1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"هكذا عشت اللحظات الأولى لتوحيد ألمانيا وكيف تبدو اليوم"

٣ أكتوبر ٢٠٢٠

رغم مرور 30 سنة على إعادة توحيد ألمانيا فإن الفروق ومستويات الدخل ما تزال قائمة بين الشرق والغرب. ورغم التباين فإن مستوى المعيشة في الشرق تضاعف أكثر من مرة. ما خلفية الفروق من خلال معايشة شخصية للوحدة منذ أيامها الأولى؟

Berlin Mauer Jahrestag NEUES FORMAT
صورة من: AP

عندما فُتحت الحدود بين شطري برلين في عام 1989 كنت أسكن وأدرس في الشطر الشرقي من المدينة. أتذكر يومها أننا كنت في الطريق إلى مكتبة جامعة الهومبولدت التي تبعد مئات الأمتار عن بوابة براندنبورغ للحصول على بعض المراجع من أجل أطروحتي للدكتوراه في السياسات الاقتصادية. وعندما وصلت إلى جوار المكتبة كانت طوابير الناس التي تنتظر للدخول إلى برلين الغربية قد تجاوزتها.

بدا الناس الذين وقفوا بالآلاف في الطوابير لساعات طويلة، سعداء ومرحين ومتفائلين. وفي بهو المكتبة تحدثت مع بعض الزملاء الذين أبدت غالبيتهم التفاؤل بإعادة توحيد شطري ألمانيا والحصول على المارك الغربي والرفاهية وحرية السفر واكتشاف العالم الذي كان محظوراً عليهم باستثناء دول المعسكر الشيوعي آنذاك. هكذا عايشت اللحظات الأولى لبدء مرحلة إعادة توحيد ألمانيا. 

الفروق في مستوى الأجور

ومع بدء  إعادة توحيد شطري ألمانيا  في عام 1990 توجب علي إعادة النظر في القسم الأكبر من أطروحتي بسبب تغيير المناهج الدراسية الاقتصادية في الشرق. كانت فترة صعبة بالنسبة لي، غير أنها من أكثر فترات حياتي إثارة وثراء معرفي كونها أتاحت لي التعرف على النظامين الاشتراكي والرأسمالي بأم العين وفي مدينة يطيب العيش فيها للطلاب والباحثين. ومن هذا المنظور اعتبر نفسي من المحظوظين في تلك الفترة.

وبعد إعادة التوحيد ارتفع سقف آمال الشرقيين بتحويل شرق ألمانيا الاشتراكي سابقاً إلى "مناطق مزدهرة" لا تقل تطوراً وحداثة عن نظيرها الغربية كما وعد بذلك "مستشار الوحدة" الراحل هيلموت كول. ومنذ ذلك الحين تم إنجاز الكثير وبشكل يفوق بكثير ما تم إنجازه في أي بلد من بلدان الكتلة الشيوعية السابقة.

وعلى سبيل المثال تم تحديث البنية التحتية هناك بمبالغ تصل إلى 300 مليار يورو. وبفضل ذلك أضحت الطرق السريعة والسكك الحديدية ومرافق عامة أخرى أحدث من نظيرها الغربية. كما تم تحديث الجامعات والمرافق التعليمية ومراكز البحث وتحديث قطاع السكن ودعم نشوء مؤسسات وشركات صغيرة ومتوسطة من مختلف القطاعات بعشرات المليارات الأخرى. وهو الأمر الذي أدى إلى تحسين مستوى المعيشة وخاصة في صفوف الشباب.

بالمقابل بقيت الشريحة الأكبر من كبار السن معتمدة على الدعم والتعويضات الاجتماعية والتقاعد المبكر لأن عملية إعادة تأهيلها لم تساعد إلى دخولها سوق العمل لأسباب المتعددة. وتم تقدير  التكاليف السنوية لإعادة التوحيد  حتى عام 2015 بنحو 100 مليار يورو سنوياً، ذهب القسم الأكبر منها للدعم الاجتماعي على أصعدة في مقدمتها تعويضات البطالة والتقاعد.

حقائق: شرق ألمانيا وغربها

01:26

This browser does not support the video element.

لكن على الرغم من الكثير الذي تحقق، فإن متوسط مستوى دخل الفرد في شرق ألمانيا ما يزال بحدود 33 ألف مقابل 43 ألف يورو في غرب البلاد. وما تزال أجور نفس العمل أعلى في غرب البلاد. فعلى سبيل المثال يبلغ متوسط دخل المهندس في الغرب نحو 60 ألف يورو مقابل نحو 46 ألف يورو لزميل له في الغرب يقوم بالمهام نفسها.

وتعكس هذه الفروق حقيقة أن مستوى الإنتاجية في الشرق ما يزال أقل من نظيره في الغرب بنسبة تزيد على 25 بالمائة. وبالمجمل لم تفلح أي ولاية شرقية حتى الآن في الوصول إلى مستوى التطور الحاصل في الولايات الغربية، فما هي خلفيات ذلك يا تُرى؟

إعادة التوحيد لم تكن متكافئة

من المعروف أن إعادة التوحيد لم تقم على أساس مفاوضات يتم من خلالها تأسيس دولة بقوانين وأنظمة جديدة تأخذ بعين الاعتبار متطلبات مرحلة انتقالية يتم من خلالها تدعيم أسس التكافؤ الاقتصادي بين الطرفين المعنيين. فالذي حصل هو أن المفاوضات أفضت إلى موافقة النخبة الشرقية الحاكمة آنذاك على عملية دخول أو دمج طوعية سريعة ومباشرة لشرق البلاد في غربها دون تعديلات على دستور وقوانين وتشريعات ألمانيا الغربية.

وهكذا يمكن الحديث عن  عملية ضم للشطر الشرقي إلى الشطر الغربي. وهو الأمر الذي أعطى لحكومة المستشار كول شيكاً على بياض لتفكيك ألمانيا الشرقية وإرثها الشيوعي. وإذا كان هذا التفكيك أثمر عن تعددية سياسية وحريات وليبرالية اقتصادية، فإن تبعاته كانت مدمرة على  الشركات والمؤسسات الاقتصادية والخدمية التي كانت كلها مملوكة للدولة الشرقية.

سيارة ترابي المصنوعة في المانيا الشرقية سابقاصورة من: picture-alliance/dpa/W. Kumm

ومن أسباب هذه التبعات غياب المرحلة الانتقالية اللازمة لتصحيح أوضاع الشركات الجيدة وخصخصتها بشكل يضمن استمرارها وحقوق العاملين فيها. وقد شهدت بأم العين على سبيل المثال كيف حلت سلاسل المتاجر الغربية مكان الشرقية بين عشية وضحاها. كما شهدت كيف اختفت المنتجات الشرقية من السوق بنفس السرعة، لأن سلاسل المتاجر الغربية لم تعتمدها لإملاء رفوفها التي غصت بمنتجات غربية من كل حدب وصوب. وهو الأمر الذي أدى إلى إفلاس المصانع والمزارع التي تنتجها أو تبيعها بأسعار بخسة، لاسيما وأنها لم تتمكن من الحصول على الاستشارة والقروض والدعم اللازم لإنقاذها قبل فوات الأوان.

وما زلت إلى يومنا هذا  أتذكر مع أصدقاء لي أحاديثنا عن اختفاء عشرات المنتجات من الألبان واللحوم والمشروبات والسلع المنزلية التي نتشوق لها.

بيع المصانع وإغلاقها بدل إصلاحها

كما أتذكر جيداً كيف تمت عملية خصخصة أو إغلاق وبيع أو تقليص عمل مئات المصانع الشرقية والعقارات التي كانت ملكاً للدولة بأسعار بخسة عن طريق مؤسسة "ترويهاند THA" التي تم إنشائها من أجل هذه العملية.

وكان من بينها مصانع تصدّر منتجاتها إلى عشرات البلدان في مختلف أنحاء العالم بما فيها ألمانيا الغربية نفسها. ومن بينها على سبيل المثال مصنع "كارل تسايس يينا" لصناعة الأنظمة البصرية والتقنيات الطبية والفضائية. وهناك مصانع الكابلات وأشباه الموصلات في فرانكفورت على نهر الأودر وبرلين ومصانع المفروشات في دريسدن وبناء السفن في روستوك.

أحد المصانع المهجورة من أرث ألمانيا الشرقية السابقةصورة من: picture-alliance/ZB

في "كارل تسايس" حيث عملتُ مع صديق لي لم يعد من المعمل سوى جزء يضم أقل من 3 آلاف عامل. أما مصانع المفروشات الشهيرة فاختفت. ونفس الشيء حصل في روستوك ومدن بناء السفن في شمال شرق ألمانيا.

وقد روى زميل لي عمل في مصنع لبناء الآلات بالقرب من برلين كيف تم بيع المصنع ومحيطه بمبلغ مارك واحد على أساس قيام المشتري بتطوير المصنع والاحتفاظ بثلثي العاملين. غير أن المشتري الجديد أغلقه وباع الأراضي التابعة له كعقارات. وكان مصير هذا المصنع نفسه مصير مئات المؤسسات الأخرى التي تمت خصخصة الكثير منها في إطار عمليات فساد وتجاوزات واسعة.

وتفيد المعطيات الإحصائية أن أكثر من 70 بالمائة من عمليات البيع في شرق البلاد جرت لصالح رجال أعمال من غرب ألمانيا. وفي حالات كثيرة كان هؤلاء يشترون شركات ومؤسسات منافسة لأعمالهم في الغرب وبدلاً من تطويرها كان يتم إغلاقها وزيادة الإنتاج في الرديف الغربي لتغطية حاجة السوق في الشرق، لأن تكلفة زيادة الإنتاج واستقدام العمال من الولايات الشرقية أقل من تكاليف التطوير والتحديث هناك.

وهكذا فإن فرصة قيام نهضة صناعية في هذه الولايات بقيت محدودة وغير مرغوبة من لوبيات رجال الأعمال النافذين في الشرق.

الخبير الاقتصادي إبراهيم محمد: تعكس هذه الفروق حقيقة أن مستوى الإنتاجية في الشرق ما يزال أقل من نظيره في الغرب بنسبة تزيد على 25 بالمائة.صورة من: DW/P.Henriksen

فرصة للشرق من أجل اللحاق بالغرب

رغم الثغرات التي رافقت مرحلة ما بعد توحيد ألمانيا، والفروق الكبيرة بين الشرق والغرب، فإن غالبية الناس في شرق ألمانيا كسبت من خلال التوحيد مستوى حياة يفوق بأضعاف مستوى معيشتها قبل الوحدة. وحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوجوف بتكليف من وكالة الأنباء الألمانية فإن 60 بالمائة من  الألمان الشرقيين  يعتبرون الوحدة قصة نجاح حقيقية.

وفي شرق البلاد نشأت طبقة وسطى تقود وتملك شركات متوسطة رائدة في مدن مثل لايبزغ ودريسدن وفي مدن مثل برلين نشأت عشرات الشركات الناشئة والرائدة في التطبيقات والتجارة الإلكترونية. ومع التطور الذي شهدته الجامعات والمعاهد ومراكز البحث في الشرق أصبح الخريجين منها قبلة رجال الأعمال والشركات في ألمانيا وخارجها. ومع قدوم شركات عالمية مثل تيسلا الأمريكية لبناء مصنع ضخم للسيارات الكهربائية يبدو أن شرق ألمانيا في طريقه إلى جذب صناعات عالمية تسرع في عملية تقليل الفروق بين الشرق والغرب. 

إبراهيم محمد

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW