هدوء حذر في العاصمة الليبية بعد أسوأ معارك منذ عامين
٢٨ أغسطس ٢٠٢٢
يسود هدوء مصحوب بالحذر العاصمة الليبية طرابلس بعد يوم من أسوأ مواجهات مسلحة هناك منذ عامين أسفر عن مقتل وجرح العشرات، وذلك في غياب مؤشرات بشأن أي تحرك لتسوية الخلافات بين الأطراف المتصارعة.
إعلان
عادت الحياة إلى طبيعتها في العاصمة الليبية صباح اليوم الأحد (28 أغسطس/ آب 2022) رغم أجواء الحذر والقلق بسب المواجهات التي اندلعت ليل الجمعة/ السبت، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 32 شخصا وإصابة 159 آخرين فيما أخفقت القوات المتحالفة مع إدارة يدعمها البرلمان في طرد الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرا لها.
وازدحمت الطرق في المدينة بالسيارات، وفتحت المتاجر أبوابها وأزال الناس الزجاج المحطم وأنقاض أخرى خلفتها أعمال العنف التي وقعت أمس السبت، فيما تناثرت سيارات محترقة في بعض الشوارع في وسط طرابلس.
وأثار القتال مخاوف من اندلاع صراع أوسع في ليبيا بسبب المواجهة السياسية بين رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة في طرابلس وفتحي باشاغا الذي يسعى لتنصيب حكومة جديدة في العاصمة. وهذه هي ثاني محاولة من جانب باشاغا للسيطرة على طرابلس منذ مايو/ أيار الماضي. وذكرت شركات طيران في ساعة مبكرة من صباح اليوم الأحد أن الرحلات تعمل بشكل طبيعي في مطار معيتيقة في طرابلس، في مؤشر على استقرار الوضع الأمني في الوقت الحالي.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى إنهاء فوري للعنف وإلى حوار حقيقي لتجاوز المأزق السياسي في ليبيا. ويُظهر فشل باشاغا في الإطاحة بالدبيبة أنه على الرغم من فترة إعادة الاصطفاف بين الفصائل المسلحة في العاصمة وحولها، ما زال بإمكان حكومة طرابلس الاعتماد على تحالف عسكري قادر على التصدي لأعدائها.
وبدا أن عدة جماعات متحالفة مع باشاغا في طرابلس فقدت السيطرة على أراض داخل العاصمة أمس السبت في حين باءت محاولات القوات غربي وجنوبي المدينة للتقدم إليها بالفشل. وعاود رتل عسكري كبير أدراجه قبل أن يصل إلى العاصمة، بعد أن انطلق من مصراتة شرقي طرابلس حيث يقيم باشاغا منذ أسابيع.
وقال أسامة الجويلي، القائد الكبير في القوات المتحالفة مع باشاغا، إن القتال يوم السبت اندلع بسبب الاحتكاك بين الجماعات المسلحة في العاصمة. لكنه أضاف في تصريحات لقناة الأحرار التلفزيونية أن محاولة استقدام حكومة بتكليف من البرلمان "ليست جريمة". ويبدو أن الأزمة السياسية الشاملة في ليبيا حول السيطرة على الحكومة لم تتغير إلى حد كبير بمحاولة باشاغا أمس السبت تولي السلطة في طرابلس.
ولا يوجد ما يشير إلى أي تحرك نحو تسوية بين المعسكرين الرئيسيين أو إلى وجود جهود دبلوماسية جديدة للجمع بينهما من أجل الدفع مجددا نحو إجراء انتخابات وطنية لحل الخلاف حول السيطرة على الحكومة. وبينما فشلت القوات المتحالفة مع باشاغا في تنصيبه أمس السبت، فإنها ما زالت تحتفظ بمواقع مؤثرة حول العاصمة، في حين تبدو قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر متأهبة.
ومنعت إدارة الدبيبة، التي أقيمت في العاصمة كجزء من عملية سلام بقيادة الأمم المتحدة بعد انتهاء آخر معركة كبرى في عام 2020، باشاغا حتى الآن من تولي منصبه هناك. وتم تعيين باشاغا من قبل البرلمان الليبي الذي يتخذ من شرق ليبيا مقرا له في وقت سابق هذا العام ويدعمه القائد العسكري القوي في الشرق خليفة حفتر.
في البداية، استبعد وزير الداخلية السابق استخدام العنف للاستيلاء على السلطة في طرابلس، لكن وزير الداخلية السابق هدد أخيراً باستخدام القوة لتحقيق ذلك. ودعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى "الوقف الفوري للأعمال العدائية" معربة عن "عن قلقها العميق إزاء الاشتباكات المسلحة المستمرة، بما في ذلك القصف العشوائي بالأسلحة المتوسطة والثقيلة في الأحياء المأهولة بالسكان المدنيين في طرابلس".
ويتفاقم الانقسام في ليبيا مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس انبثقت عن اتفاق سياسي قبل عام ونصف العام يرأسها عبد الحميد الدبيبة. أما الحكومة الثانية فهي برئاسة فتحي باشاغا عيّنها البرلمان في شباط / فبراير ومنحها ثقته في آذار/ مارس وتتّخذ من سرت (وسط) مقرّاً موقتاً لها بعدما مُنعت من دخول طرابلس رغم محاولتها ذلك.
ح.ز/ ع.غ (أ.ف.ب / د.ب.أ)
توق الليبيين إلى السلام.. طريق طويل من المؤتمرات والعنف
منذ اندلاع الاحتجاجات ضد نظام معمر القذافي في مطلع عام 2011 تعيش ليبيا في دوامة من العنف والاضطراب وعدم الاستقرار السياسي. فيما يلي أبرز محطات الصراع ومحاولات إرساء سلام يتفلت من بين أيدي الليبين مرة تلو الأخرى.
صورة من: picture alliance/dpa
تستضيف العاصمة الألمانية برلين الأربعاء (23 حزيران/يونيو 2021) جولة جديدة من محادثات السلام الليبية. ستركز المحادثات على التحضير لانتخابات وطنية مقررة في 24 كانون الأول/ديسمبر وسحب الجنود الأجانب والمرتزقة من ليبيا، ومسألة تشكيل قوات أمنية موحدة. واستضافت برلين برعاية الأمم المتحدة في 19 كانون الثاني/ يناير 2020 مؤتمرا حول ليبيا شارك فيه طرفا النزاع إلى جانب رؤساء روسيا وتركيا وفرنسا ومصر.
صورة من: Getty Images
في شباط/فبراير من عام 2011 اندلعت في بنغازي ومن ثم في مناطق أخرى تظاهرات جوبهت بعنف من قبل نظام معمر القذافي، الذي حكم البلاد منذ عام 1969 بقبضة من حديد. شن تحالف بقيادة واشنطن وباريس ولندن هجمات على مقار قوات القذافي، بعد حصوله على ضوء أخضر من الأمم المتحدة. ثم انتقلت قيادة العملية الى حلف شمال الأطلسي. ولقي القذافي مصرعه في 20 تشرين الأول/أكتوبر بالقرب من مسقط رأسه في سرت.
صورة من: dapd
غرقت ليبيا في دوامة من العنف والاضطرابات السياسية لم يفلح المجلس الوطني الانتقالي، الذي تشكل في الأيام الأولى للثورة برئاسة مصطفى عبد الجليل كبديل للنظام، في وضع حد لها. وفي يوليو/ تموز 2012 انتخب برلمان تسلم سلطاته بعد شهر من المجلس الوطني الانتقالي. تشكلت حكومة برئاسة علي زيدان في تشرين الأول/أكتوبر، بيد أنها سقطت بعد حجب الثقة عنها في آذار/مارس 2014.
صورة من: Picture-Alliance/dpa
تعرضت السفارتان الأميركية في أيلول/سبتمبر 2012 والفرنسية في نيسان/أبريل 2013 لهجومين تسبب الأول بمقتل أربعة أميركيين بينهم السفير كريستوفر ستيفنز والثاني بإصابة حارسين فرنسيين، فأغلقت غالبية السفارات الأجنبية أبوابها وغادرت طواقمها البلاد.
صورة من: Reuters
في أيار/مايو 2014، أعلن اللواء المتقاعد خليفة حفتر بدء عملية "الكرامة" ضد جماعات إسلامية مسلحة في شرق ليبيا. وانضم ضباط من المنطقة الشرقية إلى صفوف "الجيش الوطني الليبي" الذي شكله حفتر. في حزيران/يونيو 2014، تم انتخاب برلمان جديد جاءت أغلبيته مناوئة للإسلاميين الذين قاطعوه.
صورة من: Reuters
في نهاية آب/ أغسطس 2014 وبعد أسابيع من المعارك الدامية، سيطر ائتلاف "فجر ليبيا" الذي ضم العديد من الفصائل المسلحة بينها جماعات إسلامية، على العاصمة طرابلس وأعاد إحياء "المؤتمر الوطني العام"، البرلمان المنتهية ولايته. وتم تشكيل حكومة. وأصبح في ليبيا برلمانان وحكومتان.
صورة من: Getty Images/AFP/M. Turkia
في كانون الأول/ ديسمبر 2015 وبعد مفاوضات استمرت أشهراً، وقع ممثلون للمجتمع المدني ونواب ليبيون في الصخيرات بالمغرب، اتفاقاً برعاية الأمم المتحدة، وأُعلنت حكومة الوفاق الوطني. لكن لم تنل هذه الحكومة قط ثقة البرلمان في الشرق المدعوم من خليفة حفتر، ولم تتمكن من فرض سلطتها على القوى السياسية والعسكرية في البلاد.
صورة من: picture-alliance/AA/Jalal Morchidi
في السنوات التالية تنازعت سلطتان الحكم في ليبيا: في الغرب حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ طرابلس مقرا لها وتحظى باعتراف الأمم المتحدة، وسلطة موازية في شرقي البلاد بقيادة خليفة حفتر. جمع اجتماعان في باريس في عامي 2017 و2018 حفتر والسراج في محاولة للوصول إلى تسوية وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، بيد أنه لم يتم الالتزام بما اتفق عليه ومضت الحرب في طحن البلاد.
صورة من: picture-alliance/C. Liewig
في مطلع 2019، بدأت قوات حفتر بغزو الجنوب بدعم من القبائل المحلية، فسيطرت بلا معارك على سبها والشرارة، أحد أكبر الحقول النفطية في البلاد. ومن ثم تقدمت باتجاه طرابلس، حيث جوبهت بمقاومة عنيفة من القوات الموالية لحكومة الوفاق التي شنت بعد عام تقريباً هجوماً معاكساً وحققت تقدماً، لكن في حزيران/ يونيو 2020 هدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ب"التدخل" العسكري في ليبيا في حال تقدم قوات الوفاق نحو سرت.
صورة من: Reuters
بعد فشل متكرر لإخراج ليبيا من الفوضى، أفضى حوار ليبي رعته الأمم المتحدة في جنيف في الخامس من شباط/فبراير 2021 إلى توقيع اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار "بمفعول فوري". ومن ثم جرى الاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي وحكومة موحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، نالت ثقة البرلمان في آذار/ مارس. ومهمة حكومة الدبيبة السير بالبلاد نحو تنظيم الانتخابات. وبذلك عاد الأمل المفقود باحتمال تحسن الوضع. إعداد: خالد سلامة