بطولة الأمم الإفريقية لديها سحرها ووقعها خاص لدى عشاق الدائرة المستديرة في القارة السمراء. وهناك من نهائيات البطولة ما بقي خالدا في الذاكرة الجماعية الإفريقية.
إعلان
مساء الجمعة يسدل الستار على منافسات النسخة الثانية والثلاثين من بطولة كأس أمم إفريقيا والتي احتضنتها مصر. النهائي بين "أسود التيرانغا" و"محاربي الصحراء" سيدخل تاريخ البطولة لكنه لكن يكون الوحيد، فهناك ثلاث مباريات ظلت محفورة في ذاكرة الكرة الإفريقية بسبب أجواءها الاستثنائية. للمفارقة أن المنتخب المصري غاب عن النهائيات الثلاث رغم أنه وبسبعة ألقاب يحمل الرقم القياسي للقب القاري.
غانا-كوت دي فوار 1992 و"لعنة بودابو"
النسخة الثامنة عشر من هذه البطولة نظمتها السنغال، وشارك فيها آنذاك 12 منتخبا. عرفت هذه البطولة بلعنة "بودابو"، والطريف أن هذه التسمية اشتهرت بها إعلاميا بعد انتهاء البطولة. والسبب يعود إلى أن وزير الرياضة بكوت ديفوار ذهب قبيل انطلاق المنافسات إلى أحد رجالات السحر ويدعي "غباس بودابو" ليساعد المنتخب على الفوز باللقب، متعهدا بمنحه مكافأة كبيرة.
بعد ذلك كان طريق كوت ديفوار مثاليا: تصدر مجموعته في الدور الأول، ثم فاز على زامبيا في ربع النهائي (1-0)، ثم الكاميرون بـ3-1 في نصف النهائي. وبفضل ضربات الترجيح فازت كوت ديفوار على غانا لتفوز باللقب لأول مرة في تاريخها.
الطريف أن المشعوذ بودابو كان مقتنعا بأن له الفضل الكبير في هذا الإنجاز، غير أن مكافأته لم تصله، فقرر فضح الوزير عبر وسائل الإعلام، معلنا معاقبة "الفيلة" بحرمانهم من اللقب الإفريقي لمدة 20 عاما.
وصدق أو لا تصدق أن المنتخب الإيفوري لم ينجح في كسر اللعنة إلا في عام 2015. أي بعد انقضاء 22 عاما على لعنة "بودابو" وذلك على حساب غانا. قبل ذلك أخفق حتى الجيل الذهبي بقيادة نجمه الكبير ديديه دروغبا، فخسر أمام مصر في ضربات الترجيح عام 2006. وواجه ذات المصير في نسخة 2008 أمام الفراعنة مرة أخرى لكن في نصف النهائي.
نيجيريا-الكاميرون 2000
نظمت البطولة حينها في بلدين. وهما غانا ونيجيريا التي صعدت إلى النهائي فيما بعد. أقيم النهائي على ملعب العاصمة الغانية أكرا لكن ألوان منتخب "سوبر إيغلز" غطت المدرجات، ومع ذلك لم تنجح نيجيريا في رفع الكأس الإفريقية للمرة الثالثة، وإنما من قام بذلك هو منتخب الكاميرون الذي أنهى البطولة لصالحه بعد ركلات الترجيح (4-3)، فغرقت نيجيريا في بحر من الحزن.
تاريخ الكاميرون كتبه في تلك المباراة صاموئيل إيتو البالغ آنذاك 19 عاما، إلى جانب زميله باتريك لومبا. وبفضلها تقدمت الكاميرون بهدفين. لكن "سوبر إيغلز" بقيادة جاي جاي أوكاشا ورافائيل شوكفو كانا بحاجة إلى شبه فرصة فقط لتحويلها إلى أهداف، وهكذا استطاعت نيجيريا وسط أجواء دراماتيكية تعديل الكفة فانتهى التوقيت الأصلي بهدفين لكل من الفريقين. وبعد التمديد كانت ضربات الترجيح.
المغرب-تونس 2004
على عشب استاد 7 نوفمبر برادس واجه "نسور قرطاج" "أسود الأطلس". المنتخب المغربي كان المرشح على الورق لكن اللقب ذهب إلى نظيره التونسي. وكان الاتحاد التونسي قد راهن على المدرب روجيه لومير بينما تمثل الرهان المغربي في اسم من العيار الثقيل في تاريخ الكرة المغربية، ويتعلق الأمر بحارس مرمى العصر الذهبي ومنتخب مونديال الميكسيك 86، بادو زكي. زكي قدم منتخبا هجوميا رائعا، وأراد استعادة اللقب الذي غاب عن خزانة الأسود لنحو ثلاثة عقود.
وللمفارقة أنه في تلك البطولة فاز المنتخب المغربي بأربعة أهداف على بنين. وهو ذات المنتخب الذي أخرص الأسود في بطولة مصر 2019 وتسبب في خروجهم المذل من الدور ثمن النهائي عبر ركلات الترجيح.
مسلحا بعامل الأرض والجمهور دخل المنتخب التونسي "الديربي" المغاربي. المباراة أدارها السنغالي فالا ندويي، وغلب عليها الحذر الشديد من المنتخبين الجارين. لكن هدف السبق للبرازيلي المجنس دوس سانتوس صدم التشكيلة المغربية بقيادة نبيت فتداركت الموقف بسرعة عبر هدف التعادل من المختاري. غير أن زياد الجزيري قضى على الحلم المغربي، ليهدي تونس لقبها الأول على الإطلاق وللمدرب روجيه لومير لقبا استثنائيا جامعا بين لقب الأمم الإفريقية وبطولة الأمم الأوروبية مع منتخب بلاده في عام 2000.
و.ب
الجزائر تظفر بلقبها الأفريقي الثاني بجدارة.. رحلة الذهب في صور
كلل محاربو الصحراء مشوارهم في بطولة الأمم الأفريقية التي استضافتها مصر بالذهب. خطف الجزائريون العلامة الكاملة في الدور الأول، ثم تخطوا بجدارة كل من غينيا وكوت ديفوار ونيجيريا ليصلوا إلى المباراة النهائية مع السنغال.
صورة من: picture-alliance/AA/F. Batiche
مرشح من بين آخرين أقوياء
قبل انطلاق النسخة 32 من كأس أمم أفريقيا بمصر 2019، اتجهت الترشيحات بقوة إلى السنغال ومصر، كأقوى مرشحين للفوز بالبطولة، مع التأكيد على ترشيح ثلاثة منتخبات أخرى للفوز باللقب هي المغرب وتونس والكاميرون. وبالطبع هناك من تحدث أيضا عن فرص الجزائر في الفوز، مثلها مثل كوت ديفوار (ساحل العاج).
صورة من: picture-alliance/AP Photo/A. Schalit
"نحن هنا" بينما الآخرون يتراجعون
مع انطلاق البطولة في 21 يونيو/ حزيران ظهر منتخب مصر فريقا يعاني من مشاكل كثيرة. أما منتخب السنغال فكان بعيدا عن مستواه، وكذلك المغرب والكاميرون، في أولى المباريات. بينما لم تكن تونس مقنعة اطلاقا في دور المجموعات. وقع منتخب الجزائر في المجموعة الثالثة مع السنغال وتنزانيا وكينيا، وفاز في أولى مبارياته على كينيا ليقول محاربو الصحراء "نحن هنا".
صورة من: picture-alliance/Zuma/U. Pedersen
بلماضي يصنع منتخبين
بعد تجربة دامت نحو 8 سنوات في قطر عاد المدرب الجزائري جمال بلماضي (43 عاماً) لتدريب منتخب بلاده في أغسطس/ آب 2018. ويظهر دور بلماضي جليا عند المقارنة مع أداء الجزائر في البطولة السابقة بالغابون 2017 والتي أقصي منها من دور المجموعات بعد تعادلين وهزيمة. واستطاع المدرب الوطني أن يكون منتخبين للجزائر في آن واحد في مصر 2019، لاعبو أحدهما فوق أرض الملعب أما الآخر فلاعبوه على مقاعد البدلاء.
صورة من: picture-alliance/empics/R. Wilkisky
فريق العلامة الكاملة بحق
وعلى عكس بطولة الغابون، حققت الجزائر العلامة الكاملة في دور المجموعات فبعد الفوز على كينيا فازت على السنغال 1- صفر، ثم على تنزانيا 3-صفر، علما أن الفريق أدى أمام تنزانيا بـ9 لاعبين من البدلاء. ورغم أن مصر والمغرب حققتا أيضا العلامة الكاملة إلا أن الجزائر كانت الأكثر اقناعا في كل شيء: أداء ونتيجة.
صورة من: Reuters/A.A. Dalsh
ثلاثية جديدة في دور الـ16
حمل دور الـ16 مفاجآت غير سارة للفرق العربية فخرج المغرب أمام بنين بركلات الترجيح وخرجت مصر أمام جنوب أفريقيا بهدف في الوقت القاتل. وفي حين نجحت تونس في الفوز على غانا بركلات الترجيح، خطف منتخب الجزائر قلوب كل المتابعين عندما فاز بجدارة على غينيا 3- صفر.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/A. Schalit
صعود دراماتيكي إلى نصف النهائي
في دور ربع النهائي واجهت الجزائر كوت ديفوار، وتقدمت بهدف فيغولي في الدقيقة 20. وفي الدقيقة 48 أهدر بغداد بونجاح (الصورة) ركلة جزاء كانت كفيلة بـ"قتل المباراة". وتعادل كوت ديفوار في الدقيقة 61، ليعود بونجاح ويهدر فرصة هدف آخر، ويبكي بحرقة، وهو على مقاعد البدلاء، لكن فريقه يتغلب في النهاية بركلات الترجيح لينهمر اللاعبون والمدرب بالبكاء من الفرح. ويصرح بلماضي أن فريقه "لن يفرط في التتويج باللقب".
صورة من: Reuters/S. Salem
محرز يخطف التأهل في آخر ثانية
في نصف النهائي تقابلت الجزائر مع نيجيريا. هنا أيضا تقدمت الجزائر بهدف في الشوط الأول وتعادلت نيجيريا في الشوط الثاني. ومن كثرة المجهود البدني بدا أن لاعبي الفريقين يفضلون الذهاب للوقت الإضافي. غير أن الجزائر حصلت على ركلة حرة قرب منطقة جزاء نيجيريا سددها النجم رياض محرز باقتدار في مرمى الحارس النيجري ليعلن الحكم بعدها انتهاء المباراة وصعود محاربي الصحراء للنهائي للقاء السنغال التي فازت على تونس.
صورة من: Getty Images/AFP/J. Soriano
بونجاح يهدي بلده اللقب بهدف غريب
وسط حضور جماهيري جزائري كبير بإستاد القاهرة مساء الجمعة (19 يوليو/ تموز 2019) كررت الجزائر انتصارها على السنغال، بهدف وحيد أيضا، سجله بغداد بونجاح في الدقيقة الثانية من المباراة. سدد مهاجم السد القطري كرة عند حدود منطقة الجزاء فارتطمت بقدم المدافع ساليو سيس وبدلت اتجاهها لتخدع الحارس ألفريد جوميز وتسكن شباكه. وضغط السنغاليون لتعديل النتيجة لكن بدون فعالية، لتحرز الجزائر لقبها الثاني بعد 1990.
صورة من: Reuters/S. Salem
المتألق بن ناصر يلحق بماجر في القائمة الذهبية
واختير حارس الجزائر رايس مبولحي أفضل حارس بالبطولة، كما فاز زميله إسماعيل بن ناصر بجائزة أفضل لاعب لتقديمه أداء رائعاً خلال البطولة، حيث صنع ثلاثة أهداف لزملائه، آخرها الهدف الذي سجله بونجاح في النهائي أمام السنغال.
وبذلك يصبح إسماعيل بن ناصر، لاعب إيمبولي الإيطالي، ثاني جزائري يفوز بتلك الجائزة على مدار تاريخ كأس الأمم الأفريقية بعد مواطنه رابح ماجر الذي أحرز اللقب عام 1990. إعداد: صلاح شرارة