نشطاء: استقالة بوتفليقة وحكومة تصريف الأعمال تمديد للأزمة
محي الدين حسين
١ أبريل ٢٠١٩
لم تتوقف الاحتجاجات في الجزائر رغم محاولات الطبقة الحاكمة احتواءها. فبعد يوم من تعيينه لحكومة جديدة لتصريف الأعمال، تعهد الرئيس بوتفليقة بالاستقالة قبل انتهاء ولايته نهاية الشهر الجاري. فكيف ينظر النشطاء لهذه التطورات؟
إعلان
فيما تستمر الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة في الجزائر، والتي تطالب بإنهاء حكم الرئيس عبدالعزيز بو تفليقة ورموز نظامه، منذ 22 شباط/فبراير، تواصل السلطات الجزائرية محاولاتها لاحتواء غضب الشارع. ولعل آخر هذه المحاولات الإعلان عن نية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الاستقالة قبل انتهاء ولايته. وجاء الإعلان عن الاستقالة بعد يوم واحد من تعيينه حكومة جديدة لتصريف الأعمال، لأن أيّ رئيس مؤقت يأتي بعده لا يمكنه تعيين الحكومة.
استقالة بوتفليقة
الرئاسة الجزائرية أكدت أن بوتفليقة سيستقيل قبل انتهاء ولايته في الـ 28 من شهر نيسان/ أبريل الحالي. بيد أنها لم تحدد تاريخ الاستقالة مكتفية بأنه سيشرف على المرحلة الانتقالية. بيد أنه وبمجرد أن تدخل الاستقالة حيز التنفيذ سيتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة مؤقتا لمدة أقصاها 90 يوماً، تنظم خلالها انتخابات رئاسية لا يحق له الترشح فيها، طبقا للمادة 102 من الدستور الجزائري.
وقبيل الإعلان الرسمي للاستقالة، قال الحقوقي الجزائري البارز مصطفى بوشاشي لـ DW عربية إن استقالة بوتفليقة "لن تغير شيئاً". وأضاف أنّ "بوتفليقة انتهى منذ فترة وليس هو الحاكم الفعلي، بل المحيطون به هم الذين يديرون الأمور، ولذلك فإن استقالته لن تؤثر بشيء لأنه ترك حكومة قام بتعيينها تراعي مصالح المحيط الذي كان يدير البلد".
ويشغل عبدالقادر بن صالح، المقرب من بوتفليقة، منصب رئيس مجلس الأمة، وبذلك يعد حالياً الرجل الثاني في البلاد. ومع ترجيح صحيفة النهار الجزائرية أن يتم تعيين رئيس جديد لمجلس الأمة، يرى البعض أن ذلك قد يكون لتهيئة بن صالح لمنصب رئيس الجمهورية بعد الفترة الانتقالية، وهذا ما يرفضه بوشاشي، الرئيس الأسبق للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان.
ويقول بوشاشي: "الجزائريون والأحزاب والمجتمع المدني متفقون على ضرورة وجود مرحلة انتقالية لا يشارك فيها رئيس الحكومة الحالي ولا حتى الرئيس الحالي لمجلس الأمة. نريد فقط أن يرحلوا"، ويضيف: "يجب تطبيق المادة السابعة والثامنة من الدستور واللتين تعتبران الشعب مصدر السيادة".
رفض حكومة تصريف الأعمال
وتضم حكومة تصريف الأعمال برئاسة نورالدين بدوي 27 وزيراً، ستة منهم من الفريق الوزاري السابق. وبقي رئيس هيئة الأركان أحمد قايد صالح نائباً لوزير الدفاع، فيما احتفظ بوتفليقة بمنصب وزير الدفاع. وبعد الإعلان عن الحكومة تظاهر المئات في ساحة البريد المركزي، بالعاصمة الجزائر. وقال المحتجون إن الإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة والإبقاء على بدوي على رأسها، بمثابة ضرب لمطالب الشعب في عرض الحائط، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية.
ويرى مصطفى بوشاشي، أحد أبرز وجوه الحراك الشعبي في الجزائر، أن التغيير الحكومي الأخير "مجرد تمديد للأزمة في البلاد"، ويضيف في حديثه لـDW عربية: "عندما خرج الجزائريون إلى الشارع قالوا إنهم لا يريدون أن ترافقهم رموز النظام الفاسد في المرحلة الانتقالية".
وقد تزامن التغيير الحكومي في الجزائر مع إعلان سلطات الطيران الجزائرية منع كل الطائرات الخاصة من الإقلاع أو الهبوط في مطارات البلاد حتى نهاية الشهر الجاري، في خطوة تهدف إلى منع بعض الشخصيات البارزة من مغادرة البلاد. وقد أعلنت النيابة العامة بالجزائر العاصمة أنها فتحت تحقيقات "في قضايا فساد" وبأن وكيل الجمهورية أصدر أوامر بمنع "مجموعة من الأشخاص" من مغادرة الجزائر دون أن يتم ذكر أسماء الأشخاص المعنيين بهذا الإجراء.
انتقادات لرئيس الحكومة الجديد
ويقول بوشاشي: "رئيس الحكومة الحالي كان وزيراً للداخلية ودأب على تزوير الانتخابات في الفترات السابقة ولذلك فإن الجزائريين لا يثقون في حكومة يعينها النظام لإجراء انتخابات مقبلة"، مشيراً إلى أن إبقاء رموز النظام السابقين "ليس قراراً حكيماً ولن يؤدي إلى طمأنة الشارع الجزائري بأن النظام استجاب لمطالبهم السلمية".
وتعرب إيزابيلا فيرنفيلز، الخبيرة بالشؤون الجزائرية في معهد الاقتصاد والسياسة في برلين عن استغرابها لطريقة تشكيلة حكومة تصريف الأعمال. وتقول في حديث لـDW أنْ "يكون نائب وزير الدفاع وقائد الجيش هو نفس الشخص الذي يطالب بأن يتم إعلان الرئيس، الذي قام بتعيينه، كشخص غير قادر على الحكم، فهذه حالة غير طبيعية"، وتضيف: "هذا يقول الكثير فيما يتعلق بالوضع في الجزائر".
لكن لويزة دريس آيت حمادوش، أستاذة العلوم السياسية في جامعة الجزائر، تحذر من أن الجزائر تواجه خطر إعادة "القانونية والشرعية" للنظام القائم حالياً، حسبما نقلت عنها صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية. ويوافقها في الرأي الكاتب الجزائري كمال داود، الذي يرى بأن الجيش يناور ليحافظ المسؤولون الحاليون على سلطتهم، مضيفاً في حديث لمجلة نوفيل أوبزيرفاتور الفرنسية: "مشكلة الجزائر أنه ليس لدينا بوتفليقة واحد، بل 25".
أما عن إمكانية تكرار السيناريو المصري في الجزائر بأن يصبح رئيس الأركان الحالي أحمد قايد صالح رئيساً للجزائر، على غرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، يشدّد بوشاشي على أن الجزائريين "لن يقبلوا من أي طرف، حتى ولو كان الجيش، استغفالهم ومحاولة الالتفاف على مطالبهم".
لكن وفي حين يتم تداول الأنباء عن خلافات بين الجيش والرئاسة الجزائرية، فقد أثار إبقاء قايد صالح في منصبه كنائب لوزير الدفاع، استغراب المحتجين الذين خرجوا اليوم في الجزائر أيضاً، وهو ما قد يبقيسيناريوهات حل الأزمة الجزائرية مفتوحة.
محيي الدين حسين
في صور .. أبرز اللاعبين في المشهد السياسي الجزائري
بعد استقالة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، باتت العملية السياسية أكبر التحديات يواجه البلاد ونخبها السياسية والعسكرية. والسؤال الآن: ما هو البديل السياسي ومن هم اللاعبون البارزون والمرشحون المحتملون لرئاسة الجزائر؟
صورة من: picture-alliance/AP Photo/A. Belghoul
الجنرال أحمد قايد صالح
رجل الجزائر الأقوى كما يراه كثيرون هو الفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي منذ 2004، ونائب وزير الدفاع الوطني منذ عام 2013. شارك صالح في معارك التحرير وهو في السنة السابعة عشرة من عمره. تولى مناصب قيادية في جبهة التحرير منذ عام 1957. ويمثل امتداداً لنفس الخط السياسي الذي حكم الجزائر في الجمهورية الأولى عام 1962.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/A. Belghoul
رئيس مجلس الأمة
عبد القادر بن صالح (77 عاما)، رئيس مجلس الأمة منذ 17 عاما وسيتولى رئاسة الجزائر بموجب الدستور بعد استقالة بوتفليقة، لمدة أقصاها 90 يوما يتم خلالها انتخاب رئيس جديد.
صورة من: AFP/P. Kovarik
نور الدين بدوي
تولى وزير الداخلية السابق نورالدين بدوي، رئاسة حكومة تصريف الأعمال، في 11 مارس/ آذار إثر إعلان بوتفيلقة عدوله عن الترشح لولاية خامسة، وإرجاء الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى. وترفض معظم أحزاب المعارضة والشارع حكومة تصريف الأعمال لأن رئيسها بدوي مقرب جدا من النخبة الحاكمة. ولذلك من غير المرجح أن يترشح للمنافسة على الرئاسة.
صورة من: picture-alliance/dpa/B. Bensalem
مصطفى بوشاشي
المحامي والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي، من أبرز وجوه وزعامات الحراك الشعبي ويحظى بتأييد كبير بين المحتجين. ويصر على استمرار الاحتجاجات حتى بعد استقالة بوتفليقة إلى أن تتم الاستجابة لمطالب الشارع برحيل كل رموز النظام. ومن شأن ترحيبه بموقف الجيش طمأنه المؤسسة العسكرية. وبالتالي يمكن أن يحظى بدعم الشارع وتأييد الجيش له، وهو ما يجعله واحدا من أقوى المرشحين للرئاسة، هذا إذا قبل الترشح!
صورة من: DW/T.Bougaada
عبدالرزاق مقري
رئيس حركة مجتمع السلم ومرشحها للتنافس على انتخابات الرئاسة عبد الرزاق مقري. يعرض مبدأ الإطار التوافقي الوطني لحشد الجزائريين حول قوة تخرج ببلدهم من خانق الأزمة. من أشد رافضي الولاية الخامسة لبوتفليقة. حركة مجتمع السلم ليست جزءاً من خارطة السلطة الحاكمة وتعلن أنّ الشعب هو مصدر السلطة.
صورة من: Imago/Zuma/B. Bensalem
علي بن فليس
علي بن فليس هو جزء من النخبة السياسية الحاكمة، وكان رئيسا للحكومة فترتين بين عامي 1999 و2003، ثم تحول الى صف المعارضة بعد فضيحة تزوير الأصوات في انتخابات عام 2004. يترأس حزب طلائع الحريات وهو مرشحه الآن. أعلن بوضوح عن احتمالين في الانتخابات "الأول أن تكون فرصة عظيمة للذهاب إلى نظام ديمقراطي"، أما الاحتمال الثاني فهو "الغموض التام والذهاب نحو المجهول".
صورة من: Imago/Chahine Sebiaa
رشيد نكاز
رشيد نكاز هو مرشح مستقل، ويعد مرشح الشباب والتغيير ويرفض الانتساب لأي حزب. مثير للجدل وقد جرى إبعاده عن انتخابات عام 2014. كبر وتعلم في فرنسا، وقد فاجأ الجميع بإعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2011، ثم تخلى عن جنسيته الفرنسية وبات يروج من خلال صفحته على فيبسوك لبرنامجه الانتخابي في الجزائر الساعي إلى الحد من الهجرة غير القانونية إلى أوروبا. الصورة له وهو يتوسط الحراك الجزائري الجاري.
صورة من: Imago/Zuma/B. Bensalem
عبد المجيد تبون
جزء من النخبة السياسية الحاكمة، ويعد مرشحا توافقياً، وكان رئيس الحكومة قبل تولي أحمد أويحيى المنصب. خلال رئاسته للوزراء مطلع عام 2017، أعلن عن إصلاحات أراد منها الفصل بين السياسة والمال، في محاولة معلنة لمحاربة الفساد المستشري في البلد. لا يملك برنامجا انتخابياً واضحاً، لكنه متحالف بقوة مع الجنرال أحمد قايد صالح.
صورة من: Imago/PanoramiC
شكيب خليل
شكيب خليل من رجال النخبة السياسية التي كانت تدور في فلك بوتفليقة، تولى منصب وزير الطاقة ويشير البعض إلى صلته بمرحلة الرفاه الاقتصادي. وهو من أبرز وجوه فضيحة سوناطراك، وصدرت بحقه مذكرة توقيف دولية عام 2013، لكنّ علاقته الشخصية بالرئيس المستقيل بوتفليقة أنقذته. لا يملك أي برنامج انتخابي أو سياسي.
صورة من: Imago/Imagespic Agency
لويزه حنون
لويزة حنون هي المرأة الوحيدة التي رشحت للمشاركة في السباق على كرسي الرئاسة في الجمهورية "الثانية" المنتظرة بالجزائر. ترشحت عن حزب العمال المعارض، ثم انسحبت بعد إعلان حزب العمال يوم (الثاني من آذار/ مارس 2019) مقاطعته لانتخابات الرئاسة لعام 2019، ولكن هل سيتراجع الحزب عن قراره بعد استقالة بوتفليقة أم يستمر في المقاطعة وعدم المشاركة في الانتخابات؟
صورة من: Reuters
الجنرال المتقاعد علي غديري
أبن الجيش الجنرال المتقاعد علي غديري، طرده المتظاهرون بشارع ديدوش مراد بالعاصمة وظلوا يهتفون ضده بالفرنسية "ديغاج ديغاج" بمعنى "غادر". شغل منصب مدير الموارد البشرية في وزارة الدفاع لمدة 15 سنة، يعلن أنّ برنامجه الانتخابي هو"القطيعة مع ممارسات الماضي وإعلان جمهورية ثانية". ومن آرائه أنّ مشاكل الجزائر ليست اقتصادية وإنما سياسية بالأساس وسببها الفساد السياسي. (صورة من الأرشيف لوحدة من الجيش الجزائري)
صورة من: Reuters
شعب الجزائر قد يدفع بمرشح غير معلن
يبدو أن صوت الشعب الجزائري هو الأعلى في الميادين والشوارع، فهو ما برح يعلن اعتراضه واحتجاجه عبر مظاهرات كل جمعة، والسؤال هنا هو: من يقود قوة الشعب ومن سيحرز ثقته؟ وقد يُقرر شكل الحكم المقبل من خلال انتخاب شخص لم تسلط عليها الأضواء.