هل استخلصت العبر من انهيار "ليمان براذرز"؟
١٥ سبتمبر ٢٠١٠تحل الذكرى الثانية لانهيار مصرف "ليمان براذرز" الأمريكي والذي كان نقطة بداية الأزمة المالية التي تسببت في أكبر ركود اقتصادي في العالم منذ الكساد الكبير في الثلاثينات من القرن الماضي. واليوم يقف الخبراء الاقتصاديون لتأمل حصيلة ما تم إنجازه منذ ذلك الحين في سبيل معالجة أثار تلك الأزمة التي كادت أن تعصف بالنظام المالي العالمي.
ما هو مؤكد اليوم هو أن مصرف "ليمان براذرز" كان متورطا في استثمارات مالية تشوبها المخاطر كغيره من المؤسسات المالية في بورصة وول ستريت، وكان يعاني من آثار انهيار سوق العقار الأمريكي. ولم تستطع إدارة البنك العملاق السيطرة على المشاكل التي تسارعت وتيرتها آنذاك مما أدى إلى نفاد السيولة النقدية لدى البنك، غير أن المصرف العريق الذي تأسس قبل 158 عاما استمر في مضارباته قبل أن تعطيه صناديق التحوط العملاقة الضربة القاضية لينهار، وهو ما ترتب عنه انهيار عدد من المؤسسات المالية الدولية .وتطلب الأمر بعدها خمسة تريليونات دولار وتحالفا عالميا غير مسبوق لدول مجموعة العشرين لإرساء الاستقرار في الاقتصاد العالمي. ولوقف موجة الذعر التي اندلعت قبل نحو عامين أنجزت أوروبا ما اعتقدت أنه كان خطوة كبيرة بعدما اتفقت مطلع هذا العام على خطة إنقاذ بتكلفة نحو تريليون دولار إلا أنه وفي غضون أيام عاد القلق مجددا ليسيطر على المستثمرين وهوت الأسواق.
درس غير عادي
خلفت الأزمة المالية العالمية خسائر كبيرة وذعرا هدد المنظومة المالية العالمية برمتها، وحركت النقاش حول السبل التي يجب اتباعها للحيلولة دون وقوع أزمة جديدة على هذا النحو، بل وجعلت بعض الاقتصاديين يطالبون بإعادة النظر جذريا في أسس هذا النظام . فالدرس كان غير عادي لكل الأطراف المالية و الاقتصادية في العالم مثلما يؤكده أودو شتيفانس، مدير معهد فرانكفورت للعلوم المالية والإدارية في حوار لدويتشه "إن المؤسسات المالية تعلمت دروسا حقيقة، وهو ما انعكس بشكل أساسي على طريقة الإدارة الداخلية لها، والإستراتيجية التي تتبعها، بالإضافة إلى كيفية تصميم العروض المصرفية التي تقدم للزبائن" و أضاف قائلا "الحكومة الألمانية هي الأخرى شرعت في إصلاح القوانين المتعلقة بالتعاملات المالية في ألمانيا وفي النظام المالي العالمي وقد بدأت تظهر بعض النتائج".
هذه النتائج أكدتها المستشارة الألمانية انجيلا ميركل اليوم الأربعاء (15 سبتمبر/ أيلول 2010)، خلال المناقشة العامة في البرلمان الألماني "بوندستاج" حول موازنة عام 2011، و التي قالت خلالها إن ألمانيا أصبحت مجددا على وتيرة النمو الاقتصادي. و أكدت أنه تم قطع شوط كبير في هذا المجال خلال العامين الماضيين ، مضيفة في الوقت نفسه أنه لا زال هناك أشواط أخرى من العمل لتأمين نهضة اقتصادية مستدامة على مستوى العالم.
ضغوط ألمانية
فخلال السنتين الماضيتين تحركت الأوساط الاقتصادية في العالم لإنقاذ النظام المالي والاقتصادي من الإنهيار جراء الأزمة المالية الطاحنة التي ضربت معظم دول العالم ، فقد فرضت ألمانيا في مايو الماضي قرارا أحادي الجانب يقضي بحظر بعض عمليات البيع على المكشوف التي تعتمد على بيع الأسهم قبل أن تنتقل ملكيتها بصورة كاملة.
كما تبنّت الحكومة الألمانية في آب / أغسطس الماضي مشروعاً ، يقضي بفرض رسوم على أرباح المصارف، ويرمي إلى تجنب أن تكون الدولة في المستقبل الجهة الوحيدة التي تقرر صرف الأموال لإنقاذ المؤسسات المصرفية. وستستخدم المبالغ، التي سيتم جمعها بهذه الطريقة، في إنشاء صندوق، يمكن أن تسحب منه الأموال، في حال تعرّض للإفلاس مصرفُُ يعتبرُ ذاتَ أهمية إستراتيجية، وهو المسعى الذي سيناقشه الاتحاد الأوربي هذا الخريف، و هي خطوة رأى فيها الخبراء أن الأمر لم يعد يتعلق فقط بمكافحة أثار الأزمة المالية العالمية بل يتعداه إلى السعي لعدم تكرارها مستقبلا، لكن إلى أي مدى يمكن تطبيق هذه الإجراءات؟ المستثمر والخبير المالي الألماني ماكس اوتو يرى أن "البنوك لاتزال تعاني من نقص في مواردها المالية، و هو ما قد يعطل عملية فرض ضرائب على المعاملات المالية وذلك بالرغم من التقدم الطفيف الذي تم إحرازه في مجال الإصلاحات الأساسية "
تجنب الصدمات المستقبلية
وبعد عامين بالضبط من انهيار مصرف ليمان بروذرز الأمريكي أعلنت لجنة بازل للرقابة المصرفية بداية هذا الأسبوع أن رؤساء بنوك مركزية في 27 دولة من الاقتصاديات الرائدة في العالم وافقوا على إلزام البنوك بزيادة الكمية التي ينبغي أن تحتفظ بها من رأسمالها الأساسي لأكثر من ثلاثة أمثال لتصل إلى سبعة في المائة مما يساعدها على مواجهة الصدمات المستقبلية. وسيجبر الاتفاق المعروف باسم "بازل 3" البنوك على تقوية رأسمالها بما يجعلها أكثر قوة، وذلك في محاولة لتخفيف الحاجة لبرامج إنقاذ من الحكومات مثلما حدث أثناء الأزمة المالية.
وتتضمن هذه الخطة الإصلاحية اعتماد معايير جديدة بشأن السيولة، سترفع إلى قمة مجموعة العشرين التي ستعقد في سيول في تشرين الثاني/نوفمبر لإقرارها, وقد يبدأ العمل بها اعتبارا من 2013. وقال جان كلود تريشيه رئيس البنك المركزي الأوروبي ومجموعة حكام المصارف ورؤساء هيئات الرقابة ان هذا الاتفاق سيساهم في "الاستقرار المالي على المدى البعيد"وفي النمو"، كما رحبت المفوضية الأوروبية به وقالت إنها مستعدة لتحويله إلى قانون ملزم لدول الاتحاد الأوروبي.
تسانغ دانهونغ / يوسف بوفيجلين
مراجعة: حسن زنيند