هجرة نجوم "الأخضر" نحو الخليج تغضب الجمهور الجزائري
١٤ أغسطس ٢٠١١كانت عقود كل من عنتر يحيى الذي انضم لنادي النصر السعودي، ومراد مغني اللاعب الجديد لأم صلال القطري ونذير بلحاج مدافع السد القطري، وكريم زياني إلى الجيش القطري، وصخرة الدفاع الجزائري مجيد بوقرة الذي أنضم مؤخرا للخويا القطري، بمثابة الصدمة بالنسبة لبعض معجبي هؤلاء النجوم الذين كانوا يشعرون بالفخر بانجازات نجومهم عندما كانوا يلعبون في أندية أوروبية مرموقة. ولم تفلح حجج وتبريرات هؤلاء اللاعبين لخياراتهم، والتي تنوعت بين عدم حصولهم على عروض مغرية من جانب الأندية الأوروبية، أو وعدم رغبتهم في البقاء في تلك الأندية التي يلعبون فيها، في تهدئة غضب جمهورهم. من جانبه هدد مدرب المنتخب الجزائري الجديد البوسني وحيد حليلوزيتش هؤلاء اللاعبين بالطرد إذا لم يحافظوا على مستواهم البدني والفني.
دويتشه فيله اقتربت من بعض عشاق الساحرة المستديرة في الشارع الجزائري، وقامت باستطلاع آرائهم ومواقفهم حول ما أصبح يصطلح عليه "موسم هجرة اللاعبين الجزائريين نحو الخليج".
"المصلحة الشخصية وغياب المسؤولية"
أعتبر عبد الحليم (24 سنة) والمشجع الوفي لفريق مولودية الجزائرMCA، أن هجرة أبرز نجوم المنتخب الوطني إلى الخليج "زلزالا ضرب الأركان الأساسية للمنتخب الوطني الذي علقنا عليه آمالا كبيرة للعودة من بعيد إلى حظيرة الكبار إفريقيا وعالميا، وفرضوا على المدرب الجديد القيام برحلة استكشاف من جديد لتكوين الفريق". ويضيف صاحب المحل التجاري ببرج الكيفان أن من رحلوا إلى الخليج حكموا على مشوارهم الرياضي بالموت في تلك البطولات الضعيفة المستوى، وهو ما سينعكس ـ في رأيه ـ سلبا على أداءهم في المنتخب الوطني الذي ما زالت أمامه حظوظ ضعيفة للتأهل لكأس أمم إفريقيا".
من ناحيته يرى جمال (32 سنة) المهندس في شركة وطنية، اختيار لاعبي المنتخب الوجهة الخليجية "دليلا قاطعا على عدم إدراك هؤلاء المسؤولية الملقاة على عاتقهم" في المنتخب الوطني الذي سيلعب بعد أيام مباراته الحاسمة أمام تانزانيا "وجعلوا همهم الأول والأخير العائد المادي الكبير".
أما إسماعيل (20 سنة) الطالب الجامعي بكلية الحقوق، فقد كان أكثر راديكالية في موقفه من هؤلاء اللاعبين وطالبهم بإعادة الأموال التي أخذوها من خزينة الشعب الجزائري، وناشد رئيس الفيدرالية الجزائرية لكرة القدم، محمد روراوة، بطرد كل لاعب لا يضع مصلحة المنتخب الوطني فوق مصالحه الشخصية، وأضاف إسماعيل لدويتشه فيله "إن هؤلاء الأشخاص يتلاعبون بمشاعر 35 مليون جزائري الذين ووضعوا كل ثقتهم فيهم، لكنهم لم ينالوا منهم إلا الهزائم المهينة".
"أنفلونزا الخليج" والهروب إلى الأمام
ووصف عيسى (25 سنة) ما أسماها بـ"الموضة الجديدة" التي يتبعها بعض لاعبي المنتخب الوطني بـ"أنفلونزا الخليج"، ويضيف قائلا "بعدما كنا نتابع اللاعبين الجزائريين في أقوى البطولات الأوروبية ونسمي الفرق بأسماء الذين ينشطون بها افتخارا واعتزازا، صرنا مجبرين على متابعة بطولة قطر والسعودية الضعيفتين الخاليتين من المتعة والتشويق، إذا ظل هؤلاء بالفريق الوطني، لمعرفة مستواهم".
ومن إفرازات هجرة هؤلاء النجوم نحو الخليج، يقول كمال بدرون صاحب محل لبيع الألبسة الرياضية بساحة الشهداء بأن الكساد أصاب الألبسة التي تحمل أرقام هؤلاء اللاعبين. ويضيف لدويتشه فيله "أصبح زبائننا يرفضون شراء قمصان زملاء كريم زياني بعدما كانت قمصانهم الأكثر مبيعاً، حيث يرفض حتى الأطفال لبس قمصان هؤلاء اللاعبين، وهو ما ألحق بنا خسائر معتبرة، وركود عام لألبسة المنتخب الجزائري خاصة بعد هزيمة المغرب".
هذا، واختلفت التقديرات للأسباب الحقيقية التي دفعت من كانوا يوصفون بنجوم المنتخب الجزائري للتحول إلى بطولات الخليج. ففي تقدير عبد الحليم، السبب الرئيسي لانتقال هؤلاء لأندية الخليج العربي هو المال والاستقرار وقتا أطول قبل الانعزال عن ميادين كرة القدم، حيث لم "يستطيعوا أن يصمدوا أمام إغراءات شيوخ الأندية القطرية والسعودية الذين يدفعون بسخاء كبير، في المقابل ليسوا مطالبين بمستوى أداء معين، وهي موضة ليست خاصة بالجزائريين فقط".
أما إسماعيل فيرى أن اللاعبين المغتربين منذ البداية إمكانياتهم محدودة، ولم تكن لهم أي مكانة متميزة في الأندية الأوروبية التي لعبوا فيها، لذلك فإنهم ـ في رأيه ـ لم يضيفوا شيئا للفريق، بل المنتخب أثرى مشوارهم ومكنهم من المشاركة في نهائيات كأس العالم بجنوب إفريقيا التي صنعت نجوميتهم، خاصة بعد ما حدث في القاهرة وأم درمان مع الفريق المصري، وهذا ما تأكد الآن ـ يضيف إسماعيل ـ حيث فقد أغلب هؤلاء اللعب بشكل منتظم في التشكيلة الأساسية لفرقهم. ويعتقد إسماعيل "إنهم يفرون من الضغوط الممارسة عليهم في أوروبا إلى واحات الخليج، حيث المال والراحة".
حرية شخصية والأداء هو المعيار
لكن عيسى لديه رأي آخر، إذ يقول مهما يكن السبب الحقيقي لما أقدم عليه هؤلاء اللاعبون فهذه "حرية شخصية لا يمكن لأحد مهما كانت مسؤولياته التدخل فيها، غير أنه يجب أن يفهم هؤلاء أنهم فقدوا مكانتهم في صفوف المنتخب وفي قلوب ملايين الجزائريين، وما على الناخب الجديد سوى البحث عن عناصر أخرى لإعادة بعث دماء جديدة في الفريق، ويا حبذا أن تكون من العناصر المحلية النشطة في البطولة الوطنية".
أما سمير لتون، الصحفي الرياضي في يومية الأحداث، فيرى أن السبب الحقيقي لهذه الانتقالات هو المستوى المحدود الذي ظهروا به في البطولات الأوروبية خلال الموسم الماضي، وهو ما جعل أنديتهم تفكر في كل الطرق للتخلص منهم، ولم تقدم الفرق الأوروبية الأخرى على مغامرة التعاقد معهم بمبالغ محترمة، حسب لتون. ويضيف الصحفي الجزائري لدويتشه فيله أن المشكلة "ليست مرتبطة بجغرافية المكان الذي يلعب فيه هؤلاء بقدر ما هي مرتبطة بالأداء البدني والفني، وهو المعيار الوحيد في البقاء أو مغادرة الفريق الوطني، حسب تصريحات المدرب مؤخرا". ويتعقد لتون أن هؤلاء اللاعبين عانوا كثيرا في فرقهم الأوروبية لسبب أو آخر، ومن أجل ذلك "أرى ضرورة إعطائهم الفرصة لمواصلة المشوار الذي بدؤوه، وعدم التنكر للمجهودات التي قدموها خلال السنوات الماضية".
توفيق بوقاعدة ـ الجزائر
مراجعة: عبده جميل المخلافي