشتباكات بين عناصر الجيش العراقي والشرطة العراقية، ما أدى إلى مقتل أفراد من الشرطة على يد تلك القوات.

إدانة أمريكية لتسريب الوثائق "المسروقة"

هذا وكانت عدة قنوات تلفزيونية وصحف عالمية، من بينها قناة الجزيرة الفضائية، قد حصلت مسبقاً على نسخة من هذه الوثائق قبل نشرها على شبكة الإنترنت، فيما أدانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) نشر هذه الوثائق، وطالبت بإزالتها فوراً من الموقع. وقال الميجور كريس بيرين، المتحدث باسم البنتاغون: "نحن ندين ويكيليكس لأنه يحثّ الأفراد على خرق القانون وتسريب وثائق سرية ثم نقل هذه المعلومات السرية بلا مبالاة إلى العالم، بما في ذلك أعدائنا". واتهم بيرين موقع "ويكيليكس" بتعريض حياة الجنود الأمريكيين وشركائهم في التحالف الدولي في العراق للخطر، وطالب بإعادة "المادة المسروقة" وإزالتها عن الموقع في أقرب وقت ممكن. لكن مؤسس موقع ويكيليكس المتخصص في نشر الوثائق السرية ، جوليان أسانج ، أعلن خلال مؤتمر صحفي اليوم السبت في العاصمة البريطانية لندن عن عزم موقعه نشر عشرات الآلاف من الوثائق العسكرية السرية حول حرب العراق. وقال أسانج في إن تلك الوثائق تقدم أدلة واضحة عن جرائم حرب، مؤكدا أنه تم صياغة تلك الوثائق تحريرا حتى لا تعرض أحدا للخطر.

حرب خفية مع إيران

وبالإضافة إلى فضح تفاصيل دقيقة للحرب التي تقودها الولايات المتحدة في العراق، كشف جزء من الوثائق السرية المنشورة حرباً خلف الكواليس تدور بين القوات الأمريكية وإيران في الأراضي العراقية، وخصوصاً فيما يتعلق بتزويد طهران لعدد من المليشيات الشيعية المسلحة في العراق بأسلحة تقليدية، واستخدام هذه المليشيات لقتل أو لخطف أمريكيين.

وكان موقع "ويكيليكس" قد نشر في شهر يوليو/ تموز الماضي حوالي 90 ألف وثيقة سرية، معظمها خاصة بالقوات الأمريكية، حول الحرب في أفغانستان. وتعتبر الوثائق حول الحرب في العراق، والتي يصل عددها إلى حوالي 400 ألف وثيقة، أكبر تسريب من نوعه في التاريخ لوثائق سرية لدولة ما.

(ي.أ/ د ب أ/ أ ف ب)

مراجعة: عبده جميل المخلافي