هكذا تتم عمليات تهريب اللاجئين من اليونان لألمانيا!
٢٣ نوفمبر ٢٠١٩
رغم التشديدات الأمنية على الحدود الشرقية للقارة الأوروبية، لا يزال تهريب اللاجئين إليها عبر اليونان مستمراً. مراسلو مهاجر نيوز كانوا في العاصمة اليونانية أثينا لمتابعة الموضوع.
إعلان
استغرق الأمر ساعة تقريباً للتعرف على أماكن يمكن أن نلتقي فيها بمهربي اللاجئين. قادنا البحث الأولي إلى ميدان أومونويا، أحد أقدم مناطق التسوق وأكثرها ازدحاماً وسط العاصمة اليونانية أثينا. يقع الميدان عند تقاطع ستة شوارع رئيسية، تربط بينها أزقة ضيقة. تضم المنطقة الواقعة قبالة الجزء الشمالي الغربي من الميدان مئات المتاجر والمحلات الصغيرة، أغلبها لمهاجرين آسيويين. الأرصفة هنا غير مرتبة، إذ تُعرض عليها البضائع التي تكاد تمتد إلى الشارع. الناس هنا يتحدثون ويصيحون باللغة الهندية أو البنغالية أو العربية. يشعر المرء للحظة أنه من الصعب التصديق أنه مازال في أوروبا! بعد خمس دقائق في السوق تذكرنا أننا هنا في مهمة صحفية.
إنها الظهيرة والأعمال التجارية في أوج نشاطها. قررنا أن نتناول الغداء مبكراً في مطعم باكستاني. الطاولة التي وراءنا كان يجلس عليها باكستانيان قالا لنا إنهما وصلا للتو إلى أثينا، وأضافا: "الآن نخطط أن نواصل الطريق إلى ألمانيا أو فرنسا أو إيطاليا بمساعدة المهربين". في البداية يبدو أن هدفهما بعيد المنال، لكن بعض المحادثات الإضافية في المطعم وفي الشارع دفعتنا للتقصي أكثر. أخبرنا بعض الباكستانيين الذين كانوا يبيعون السجائر في الشارع عن مقهى يعتبر بمثابة ملتقى بين المهربين والمهاجرين. أحدهم حذرنا من كشف هوياتنا إن أردنا أن نلتقي المهربين وقال: "يمكن أن يشكل ذلك خطراً عليكم".
أكثر من مجرد مقهى!
بعد عشر دقائق وصلنا إلى المقهى. كان يبدو كأي مقهى آخر في المنطقة، لكن الرجال الثلاثة الذين كانوا يجلسون في الخارج كانوا فضوليين بشكل غير عادي، وسألونا عن هوياتنا وعمّا نفعله هنا.
بعد محادثة استغرقت 20 دقيقة، قلت إن زميلي -الذي تظاهر بأنه مهاجر- يبحث عن طريقة للوصول إلى ألمانيا. فقال رجل منهم: "لا يزال الناس يُنقلون بانتظام إلى فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا"، وأضاف: "في السابق كانت مجموعات كبيرة تحاول عبور الحدود عبر طرق العبور الرئيسية. لكن هذه الطرق مغلقة الآن وهناك الكثير من الدوريات حولها"، وتابع: "الآن يأخذ المهربون مجموعات أصغر من 3 إلى 4 أشخاص ويعبرون معهم الحدود عبر الغابات ليلاً وفي المناطق التي لا توجد فيها دوريات". وأكد الرجل أن "الحدود ليست مغلقة بالكامل، فلا يمكنهم وضع الشرطة في كل مكان"، مشيراً إلى أن "الرحلة" تكلف ما بين 3 آلاف إلى 5 آلاف يورو.
وقال رجل آخر: "يمكنك الذهاب عبر طريق الجو أو سيراً على الأقدام، وهذا يعتمد على مدى استعدادك لإنفاق الأموال"، مشيراً إلى أننا سنجد الكثير من الأشخاص المستعدين لـ "تقديم المساعدة بالسعر المناسب".
كان يبدو أن الرجال الثلاثة الذين يتحدثون معنا ذوي خبرة، إذ قدموا لنا معلومات كافية لنبقى مهتمين، دون أن يعطونا تفاصيل دقيقة. وعندما طلبنا التواصل مع أحد المهربين مباشرة، اتصل أحدهم بمن قال إنه مدير المقهى. ظهر شاب وسأل عن المستندات التي بحوزة زميلي "المهاجر"، وقال: "تعال الليلة الساعة التاسعة مساء وأحضر معك جميع الوثائق التي لديك، لنوضح لك التكلفة والطريق والشخص الذي سيأخذك معه". كان المقهى بالفعل يقدم أكثر من القهوة والشاي!
أصحاب المتاجر هم الضامنون!
بعد الظهر قررنا زيارة حديقة "فيكتوريا بارك" في المدينة، والتي يسميها السكان المحليون "الحديقة الأفغانية". اسم الحديقة معروف على وسائل الإعلام ويرتبط بالعديد من الجرائم مثل استغلال القاصرين في الدعارة وتعاطي المخدرات. كما أن المهاجرين يفترشون العشب في الحديقة وينامون فيها.
رأينا عشرات من المهاجرين الأفغان، وبعد الدردشة مع عدد منهم، أخبرَنا أحدهم عن ثلاثة محلات تجمع المهربين والمهاجرين. وادّعى الرجل أنه أرسل أربعة من أفراد عائلته إلى ألمانيا بمساعدة المهربين، وقال: "يوجد محل لصرف العملات خلف هذا الشارع مباشرة، حيث يمكن للمرء لقاء المهربين"، وأضاف: "يعمل صاحب المحل كوسيط". وأوضح الرجل أن الصفقة تتم في المتجر حيث يدفع المهاجر المبلغ المتفق عليه لصاحب المحل، والذي يقوم بتسليم الأموال للمهرب عندما يصل المهاجر إلى وجهته النهائية، مشيراً إلى أن التكلفة "تتراوح ما بين 3 آلاف و5 آلاف يورو". كما أخبرنا الرجل أنه إذا تم توقيف المهاجر في المطار أثناء محاولته الخروج من اليونان، فلا يتعين عليه وقتها دفع التكاليف، بل يتحمل المهربون الخسارة، موضحاً أن أصحاب المتاجر يعملون كضامنين.
ثم شرح لنا الرجل طريقة عمل المهربين، وقال: "يمتلك أصحاب المحلات والمهربون وثائق للمواطنين اليونانيين بالإضافة إلى وثائق للسياح، وبمجرد أن يأتي إليهم زبون، يحاولون العثور على جواز سفر أو بطاقة هوية لشخص يشبه الزبون"، وتابع: "في بعض الأحيان يعملون على تغيير مظهر المهاجر قليلاً ليجعلوه يبدو وكأنه الشخص صاحب الجواز الذي يستخدمه للوصول إلى بلده الأوروبي المفضل".
"تواصل سهل وتحدّ صعب"
ما أدهشنا كان سهولة التواصل مع المهربين والمتورطين في عمليات تهريب البشر، التي مازالت تشكل تحدياً كبيراً للاتحاد الأوروبي. وجدنا كصحفيين أنه من السهل على أي شخص الوصول إلى المهربين في مدن مثل أثينا التي تعتبر مركزاً للمهاجرين.
وهذا ما يشكل تحدياً للسلطات الأمنية في الدول الأوروبية، والتي يبدو أنها ستحتاج وقتاً طويلا لمعالجة هذه المشكلة.
ذكريات ومعاناة.. رحلة إلى ألمانيا يرويها لاجئ بصوره
فرّ الشاب السوري هشام المعضماني، البالغ من العمر 24 عاماً، من بلدته داريا بعد مجزرة نفذها النظام السوري عام 2012. رحلة اللجوء إلى ألمانيا استغرقت إجمالاً ثلاث سنوات، إلا أنه وثق مسار رحلته داخل أوروبا بصور أرسلها إلى DW.
صورة من: Hesham Moadamani
البداية
"رحلتي بدأت بطائرة من الأردن إلى اسطنبول التركية. في الأردن بقيت عامين كاملين أنتظر الفرصة وأوفر المال للسفر. لم أستطع الحصول على جواز سفر إلا بالرشوة. قبلها كنت قد دخلت الأردن، ولكن السلطات أعادتني إلى سوريا رغم الحرب والقتل، والتي بقيت فيها شهراً حتى تمكنت من دخول الأردن مرة أخرى عن طريق أحد المعارف".
صورة من: Hesham Moadamani
المجازفة بالحياة للوصول إلى أوروبا
"الخطة الخطيرة وشبه المستحيلة التي اقترحها صديق عليّ: "توفير ثمن التهريب والسباحة إلى اليونان". أردنا السباحة مسافة كيلومترين إلى جزيرة مهجورة والاستراحة فيها 15 دقيقة، ومنها كيلومتراً واحداً للجزيرة الثانية والاستراحة، وبعدها ثلاثة كيلومترات لجزيرة كيوس".
صورة من: Google/Hesham Moadamani
استعدادات لمواجهة المجهول
"اشتريت سترة نجاة وزعانف وضوء ليزر وبعض الطعام، وعدنا ننتظر حلول الليل للانطلاق. كان الماء بارداً للغاية، وعند وصولنا للجزيرة الأولى، حامت الطيور فوق رؤوسنا ظناً أننا جثث. شعرت بخوف شديد وقررت الانطلاق فوراً للجزيرة الثانية، التي تبين أنها صخرة صعبة التسلق، فأكملت وسط تيارات قوية وأمواج عاتية، إلى أن شعرت بالإرهاق الشديد، فأشرت لإحدى السفن، التي اتصلت بخفر السواحل اليوناني لينقذني".
صورة من: Hesham Moadamani
كنا محظوظين...
"علمت فيما بعد أن شباناً آخرين حاولوا نهج نفس خطتنا والسباحة إلى جزيرة كيوس، ولكنهم ضلوا الطريق في البحر وبقوا عائمين ست ساعات كاملة، قبل أن ينقذهم خفر السواحل التركي ويعيدهم إلى تركيا".
صورة من: Hesham Moadamani
سجلوني في اليونان
"بعد وصولي إلى اليونان، تم اقتيادي إلى مركز للشرطة، ومنه إلى مخيم لاستقبال اللاجئين، حيث مكثت يومين. بعدها تم تصويري وأخذت بصماتي، ومُنحت لي وثيقة (في الصورة) تعطيني الحق في البقاء باليونان لمدة ستة شهور، أطالب بعدها بمغادرة البلاد أو طلب اللجوء فيه. ولكنني – مثل جميع السوريين – حزمت أمتعتي وانطلقت إلى الشمال بعد يوم واحد من حصولي على الوثيقة".
صورة من: Hesham Moadamani
موسم الهجرة إلى الشمال
"على متن عبّارة متجهة إلى العاصمة اليونانية أثينا من جزيرة كيوس. الرحلة تستغرق عشر ساعات. من أثينا ستبدأ المعاناة الحقيقية، التي ستنتهي في ألمانيا".
صورة من: Hesham Moadamani
يورو واحد!
"عندما وصلنا إلى الحدود بين اليونان ومقدونيا، لم يُسمح لنا بالحجز على قطار أو حافلة، ما اضطرنا للمشي 25 ساعة كاملة بين الغابات وفي ظل خطر قطاع الطرق الذين يسلبون اللاجئين حتى صربيا. بعد الـ25 ساعة صادفنا قطاراً محملاً باللاجئين، وعندما أبدينا دهشتنا، قالوا لنا إنهم دفعوا يورو واحد إضافي لموظف المحطة (رشوة) كي يحجز لهم تذكرة!
صورة من: Hesham Moadamani
جسر الحياة أو الموت
"عبور هذا الجسر في اليونان مسألة حياة أو موت، ذلك أنه ضيق ولا يتسع إلا لقطار واحد دون ممر للمشاة على جانبيه. تعبره القطارات كل 20 دقيقة. لذلك كان من الضروري عبور هذا الجسر (المبني على ارتفاع شاهق فوق نهر) بسرعة فائقة. عبرناه ركضاً".
صورة من: Hesham Moadamani
استراحة لاجئ
"في الطريق من اليونان إلى مقدونيا، أصبحنا ثمانية أشخاص. كنا نمشي أربع ساعات ونرتاح ربع ساعة. في هذه الصورة ترى صديقي (أبو جمال) وهو يرتاح بجانب السكة الحديدية، التي اتخذناها معلماً لتحديد وجهتنا، بجانب جهاز الملاحة (جي بي إس).
صورة من: Hesham Moadamani
طريق طويل وشاق
"مشهد من الطريق بين اليونان ومقدونيا ... رحلة قضينا فيها 25 ساعة سيراً على الأقدام ووسط مخاطر وأهوال".
صورة من: Hesham Moadamani
في مواجهة الجيش
"بعد مسيرة طويلة على خط للسكة الحديدية، وصلنا قرب الحدود المقدونية الصربية، وهناك ركبنا سيارة أجرة نقلتنا إلى المعبر الحدودي. لم يُسمح لنا باجتياز المعبر إلى صربيا، فقررنا الانتظار حتى أرخى الليل سدوله، وقمنا باجتياز الحدود سراً. فوجئنا بتواجد الجيش الصربي في المنطقة، فاختبأنا وتسللنا على مدى خمس ساعات حتى وصلنا إلى محطة قطار في إحدى القرى الصربية".
صورة من: Hesham Moadamani
بلغراد ثم بودابست
"عقب وصولنا إلى القرية الصربية بعد مسيرة ست ساعات، قمنا بحجز تذكرة إلى العاصمة بلغراد ومنها استكملنا الطريق. لكن عندما وصل قطارنا إلى المحطة، فوجئنا بالشرطة توقفنا وتمنعنا من الصعود بدون وثيقة تسجيل لاجئين. لذلك فاتنا القطار. لكن الشرطة وجهتنا إلى قطار آخر (في الصورة) حثتنا على المبيت فيه حتى موعد انطلاقه إلى بلغراد في الثالثة صباحاً".
صورة من: Hesham Moadamani
الخطوات الأخيرة نحو الأمان
"وصلت إلى العاصمة الهنغارية بودابست لوحدي، بعد أن انفصلت عن بقية المجموعة. استأجرت غرفة في أحد الفنادق وبدأت في البحث عن مطعم أو مقهى بغرض الاتصال بشبكة الإنترنت والبحث عن سيارة تنقلني من بودابست إلى وجهتي الأخير – ألمانيا. في مساء اليوم الذي التقطت فيه هذه الصورة، عثرت على سيارة نقلتنا من المجر إلى النمسا ومنها وصلنا إلى ألمانيا في الثانية من صباح اليوم التالي".
صورة من: Hesham Moadamani
مشاعر متناقضة
"كنت أحياناً أحس أنني سائح في بودابست، وفي نفس الوقت كنت متحمساً لوصولي إلى هنغاريا، وهي المحطة قبل الأخيرة في الطريق إلى ألمانيا. مشاعر مختلطة وخوف من المجهول كان ينتابني".
صورة من: Hesham Moadamani
"سوريون؟ أهلا بكم في ألمانيا"
"في ألمانيا، أوقفتنا الشرطة على الطريق السريع. كنا 12 ( شخصاً والسائق) في سيارة كبيرة. على الفور تم اعتقال السائق، وبعدها سألنا رجال الشرطة: هل أنتم سوريون؟ وعندما أجبنا بنعم، قالوا لنا: أهلاً بكم في ألمانيا. شعرت بالسعادة تغمرني وتفيض من داخلي". (صورة من الأرشيف)