التقي الرئيسان الأمريكي والروسي في ألاسكا وسط تهديدات أمريكية بفرض مزيد من الرسوم الجمركية على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا. واشنطن تناقش أيضا استخدام أداة "العقوبات الثانوية".. فماهي طبيعة هذه العقوبات؟ وما فاعليتها؟
صورة من: Yuri Smityuk/TASS/dpa/picture alliance
إعلان
بعد أن شنت روسيا غزوًا واسعًا لأوكرانيا في فبراير 2022، فرضت عليها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى عقوبات اقتصادية قيّدت الشركات والأفراد المحليين في كيفية تجارتهم وأعمالهم مع روسيا. وكان الهدف من هذه العقوبات دفع روسيا لتغيير مسارها دون اللجوء إلى القوة العسكرية المباشرة.
منذ ذلك الحين، تراكمت العقوبات. فقد تم تجميد أصول روسيا في الخارج، وتم قطع معظم البنوك الروسية عن النظام المصرفي العالمي. وللحفاظ على اقتصادها، حولت روسيا تجارتها إلى دول مثل الصين والهند وتركيا والإمارات. ولتحريك نفطها حول العالم، لجأت إلى استخدام أسطول من "ناقلات الظل".
ما هي "العقوبات الثانوية"؟
لإنهاء هذه اللعبة الاقتصادية ودفع روسيا لدخول محادثات وقف إطلاق النار، يعمل مجلس الشيوخ الأمريكي على إقرار مشروع قانون مشترك بين الحزبين يهدد بفرض "عقوبات ثانوية" على الدول التي لا تزال تتعامل تجاريًا مع روسيا.
تُفرض العقوبات الأساسية على الدول أو الكيانات الأجنبية، لكنها تؤثر أيضًا على سلوك مواطني الدولة التي تفرضها وشركاتها، من خلال تقييد أو منع تعاملهم مع الأطراف الخاضعة لتلك العقوبات. أما العقوبات الثانوية، فهي تتجاوز حدود الدول الأخرى لتشمل الشركات والأفراد الذين يتعاملون تجاريًا مع هذه الجهات الخاضعة للعقوبات.
حرب أوكرانيا ـ 3 سنوات من الدمار والقتل والتشريد.. والنتيجة؟
مرّت ثلاث سنوات منذ شنّت روسيا هجومها الشامل على أوكرانيا، مما أسفر عن مقتل الآلاف وتشريد ملايين الأشخاص، بالإضافة إلى دمار واسع النطاق. واليوم، يساور الأوكرانيين القلق بشأن كيفية نهاية هذه الحرب.
صورة من: Serhii Chuzavkov/Avalon/Photoshot/picture alliance
تهديد متزايد
في أواخر 2021، أظهرت صور الأقمار الصناعية تجمع القوات الروسية والأسلحة الثقيلة بالقرب من بلدة يلنيا على حدود بيلاروسيا. وفي 11 نوفمبر من نفس العام، حذر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، الرئيس الروسي بوتن من غزو أوكرانيا. لكن رغم هذا التحذير، قرر بوتن في 24 فبراير 2022 شن غزو واسع النطاق لأوكرانيا
صورة من: Maxar Technologies/AFP
بداية الحربـ هجوم شامل
في 24 فبراير، سقطت صواريخ على عدد من المدن الأوكرانية، مثل كييف وأوديسا وخاركوف. في كييف، أُضرمت النيران في مبنى عسكري أثناء الهجمات. وبدأت الحرب التي أصرت موسكو على تسميتها "عملية خاصة"
صورة من: Efrem Lukatsky/AP Photo/picture alliance
العنف في بوتشا
في غضون أسابيع، تمكّن الأوكرانيون من طرد القوات الروسية من المدن الشمالية. وبعد ذلك، ظهرت جرائم الحرب إلى العلن، وانتشرت صور لمدنيين تعرضوا للتعذيب والقتل في بوتشا، قرب كييف. وأعلنت السلطات أن أكثر من 1100 مدني قُتلوا في المنطقة. وأظهرت تحقيقات استقضائية أن العنف كان ممنهجا ومخططاً.
صورة من: Serhii Nuzhnenko/AP Photo/picture alliance
الحياة وسط الدمار
وفقًا لموسكو، كان من المفترض أن تستمر "العملية الخاصة" في أوكرانيا لمدة ثلاثة أيام فقط. لكن بعد ثلاث سنوات، لا تزال الحرب مستمرة. وتشير أحدث التقارير الصادرة عن معهد دراسات الحرب إلى أن روسيا تسيطر حاليًا على حوالي 20% من الأراضي الأوكرانية، معظمها في الشرق. تم التقاط هذه الصورة في دونيتسك، شرق أوكرانيا، في مايو/أيار 2023.
صورة من: Sofiia Gatilova/REUTERS
ضم مناطق أوكرانية إلى روسيا
في سبتمبر/أيلول 2022، ضمت روسيا أربع مناطق أوكرانية — لوغانسك، ودونيتسك، وزابوروجيا، وخيرسون — بمساحة تقدر بحوالي 90,000 كيلومتر مربع. وبعد عام، إجراء انتخابات في هذه المناطق في تصويت وصف بـ "الانتهاك الصارخ للقانون الدولي". فاز حزب روسيا الموحدة بقيادة بوتين في جميع المناطق بأكثر من 70% من الأصوات.
صورة من: Alexander Ermochenko/REUTERS
فرار الملايين من الحرب
أجبرت الحرب في أوكرانيا الملايين على الفرار، مما أدى إلى موجة هجرة كبيرة لم تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وفقًا للأمم المتحدة، نزح 3.7 مليون شخص داخل أوكرانيا بسبب القتال. وغادر البلاد أكثر من 6 ملايين شخص أوكرانيا وتوجهوا إلى أوروبا، خاصة إلى بولندا وألمانيا.
صورة من: Filip Singer/EPA-EFE
ماريوبول، مدينة المقاومة الأوكرانية
في عام 2022، استمر حصار روسيا لمدينة ماريوبول الجنوبية لمدة 82 يومًا. تعرضت المدينة لقصف كثيف وتحصن آخر المقاتلين الأوكرانيين في مصنع للصلب. وبعد أن قصفت روسيا مستشفى، انتشرت صورة لامرأة حامل يتم إجلاؤها حول العالم. التقط صحفيون أوكرانيون الصورة، وفازوا لاحقًا بجائزة الأوسكار عن فيلمهم الوثائقي "20 يومًا في ماريوبول".
صورة من: Evgeniy Maloletka/AP/dpa/picture alliance
قصف طريق الاتصال الوحيد بشبه جزيرة القرم.
يُعد جسر القرم، الذي يمتد بطول 19 كيلومترًا (حوالي 12 ميلًا)، الأطول في أوروبا، ويربط جنوب روسيا بشبه جزيرة القرم. في أكتوبر\تشرين الأول 2022، تعرض الجسر لأضرار نتيجة قنبلة زرعها الأوكرانيون، مما جعله قابلاً للاستخدام جزئيًا. وفي يوليو/تموز2023، تعرض الجسر لأضرار أخرى بسبب القوات الأوكرانية.
صورة من: Alyona Popova/TASS/dpa/picture alliance
كارثة بيئية
في 6 يونيو/حزيران 2023، أدى انفجار إلى تدمير سد كاخوفكا وتفريغ نهر دنيبرو. وبينما تبادلت أوكرانيا وروسيا الاتهامات بشأن المسؤولية عن الحادث، كانت روسيا تسيطر على السد في ذلك الوقت. أسفر الفيضان الناتج عن الانفجار عن كارثة بيئية واسعة النطاق، دمرت آلاف المنازل وأدت إلى سقوط مئات القتلى.
صورة من: Libkos/AP Photo/picture alliance
استهداف البنية التحتية للطاقة
استهدفت روسيا بشكل منهجي البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا. بعد عام من الغزو، دُمرت 76% من محطات الطاقة الحرارية، وبحلول سبتمبر/أيلول 2024، ارتفع هذا الرقم إلى 95%. أدى ذلك إلى إضعاف شبكة الكهرباء في أوكرانيا، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي وتفاقم الوضع الإنساني، خصوصًا خلال فصل الشتاء.
صورة من: Sergey Bobok/AFP
أوكرانيا تهاجم الأراضي الروسية
في أغسطس/آب 2024، شنت القوات المسلحة الأوكرانية هجومًا على الأراضي الروسية لأول مرة. وفي مواجهة مقاومة ضئيلة على الحدود، تمكنت في البداية من السيطرة على نحو 1400 كيلومتر مربع (حوالي 540 ميلاً مربعاً) في منطقة كورسك. لكنها فقدت منذ ذلك الحين ثلثي الأراضي التي كانت قد احتلتها
صورة من: Roman Pilipey/AFP/Getty Images
حرب الدرون
تستخدم كل من روسيا وأوكرانيا الطائرات بدون طيار للاستطلاع والمراقبة، وكذلك لشن هجمات مستهدفة. ويقول الخبراء إن هناك حوالي 100 نوع مختلف من الطائرات بدون طيار قيد الاستخدام في أوكرانيا. وفي مارس/أذار 2024، قالت أوكرانيا إنها قادرة على تصنيع ما يصل إلى 4 ملايين طائرة بدون طيار سنويًا.
صورة من: Serhii Nuzhnenko/Radio Free Europe/Radio Liberty/REUTERS
تدمير هائل
خلفت ثلاث سنوات من الحرب آثارًا عميقة في أوكرانيا. في الشرق والجنوب، تحولت العديد من البلدات والقرى، التي دمرتها الهجمات الروسية، إلى مدن مهجورة. بلدة بوغوروديتشني في منطقة دونيتسك، التي تعرضت لهجوم مكثف من روسيا في يونيو/حزيران 2022، أصبحت الآن شبه خالية.
صورة من: Mykhaylo Palinchak/SOPA Images/ZUMA Press Wire/picture alliance
الحياة بعيدًا عن القتال
رغم استمرار الحرب، لا تقتصر كافة مناطق أوكرانيا على خط المواجهة، حيث تدور المعارك المباشرة. بعيدًا عن هذه المناطق، تستمر الحياة بشكل طبيعي. المحلات والمقاهي والمطاعم تواصل عملها، فيما يستعد السكان لانقطاع التيار الكهربائي بتركيب مولدات كهربائية.
صورة من: YURIY DYACHYSHYN/AFP
مستقبل مجهول للدعم الأمريكا
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحدث عن رغبته في إنهاء الحرب في أوكرانيا خلال "24 ساعة"، لكنه لم يحقق ذلك بعد. ومع ذلك، تثير علاقته الظاهرة مع روسيا ورغبته في الضغط على أوكرانيا للتنازل عن ثرواتها المعدنية لصالح الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تبادل التصريحات القوية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، القلق في أوكرانيا وبين حلفائها.
صورة من: Ukraine Presidency/ZUMA/picture alliance
15 صورة1 | 15
ورغم أن هذه الجهات الخارجية ليست ملزمة مباشرةً بقوانين الدولة التي تفرض العقوبات، إلا أنها تُجبر على الامتثال، وإلا ستواجه عواقب إذا أجرت أي تعامل تجاري مع الدولة التي فُرضت العقوبات.
ووفقًا لجون ف. فورر في ورقة بحثية نشرها المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن العاصمة، فإن "العقوبات الثانوية لا تهدف إلى إجبار الشركات الأجنبية على اتباع سياسات الدولة التي تفرض العقوبات، بل تهدف إلى منع شركات الدولة و/أو مواطنيها من التعامل تجاريًا مع الشركات أو الأفراد المدرجين في القائمة".
يسمح التشريع الأمريكي المقترح بفرض رسوم جمركية تصل إلى 500٪ على البضائع من أي دولة تقوم بشراء، أو بيع النفط، أو اليورانيوم، أو الغاز الطبيعي، أو البترول، أو المنتجات البتروكيماوية الروسية.
من يفرض "العقوبات الثانوية"؟
تُعدّ الولايات المتحدة أكبر مستخدم للعقوبات الثانوية، وتستمد قوتها من المكانة العالمية للدولار الأمريكي ومن الخوف من فقدان الوصول إلى السوق الأمريكية أو نظامها المالي. وبما أن جزءًا كبيرًا من التجارة الدولية يتم بالدولار أو يمر عبر النظام المصرفي الأمريكي، فإن هذا يمنحها نفوذًا كبيرًا. بالنسبة للعديد من الدول، تُعد المحافظة على هذه الآلية أهم من أي تعامل مع الأنظمة الخاضعة للعقوبات.
قالت لينا سورزكو هارنيد، المديرة المساعدة لمبادرة السياسات العامة في جامعة بن ستيت بيرند، لـ DW: "بينما يمكن أن تكون العقوبات الثانوية فعّالة كجزء من الحزمة الأكبر، فإن الهدف منها وتوقيتها ومصداقية التهديد مهمة للغاية." وأضافت هارنيد: "إنها أداة مهمة ذات قوة رمزية، ومع ذلك، مثل كل التهديدات، تفقد قوتها إذا لم يُنظر إليها على أنها ذات مصداقية أو إذا وُجدت ثغرات أخرى."
كيف استُخدمت "العقوبات الثانوية" سابقًا؟
استُخدمت العقوبات الثانوية من قبل إدارة أوباما لاستهداف البنوك والشركات الأخرى التي تتعامل مع إيران، في محاولة ناجحة لدفعها إلى التفاوض بشأن الحد من برنامجها النووي. ومؤخرًا، فرضت الولايات المتحدة عقوبات ثانوية على الشركات الصينية التي تتعامل مع كوريا الشمالية أو تُجري معاملات مالية معها.
العقوبات الثانوية تعني أن الولايات المتحدة تحاول فرض قوانينها وقيودها على شركات أو دول خارج حدودهاصورة من: Alexander Zemlianichenko/Tass/dpa/picture alliance
كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات ثانوية على الكيانات التي تتعامل تجاريًا مع فنزويلا، لا سيما في قطاعي النفط والمالية، في محاولة لعزل نظام نيكولاس مادورو. وفي أبريل الماضي، فرض الرئيس دونالد ترامب ثانوية على الدول المستوردة للنفط الفنزويلي. وفي هذا الشهر، أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 25% على الهند بسبب مشترياتها من النفط الروسي، متجاوزًا الكونغرس ومهددًا بفرض المزيد من العقوبات الثانوية على مشتري الطاقة الروسية.
إعلان
هل تعمل "العقوبات الثانوية" حقًا؟
ليست كل الدول خاضعة بسهولة للعقوبات الثانوية، ومع ذلك، تجد بعض الدول طرقًا مبتكرة لتجنب تأثيرها الاقتصادي الكبير. فهي تعتمد على عملات بديلة مثل اليوان الصيني أو العملات المشفرة، كما يمكن للشركات أو الدول الخاضعة للعقوبات المقايضة أو استخدام وسطاء أو شركات وهمية لإتمام الصفقات.
وبالإضافة إلى ذلك، تُعتبر العقوبات الثانوية صعبة التنفيذ وتحمل خطر الانتقام، كما أنها قد تدفع الدول المتفقة معًا إلى التقارب أكثر، مما يزيد ابتعادها عن النفوذ الأمريكي.
وعلاوة على ذلك، يثور جدل بين الأكاديميين والممارسين حول فاعلية العقوبات الثانوية، إذ يرى العديد من الخبراء أنها ليست أداة فعّالة في السياسة الخارجية، وفقًا لفورير، الأستاذ المشارك ومدير معهد المسؤولية الاجتماعية للشركات في كلية إدارة الأعمال بجامعة جورج واشنطن.
أشار فورير: "يرى كثير من الباحثين أن العقوبات الثانوية تجمع بين أسوأ خصائص العقوبات الاقتصادية، إضافة إلى العبء الإضافي المتمثل في احتمال إثارة صراعات جديدة مع الحلفاء والخصوم الذين يعارضون القيود والضغوط الاقتصادية على صناعاتهم ومواطنيهم".
"العقوبات الثانوية" ليست سوى خيار واحد
وفي النهاية، من الصعب تحديد ما الذي يجعل دولة ما تغير مسارها، خاصة مع وجود العديد من العوامل المختلفة التي يجب أخذها في الاعتبار.
واختتم فورر بالإشارة إلى أن "العقوبات الثانوية يجب النظر إليها كخيار ضمن تصميم العقوبات الاقتصادية، لكنها فعالة فقط في ظروف محددة للغاية". وأضاف: "ومثل أي عقوبة اقتصادية، فإن تطبيقها بطريقة خاطئة قد يؤدي إلى نتائج ضارة أكثر من منافعها".
من جهته، أكد هارند أن "عدم الاستفادة من العقوبات الثانوية ضد أطراف ثالثة يمثل إهدارًا لأداة محتملة الفائدة"، محذرًا في الوقت ذاته من أن "اعتبارها حلاً سحريًا يعد خطأ جسيمًا".