ناشطون سوريون يحاولون منع "مجرم حرب" مشتبه به من حضور دورة الألعاب الأولمبية في باريس فما القصة وما هو موقف اللجنة الأولمبية الدولية؟
حتى في أولمبياد باريس 2024 سيستمر الجدل بين تداخل الرياضة والسياسةصورة من: Takuya Matsumoto/AP Photo/picture alliance
إعلان
أصابت الصدمة صحفيين وناشطين سوريين معارضين بعد انتشار صور لعمر العاروب على فيسبوك في أغسطس/آب الماضي، أمام برج إيفل في باريس. فالعاروب مقرب من النظام السوري برئاسة بشار الأسد، المتهم بارتكاب جرائم حرب متعددة، بما في ذلك الهجمات بالأسلحة الكيميائية، ضد شعبه على مدار الحرب الأهلية التي استمرت أكثر 13 عامًا. ومن المعروف أيضا أن العاروب عضو بارز فيما يسمى بـ "كتائب البعث"، وهي ميليشيا تابعة لحكومة راالأسد، وقبل ذلك، كان قائداً للاتحاد الوطني لطلبة سوريا. واليوم يرأس اللجنة الأولمبية السورية.
"أمر بحملات قمع عنيفة"
أكدت المجموعة الناشطة "الاتحاد السوري البريطاني" ومقرها لندن أنها قامت بعمل تحقيقات استمرت لمدة عام وتم نشرها في منتصف يونيو/ حزيران كشفت عن جرائم حرب محتمله ارتكبها الاتحاد الوطني لطلبة سوريا (NUSS ) خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة بين عامي 2011 و2013.
وقالت المحققة ياسمين النحلاوي لـ DW إنها أكدت "وجود نمط من القمع المنهجي ضد طلاب الجامعات، بما في ذلك الاعتقالات والتعذيب في الحرم الجامعي".
وأضافت النحلاوي: "ما نعرفه هو أن العاروب قام بتجنيد طلاب آخرين للإبلاغ عن المتظاهرين والمشاركة في الحملة القمعية العنيفة ضد الاحتجاجات. ونعلم أنه قام بتسليحهم بالهراوات، والأسلحة النارية، ولدينا شهادات أنه أعطى الأوامر لاستخدام العنف، دون أن يؤدي إلى الموت. وأنه أصدر تعليماته برمي الطلاب المعارضين للنظام من نوافذ سكن الطلاب وأمر طلابه أيضا بضرب الرجال على أعضائهم التناسلية بشدة حتى يصابوا بالعقم".
وتشعر النحلاوي وزملائها بالقلق من عودة العاروب إلى أوروبا لحضور دورة الألعاب الأولمبية في باريس، التي تبدأ في أواخر يوليو/تموز، أو دورة الألعاب البارالمبية التي يشارك فيها رياضيون من ذوي الاحتياجات الخاصة في أواخر أغسطس. وبدأت النحلاوي بمساعدة منظمة مناصرة مقرها لندن، في إعداد عريضة تدعو المنظمين إلى منع العاروب من المشاركة في أولمبياد باريس. وكان العاروب حاضراً في أولمبياد طوكيو 2020 لأنه، على عكس القادة السوريين الآخرين، ليس لديه أي أوامر قضائية ضده وهو غير مدرج في أي قوائم عقوبات.
من هو المسؤول؟
وأكدت النحلاوي ان الفريق السوري لا مشكلة له مع اللاعبين فقط ضد استخدام الحكومة السورية للرياضيين لتلميع صورتها. ويبدو أن اللجنة الأولمبية الدولية (IOC) واللجنة البارالمبية الدولية (IPC) لا تشعر أن هذه القضية تقع ضمن نطاق مسؤولياتهما. ومن المتوقع أن يتنافس ثلاثة لاعبين سورين في أولمبياد باريس، على الرغم من أنه لم يُعرف بعد عدد الأشخاص الذين سيشاركون في الألعاب البارالمبية لأن المنافسات الإقصائية لا تزال مستمرة.
وقالت اللجنة الأولمبية في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني إلى DW: "فيما يتعلق بمثل هذه الادعاءات، هناك العديد من المنظمات الأخرى، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، التي هي في وضع أفضل للتحقيق فيما إذا كانت هذه الادعاءات صحيحة أم لا".
وقال متحدث آخر من باريس في 2024، إنه لأسباب تتعلق بالأمن والخصوصية، لم يتمكنوا من تقديم تفاصيل حول ما إذا كان العاروب يحمل ما يعرف ببطاقة هوية الألعاب البارالمبية. لكنهم أضافوا أن جميع الطلبات يجب أن تتم الموافقة عليها من قبل السلطات الحكومية المختصة.
من جهته أفاد مصدر دبلوماسي في الحكومة الفرنسية لـ DW أن طلبات المشاركة في الألعاب البارالمبية قيد المراجعة حاليًا، وستخضع لـ "التحقيقات الأمنية الإدارية" المعتادة.
وأضاف المصدر أن العاروب لن يتمتع بأي نوع من الحصانة الدبلوماسية لمجرد دوره الأولمبي وسيكون من الصعب ببساطة اعتقال العاروب في باريس. لكن هناك بعض الخيارات القانونية – ففرنسا قادرة على اعتقال الأفراد الذين ارتكبوا أعمال التعذيب في الخارج – ولكن هناك حدود لكيفية استخدام هذا القانون.
في أولمبياد باريس سيتنافس الرياضيون السوريون في رياضات رفع الأثقال والفروسية والجمبازصورة من: Seth Wenig/AP Photo/picture alliance
الموازنة بين الرياضة والسياسة
وفي مقابلة مع DW قال آدم شاربف، الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في جامعة كوبنهاجن الذي يبحث في كيفية استخدام المستبدين للرياضة لتحقيق أهدافهم الخاصة: "ربما تكون التوترات السياسية المحيطة بالبطولات الرياضية الكبرى هي القاعدة وليس الاستثناء. وهناك قائمة طويلة من اللجان الوطنية المحظورة من المشاركة في الألعاب الأولمبية السابقة ضمنها ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وجنوب أفريقيا لنحو عقدين من الزمن في ظل الفصل العنصري، وأفغانستان بسبب التمييز الذي تمارسه حركة طالبان ضد المرأة".
وأضاف شاربف: "لقد كانت السياسة دائما ممزوجة بالرياضة، فبالنسبة لمنظمات مثل اللجنة الأولمبية الدولية، فإن هذا يعني حتمًا معضلة. فهي مطالبة بأخذ الميثاق والبيانات الأولمبية بشأن السلام والتفاهم الدَّوْليّ وحقوق الإنسان على محمل الجِدّ. ولا ينبغي للمرء أن يتعاون مع الديكتاتوريات القمعية وممثليها".
جدل غير رياضي ـ منتخب سوريا أم "منتخب الأسد"؟
02:08
This browser does not support the video element.
ولم يعد في الآونة الأخيرة يُسمح للرياضيين من روسيا وبيلاروسيا بالحضور إلا باعتبارهم "رياضيين محايدين دوليًا"، وكانت هناك أيضًا دعوات لإلغاء دعوة إسرائيل بسبب تصرفاتها المستمرة في غزة والضفة الغربية.
وفيما يتعلق بالقضية السورية، فإن هناك مشكلة أخرى يوضح أستاذ العلوم السياسية شاربف: "نحن نعلم أن مثل هذه الجماعات تستخدمها الحكومات بشكل استراتيجي حتى تتمكن فيما بعد من إبعاد نفسها عن العنف الذي أمرت به. لكن من الصعب تحديد الأشخاص المرتبطين بمثل هذه المجموعة ومعاقبتهم. وهو يجعل المنظمات مثل اللجنة الأولمبية الدولية تنأى بنفسها."
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني إلى DW نفت اللجنة البارالمبية السورية المزاعم ضد العاروب، قائلة إن لهذه المزاعم دوافع سياسية. ولم توضح اللجنة ما إذا كان العاروب سيسافر إلى باريس مرة أخرى.
وفي حالة متابعة العاروب بسبب تحريضه على العنف، تقول النحلاوي أن ذلك سيعتبر انتصارًا نوعا ما. موضحة: "لأن الرسالة الأوسع هي أنه لا ينبغي أن يكون هناك مكان في الألعاب الأولمبية لمجرمي الحرب. وعندما تمنح مجرمي الحرب منصة كهذه، فإن ذلك يبعث برسالة مروعة إلى جميع الضحايا وأفراد أسرهم الذين يواصلون السعي لتحقيق العدالة.
أعدته للعربية: ندى فاروق
سوريا.. خمسة عقود في قبضة عائلة الأسد
تحكم عائلة الأسد سوريا منذ أكثر من 5 عقود بقبضة من حديد، إذ يستمر الرئيس السوري بشار الأسد على نهج أبيه حافظ الذي تولى الحكم بانقلاب عسكري. هنا لمحة عن أبرز المحطات التي مرت بها سوريا في عهد عائلة الأسد.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Jensen
تولي الحكم بعد انقلاب "الحركة التصحيحية"
في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، نفّذ حافظ الأسد الذي كان يتولّى منصب وزير الدفاع انقلاباً عسكرياً عُرف بـ"الحركة التصحيحية" وأطاح برئيس الجمهورية حينها نور الدين الأتاسي. في 12 آذار/مارس 1971، انتخب الأسد الذي كان يترأس حزب البعث العربي الاشتراكي، رئيساً للجمهورية ضمن انتخابات لم ينافسه فيها أي مرشح آخر. وكان أول رئيس للبلاد من الطائفة العلوية التي تشكل عشرة في المئة من تعداد السكان.
صورة من: AP
"حرب تشرين"
في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، شنّت مصر وسوريا هجوماً مفاجئاً على إسرائيل من جهة قناة السويس غرباً، ومرتفعات الجولان شرقاً، في محاولة لاستعادة ما خسره العرب من أراض خلال حزيران/يونيو 1967، لكن تمّ صدهما. في أيار/مايو 1974، انتهت الحرب رسمياً بتوقيع اتفاقية فضّ الاشتباك في مرتفعات الجولان.
صورة من: Getty Images/AFP/GPO/David Rubinger
علاقات دبلوماسية بين واشنطن ودمشق!
في حزيران/يونيو 1974، زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون دمشق، معلناً إعادة إرساء العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، بعدما كانت مجمّدة منذ العام 1967. في الصورة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون مع وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي وقتها هنري كيسينجر.
صورة من: AFP/Getty Images
هيمنة على لبنان
في 1976 تدخّلت القوات السورية في الحرب الأهلية اللبنانية بموافقة أمريكية، وبناء على طلب من قوى مسيحية لبنانية. وفي 1977، بدأت المواجهات بين القوات السورية، التي انتشرت في معظم أجزاء البلاد ما عدا المنطقة الحدودية مع إسرائيل، وقوات مسيحية احتجت على الوجود السوري. وطيلة ثلاثة عقود، بقيت سوريا قوة مهيمنة على المستوى العسكري في لبنان وتحكمت بكل مفاصل الحياة السياسية حتى انسحابها في العام 2005.
صورة من: AP
قطيعة بين دمشق وبغداد!
في العام 1979، تدهورت العلاقات بين سوريا والعراق، اللذين حكمهما فرعان متنافسان من حزب البعث العربي الاشتراكي، بعد اتهام الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الوافد حديثاً إلى السلطة، دمشق بالتآمر. وقطعت بغداد علاقتها الدبلوماسية مع دمشق في تشرين الأول/أكتوبر 1980، بعدما دعمت الأخيرة طهران في حربها مع العراق. في الصورة يظهر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (يسار) مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد (وسط).
صورة من: The Online Museum of Syrian History
"مجزرة حماه"
في شباط/فبراير 1982، تصدّى النظام السوري لانتفاضة مسلّحة قادها الإخوان المسلمون في مدينة حماه (وسط)، وذهب ضحية ما يعرف بـ"مجزرة حماه" بين عشرة آلاف وأربعين ألف شخص. وجاء ذلك بعد قرابة ثلاث سنوات من هجوم بالرصاص والقنابل اليدوية على الكلية الحربية في مدينة حلب، أسفر عن مقتل ثمانين جندياً سورياً من الطائفة العلوية. وتوجّهت حينها أصابع الاتهام إلى الإخوان المسلمين بالوقوف خلف الهجوم.
صورة من: picture alliance /AA/M.Misto
محاولة انقلاب فاشلة
في تشرين الثاني/نوفمبر 1983، أصيب الأسد بأزمة قلبية نقل على إثرها إلى أحد مشافي دمشق. ودخل في غيبوبة لساعات عدّة، حاول خلالها شقيقه الأصغر رفعت الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب فاشل، قبل أن يستعيد الأسد عافيته. وبعد عام، أُجبر رفعت على مغادرة سوريا. الصورة لحافظ الأسد (يمين) مع أخيه رفعت.
صورة من: Getty Images/AFP
تقارب مع الغرب!
بدأ الجليد الذي شاب علاقات سوريا مع أمريكا والغرب بالذوبان، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي. انضمت سوريا إلى القوات متعددة الجنسيات في التحالف الذي قادته أمريكا ضد صدام حسين بعد غزو العراق للكويت. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1994، زار الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الأسد في دمشق. بعد أربع سنوات، زار الأسد فرنسا في أول زيارة له إلى بلد غربي منذ 22 عاماً، واستقبل بحفاوة من نظيره الفرنسي جاك شيراك.
صورة من: Remy de la Mauviniere/AP Photo/picture alliance
الابن يخلف أباه في الرئاسة!
توفي الأسد في 10 حزيران/يونيو 2000، عن عمر ناهز 69 عاماً، وكان شيراك الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر جنازته.
وبعد شهر، تولّى نجله بشار السلطة، بعد تعديل دستوري سمح له بالترشّح. وحاز في استفتاء لم يضم أي مرشح آخر سواه على 97 في المئة من الأصوات.
صورة من: picture-alliance/dpa
انفتاح نسبي ولكن..!
بين أيلول/سبتمبر 2000 وشباط/فبراير 2001، شهدت سوريا فترة انفتاح وسمحت السلطات نسبياً بحرية التعبير. في 26 أيلول/سبتمبر 2000، دعا نحو مئة مثقّف وفنان سوري مقيمين في سوريا السلطات إلى "العفو" عن سجناء سياسيين وإلغاء حالة الطوارئ السارية منذ العام 1963. لكنّ هذه الفسحة الصغيرة من الحرية سرعان ما أقفلت بعدما عمدت السلطات إلى اعتقال مفكرين ومثقفين مشاركين في ما عُرف وقتها بـ"ربيع دمشق".
صورة من: picture-alliance/dpa/Y. Badawi
احتجاجات تحولت إلى نزاع دامٍ!
في العام 2011، لحقت سوريا بركب الثورات في دول عربية عدة، أبرزها مصر وتونس، في ما عُرف بـ"الربيع العربي". ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظامه، قمع الأسد المتظاهرين السلميين بالقوة، وتحولت الاحتجاجات نزاعاً دامياً، سرعان ما تعددت جبهاته والضالعين فيه. وأودى النزاع المستمر بأكثر من 388 ألف شخص وهجّر وشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوّى مناطق كاملة بالأرض.
صورة من: AFP/O. H. Kadour
بقاء على رأس السلطة بدعم روسي
في سنوات النزاع الأولى، فقدت قوات الحكومة السورية سيطرتها على مساحات واسعة من سوريا بينها مدن رئيسية. لكن وبدعم عسكري من حلفائها، إيران ثم روسيا، استعادت القوات الحكومية تدريجيًا نحو ثلثي مساحة البلاد، إثر سياسة حصار خانقة وعمليات عسكرية واسعة ضد الفصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية. ولعب التدخل الجوي الروسي منذ خريف 2015 دوراً حاسماً في تغيير موازين القوى لصالح دمشق. م.ع.ح/ع.ج.م