هكذا يتم ابتزاز لاجئين في ألمانيا بأهاليهم الرهائن في ليبيا
٣٠ أغسطس ٢٠١٩
تقوم عصابات في دول مثل ليبيا باحتجاز مهاجرين كرهائن، ثم تطالب أهاليهم المقيمين في أوروبا بدفع فدية من أجل إطلاق سراحهم. مجلة شبيغل الألمانية كشفت عن "تجارة ابتزاز ضخمة" في ليبيا.
إعلان
كانت السابعة والنصف صباحاً عندما تلقى هارون* رسالة على هاتفه المحمول تقول له: "اتصل بي، فأخوك عندي!". وعندما اتصل اللاجئ الإريتري المقيم في مدينة كولونيا الألمانية بالرقم الليبيّ، تبين له أن أخاه الأصغر يونس* مخطوف في ليبيا، وأن مُرسل الرسالة الأولى ليس سوى الخاطف الذي طلب منه خلال المكالمة أن يرسل لهم 7 آلاف دولار، مهدداً بقتل يونس إن لم يفعل ما يطلب. قصة هارون وأخيه كشفتها مجلة شبيغل الألمانية.
وبحسب المجلة التي تحدثت إلى هارون (26 عاماً)، فإن تلك المكالمة أثرت على اللاجئ الذي يعيش في ألمانيا منذ ثلاث سنوات ونصف، حتى أنه رسب في امتحان اللغة الألمانية، وسبب ذلك هو أن هارون عاش بنفسه في معتقلات إيواء اللاجئين في ليبيا لأسابيع ويعرف الظروف فيها. يقول اللاجئ الإريتري: "حاولت إقناعه بألا يأتي عبر ليبيا"، ويضيف: "من الأفضل أن يموت المرء في البحر المتوسط على أن يكون في ليبيا"!
"تجارة ابتزاز ضخمة"
قصة هارون وأخيه ليست سوى واحدة من العديد من القصص المماثلة، حسبما تقول منظمات دولية. ورغم عدم وجود أرقام رسمية، إلا أن منظمة العفو الدولية تؤكد ازدياد حالات ابتزاز أهالي اللاجئين في بعض الدول، في السنوات القليلة الماضية.
وتعرف "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للبلدان" عشرات الحالات المشابهة، وتتحدث عن "تجارة ابتزاز ضخمة في ليبيا".
ويقول مارك ميكاليف من المبادرة لمجلة دير شبيغل إن الأشخاص الذين يبتزون اللاجئين هم مهربون منظَّمون ومجموعات محلية متخصصة في الاختطاف، مشيراً إلى أنه يتم احتجاز الضحايا في مستودعات أو أقبية وتتم إساءة معاملتهم.
وهذا ما حصل مع يونس، حيث أن الخاطفين كانوا يتصلون بأخيه هارون ويجعلونه يسمع آهات آخيه وهم يعذبونه بالصعق الكهربائي. وكان يونس قد وصل إلى ليبيا عبر شبكة تهريب عبر مصر. ورغم أن المهربين وعدوه بإيصاله إلى إيطاليا بعد أن دفع لهم 5 آلاف دولار، إلا أنهم باعوه إلى أشخاص آخرين، بعد أن حصلوا على النقود. "نوع جديد من الاستغلال"
وترى الخبيرة في جامعة تيلبورغ الهولندية ميريام فان رايزن أن ابتزاز الناس وتهديدهم بقتل أهاليهم المهاجرين للحصول على فدية هو "نوع جديد من الاستغلال"، مشيرة لمجلة دير شبيغل أن هذا النوع ظهر بشكل خاص بين عامي 2009 و2014 في شبه جزيرة سيناء في مصر، عندما تم احتجاز "آلاف" المهاجرين الأفارقة كرهائن في معسكرات وتعذيبهم، وطلب مبالغ تصل إلى 50 ألف دولار عن كل رهينة من الأهالي.
وتضيف الخبيرة: "التجارة بالبشر قبل ذلك الوقت كان يتم لأغراض: الإكراه على ممارسة الدعارة والعمل الإجباري أو لتجارة الأعضاء، لكن ليس للحصول على فدية".
وبحسب منظمة العفو الدولية فإن الابتزاز يتم في معتقلات إيواء اللاجئين أيضاً، من قبل جنود ليبيين "فاسدين" يسعون لكسب المال. وتتهم المنظمة الاتحاد الأوروبي بتحمل جزء من المسؤولية، لأنه يدعم حرس الحدود الليبي من أجل إبقاء المهاجرين في ليبيا.
صعوبة القبض على الخاطفين
وتشير ميريام فان رايزن إلى صعوبة مكافحة هذا النوع من الابتزاز، وتتابع: "المجرمون والأشخاص يتم ابتزازهم يكونون في مناطق مختلفة، ولذلك فإن الشرطة غير مهيئة لمثل هذه الحالات".
وبعد حوالي تسع أشهر من المكالمة التي تلقاها هارون، توجه إلى كنيسة في كولونيا طلباً للمساعدة. هناك التقى بالقس في الكنيسة اللوثرية هانز مورتر، والذي يعرف بمساعدته للاجئين في المدينة، حيث أسس قبل خمس سنوات مجموعة للترحيب باللاجئين ومساعدتهم، كما ذكرت صحيفة "دير شبيغل".
وقال القس للمجلة إنه ساعد حتى الآن على إنقاذ 20 شخصاً من أيدي مختطفيهم، غالبيتهم في ليبيا، وبعضهم في السودان.
وأضاف مورتر إلى أنه أرسل بعض اللاجئين الذين تم ابتزازهم إلى الشرطة من أجل الإبلاغ عن المختطفين، مشيراً إلى أن الشرطة أكدت بأنها ليست مسؤولة عن مثل هذه الحالات لأن المخطوفين ليسوا مواطنين ألمان.
في مخيم اعتقال
وبمساعدة القس الألماني، تمكن هارون من تأمين 5 آلاف دولار، وتفاوض مع الخاطفين من أجل خفض الفدية إلى هذا المبلغ، كما كشفت دير شبيغل، مشيرة إلى أن الخاطفين وافقوا على ذلك، وتم إرسال المبلغ وتسلميه لشخصين في الخرطوم، عاصمة السودان.
وبعد مرور شهر، تلقّى هارون مكالمة من أخيه يونس يقول فيها إنه في معسكر لإيواء اللاجئين في ليبيا، مضيفاً أنه يقيم مع 200 شخص في غرفة واحدة ويتقاسم الهاتف المحمول الذي يتصل به مع 50 شخصاً من أجل أن يتواصلوا مع أقاربهم، ومشيراً في الوقت نفسه إلى أنهم يتعرضون للضرب، حسبما ذكرت "دير شبيغل".
وأكد يونس لأخيه هارون: "طالما أنني في ليبيا فإن الخوف لن ينتهي". ويستمر هارون بإرسال المال لأخيه من أجل أن يستطيع شراء الطعام ورصيد الهاتف المحمول. والأهم بالنسبة للاجئ الإريتري الآن هو "الخلاص من هذا الكابوس".
الهجرة غير الشرعية.. مواقف وأوضاع شركاء أوروبا بشمال أفريقيا
تكثف دول الاتحاد الأوروبي مؤخراً مساعيها من أجل كبح جماح الهجرة غير الشرعية نحو أراضيها، وذلك من خلال عقد شراكات وثيقة مع دول شمال أفريقيا، لكن كيف هي أوضاع ومواقف هذه الدول من أزمة اللاجئين والهجرة غير الشرعية؟
صورة من: Abdelhak Senna/AFP/GettyImages
مصر: بلد عبور يثير القلق
في السنوات الأخيرة تحولت مصر إلى أحد بلدان العبور إلى أوروبا المثيرة للقلق. ولا توجد أرقام دقيقة من جانب السلطات المصرية عن أعداد اللاجئين والمهاجرين السريين، الذين انطلقوا من السواحل المصرية على متن قوارب الصيد. لكن بحسب الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس"، فقد انطلقت عام 2016 نحو ألف سفينة تهريب بشر من مصر. كما شكلت مصر كابوساً للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عام 2016.
صورة من: picture-alliance/dpa
مصر: موقف متحفظ
أثار قرار إقامة مراكز لجوء أوروبية في دول شمال افريقيا، بينها مصر انتقادات المنظمات الحقوقية التي تعنى بشؤون اللاجئين، و تتهم هذه المنظمات نظام عبد الفتاح السيسي بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وأبدت مصر عن موقف متحفظ إزاء إقامة أوروبا مراكز لاستقبال اللاجئين على أراضيها. في المقابل يُشاع أن مصر تسعى للدخول في مساومة مع أوروبا لمنع تدفق المهاجرين إلى أوروبا مقابل مساعدات مالية.
صورة من: DW/M. Hashem
ليبيا: هاجس بدون حل
تعد ليبيا واحدة من أهم دول عبور المهاجرين واللاجئين السريين نحو أوروبا. ظلت موجة الهجرة المتدفقة من هذا البلد تمثل هاجساً للزعماء الأوروبيون، الذي لم ينجحوا لحد الآن في إيجاد حل له. في عام 2008 اُبرم اتفاق أوروبي ليبي لمكافحة الهجرة مقابل 500 مليون دولار. وكان الزعيم الليبي معمر القذافي قد تنبأ بتدفق ملايين المهاجرين لأوروبا وطالب آنذاك بروكسل بدفع خمسة مليارات يورو سنويا لليبيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP/Küstenwache Lybien
ليبيا: موقف رافض
في عام 2017 وصل حوالي 150 ألف مهاجر إلى أوروبا عبر المتوسط. و من أجل كبح جماح هذا التدفق اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي على خطة جديدة وكان أهم مقترحاتها إقامة مراكز خارجية لاستيعاب المهاجرين في دول شمال أفريقيا. وقوبل هذا المقترح الأوروبي بالرفض من أغلب دول شمال أفريقيا، بينها ليبيا، التي أعلنت رفضها لأي إجراء يتعلق بإعادة المهاجرين السريين إليها.
صورة من: AP
تونس: ارتفاع عدد الرحلات غير الشرعية
بالرغم من تشديد الحكومة اليمينية الشعبوية في إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي من استقبال قوارب المهاجرين ومراكب المنظمات الناشطة لإنقاذ المهاجرين في البحر، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت موجة رحلات هجرة غير شرعية انطلقت من السواحل التونسية باتجاه ايطاليا. فبحسب أرقام للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية، فإن 3811 مهاجرا تونسيا سري وصلوا السواحل الإيطالية هذا العام حتى نهاية آب/أغسطس.
صورة من: DW
تونس: رفض معسكرات المهاجرين
لا يختلف موقف تونس عن موقف دول شمال أفريقيا الرافضة لقرار تقديم الاتحاد الأوروبي المزيد من الدعم المالي لدول شمال أفريقيا مقابل المساعدة في التصدي للهجرة غير الشرعية من خلال إقامة معسكرات للمهاجرين.
صورة من: dapd
الجزائر: أكبر دول المنطقة
الجزائر هي أكبر دول منطقة شمال افريقيا، التي يعبرها المهاجرون باتجاه البحر المتوسط نحو أوروبا. ولا توجد إحصاءات رسمية جزائرية بشأن عدد المهاجرين الجزائريين غير الشرعيين، غير أن تقريرا نشرته في عام 2015 منظمة "ألجيريا ووتش" (غير حكومية)، استنادا إلى الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس"، وضع الجزائر في المرتبة التاسعة بين الدول المصدرة للهجرة غير الشرعية عبر الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي .
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Batiche
الجزائر ترفض مراكز الاستقبال
تتعاون الجزائر مع الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة غير الشرعية، وذلك عن طريق إعادة المهاجرين السريين القادمين من دول جنوب الصحراء إلى وطنهم، إذ رحلت خلال الأربع والخمس سنوات الماضية حوالي 33 ألف مهاجر و لاجئ أفريقي إلى بلدانهم بجنوب الصحراء. كما ترفض الجزائر من جانبها بناء مراكز لإيواء المهاجرين الأفارقة على أراضيها.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
المغرب: عودة الهجرة بقوة
عرفت السواحل الإسبانية هذا العام تدفقاً لما يعرف بـ "قوارب الموت" التي تنطلق من الطريق البحرية بين إسبانيا والمغرب والجزائر. فمن أصل 74.501 مهاجرسري وصلوا أوروبا بحراً، استقبلت إسبانيا لوحدها حوالي 43 بالمئة منهم (32.272)، وذلك في الفترة بين الأول من كانون الثاني/ يناير و12 أيلول/سبتمبر 2018، ممّا يجعلها الوجهة الأولى للهجرة السرية عبر البحر الأبيض المتوسط.
صورة من: picture alliance/AP Photo
المغرب: حسابات سياسية ومالية
منذ سنوات يحاول الاتحاد الأوروبي إبرام اتفاق مع المغرب بخصوص عودة المهاجرين من دول افريقيا جنوب الصحراء. ولكن المغرب يرفض ذلك لأسباب سياسية ومالية، أهمها أن ذلك يتعارض مع مسعى المغرب لتقوية علاقاته مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء، والاستفادة منها اقتصادياً من خلال شراكات تجارية، وأيضاً لدعم موقف المغرب في النزاع حول الصحراء الغربية.