مرضى كورونا تحت رحمة أجهزة التنفس الاصطناعي بالدول العربية!
٤ يناير ٢٠٢١أثارت وفاة مريضين في مستشفى زفتىَ، وأربعة آخرين في مستشفى الحسينية في مصر؛ الرأي العام المصري والعربي، وذلك بعد ما أثير عن نقص أسطوانات الأوكسجين المستخدمة في غرف العناية المركزة لمرضى فيروس كورونا.
ورغم أن تحقيقات النيابة العامة نفت أن يكون سبب ما حدث في الحسينية هو نقص الأوكسجين، مع استمرار التحقيق في واقعة مستشفى زفتىَ، إلا أن هذه القضية جلبت إلى الساحة مرة أخرى إشكالية أجهزة التنفس الاصطناعي ونقصها في العالم العربي.
بيد أن نقص هذه الأجهزة، والتي يحتاجها مريض فيروس كورونا في المراحل الأخيرة من مرضه، لا يقتصر فقط على العالم العربي، فالولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، كان لديها منذ بدء الأزمة نحو 160 ألف جهاز فقط، حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، الأمر الذي شكّل قلقاً لدى الخبراء في البداية. ولكنها استطاعت تدارك الأمر، وزيادة إنتاجها من الأجهزة بما يفيض عن حاجتها، وهو ما يثير التساؤل حول الأسباب التي تعيق الدول العربية من أن تحذو حذوها، وتبدأ بتصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي.
عدم توفر إحصائيات واضحة جزء من المشكلة
لا تتوفر إحصائيات حول أعداد أجهزة التنفس الاصطناعي في جميع الدول العربية، ولكن تشير البيانات المنشورة من منظمة الصحة العالمية، إلى أن جنوب السودان على سبيل المثال لديه 4 أجهزة فقط، فيما نشرت وزارة الصحة المصرية أن هناك 4 آلاف جهاز، وفي الضفة الغربية 88 جهازاً فقط، بينما تتحدث حكومات عربية أخرى عن نقص حاد في توفر الأجهزة، دون أرقام واضحة.
ويرى استشاري النظم الصحية المصري، الدكتور أيمن سبع، في حديثه مع DW عربية، إن نقص المعطيات جزء من المشكلة، فالمبادرات التي تم طرحها لم ترَ النور، بسبب عدم توفر معلومات واضحة عن حجم نقص الأجهزة، وصعوبة تحديد حجم الاحتياج، ولم تعلن الدول في الوقت المناسب حاجتها لهذه الأجهزة، وبالتالي فإن عملية تطويرها وتصنيعها سوف تأخذ وقتاً طويلاً.
مضيفاً أن تطوير وتصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي عمل دقيق، ويعتمد على معايير يجب أن تتفق مع المواصفات الدولية المحددة، لأنها تتعامل مع حياة البشر، مشيراً إلى أن صناعتها في العالم العربي، ما قبل أزمة كورونا، لم يمثل بالضرورة فائدة اقتصادية كبيرة، خاصة مع عدم توفر التقنيين والخبراء اللازمين لذلك، ولهذا لم تتوجه الحكومات إلى الاستثمار في مجال تصنيعها.
أما بعد أزمة الفيروس التاجي فإن بعض الدول العربية؛ عكفت على تشجيع عملية تصنيعها محلياً، ففي الإمارات استطاعت مؤسسة "دبي للمستقبل" ابتكار جهاز مصنوع بشكل تام في الإمارات، وفي مصر أعلنت مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا والابتكار عن تصميم نموذج أولي منه، وفي الضفة الغربية تمكن فريق من جامعة القدس من تصنيع جهازيّ تنفس من مواد متوفرة، وتمت الموافقة عليه من قبل مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية التابعة لوزارة الاقتصاد الوطني، بينما قام مبادرون في دول عربية أخرى بصيانة الأجهزة التي لا تعمل، وبالتالي زيادة الأعداد دون تصنيع أو شراء أجهزة جديدة.
"تشغيل هذه الأجهزة هو المعيق"
المخاوف من نقص أعداد أجهزة التنفس هو جانب واحد فقط من هذه الأزمة، إذ أن نقص المشغلين المدربين قد يكون عائقا أيضاً أمام تقديم علاج أفضل للمرضى. ويذكر مهندس الأجهزة الطبية محمود صندوقة، وهو أحد المشاركين في مشروع جامعة القدس لتصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي، خلال لقاء مع DW عربية، أن قلة الأخصائيين القادرين على تشغيل هذه الأجهزة كان له الأثر الأكبر في قلة استخدامها.
ويعقب صندوقة قائلا "إن تخصص العناية المكثفة والتنفس، لا يدرّس عادة في الجامعات المحلية، ومتوفر في الجامعات العالمية فقط، ويحتاج إلى وقت طويل يمتد لأربع سنوات، بعد ست سنوات من دراسة الطب البشري".
ويوضح موقع "إن إس للأجهزة الطبية" أن عدم حصول الطواقم الطبية على تدريب كافٍ لاستخدام أجهزة التنفس، هو السبب الأساسي والجذري للعديد من مشاكل السلامة التي قد تمس المرضى، بما في ذلك عدم قدرتهم للتعامل مع الحالات الطارئة.
الأوكسجين النقي ليس متوفراً
تعتبر إشكالية توفير الأوكسجين للأجهزة، أحد العوامل التي يجب على الحكومات أخذها بعين الاعتبار، فعادة ما يتم إنتاجه وتوزيعه على الأجهزة، من خلال محطات خاصة بكل مستشفى، ويتم بها تكرير الهواء لإنتاج أوكسجين نقي بنسبة 95 في المئة، ويقول صندوقة إن هذه النسبة غير كافية لكثرة الحاجة للأوكسجين داخل الأقسام، ولهذا تتناقص فاعلية أوكسجين المحطات ليصل إلى 80 في المئة والذي يشكل خطراً على صحة المريض، فتضطر الجهات المسؤولة لاستخدام الأوكسجين السائل لكنه مكلف، وغير متوفر، وقابل للاحتراق.
من العوامل الأخرى التي يثيرها الخبراء، هو استخدام أجهزة التنفس في أقسام أخرى، مثل العناية المركزة للخدج وحديثي الولادة، أو قسم ما بعد العمليات الجراحية، أو في قسم العناية المركزة للقلب، وهو ما يزيد من الضغط على عمل أقسام العناية بمرضى كورونا.
خط الدفاع الأخير
الحاجة لأجهزة التنفس الاصطناعي هي آخر مراحل علاج فيروس كورونا، وبالتالي لا تمثل خط الدفاع الأول، حسبما يذكر استشاري النظم الصحية المصري، الدكتور أيمن سبع، مضيفا بأن الأولوية يجب أن تكون دائما للاستثمار في مكافحة العدوى والكشف المبكر عنها، وتوفير العلاج قبل تطور حالة المرضى.
ويتفق الخبيران، صندوقة وسبع، على أن توفير شبكة معلومات قوية وفعالة بين القطاع الخاص والمجتمع المدني فيما يتعلق بأعداد هذه الأجهزة وحالتها، سوف يساهم في تسهيل تسريع عملية سد العجز.
ويؤكد سبع أن الصيانة المستمرة مهمة، وكذلك التعاقد مع موردي الأجهزة والغازات الطبية بناء على الجودة، دون السماح بأي ممارسات احتكارية للسوق أو التضييق على عملها. وتوفير مجسات على مخزون الغازات الطبية "الأوكسجين"، لتمكين الموردين من معرفة أماكن النقص، واستباق الحاجة إن تطلب الأمر.
مرام سالم