بالرغم من استباق الحكومة المصرية العام الدراسي الجديد بعدد من الإجراءات والقوانين الصارمة ومنع التظاهر داخل الجامعات، إلا أن المظاهرات اندلعت في عدد من الجامعات وامتدت خارجها.

وحسب التقرير الأسبوعي الذي تصدره مؤسسة "حرية الفكر والتعبير" حول الجامعات، فإن قوات الشرطة "اقتحمت حرم تسع جامعات خلال الأسبوع الثاني للدراسة بهدف فض مظاهرات طلابية، وألقت خلال هذه الاقتحامات القبض على العشرات من الطلاب. كما قتل طالب في جامعة الإسكندرية متأثراً بإصابته بطلق "خرطوش" أثناء اعتداء قوات الشرطة لطلاب كلية الهندسة في أول أسبوع للدراسة".

في الجامعات المصرية، تم تركيب أبواب حديدية جديدة، بالإضافة إلى زيادة ارتفاع الأسوار وتثبيت كاميرات مراقبة على الأسوار وداخل الحرم الجامعي، ناهيك عن أجهزة الكشف عن المعادن وكلاب الحراسة والتفتيش الدقيق للطلاب وما يسببه ذلك من طوابير طويلة تؤدي إلى تأخرهم عن محاضراتهم. كما تمت الاستعانة بشركات أمن خاصة.

"ندخل الجامعة وكأننا ندخل ساحة حرب"

كل هذه الإجراءات رصدتها DW عربية أثناء تجوالها في حرم جامعة القاهرة، التي تعتبر من أهم الجامعات المصرية، والتي شهدت مظاهرات عديدة في الأسبوعين الماضيين. ويقول أحد طلاب كلية الآداب في الجامعة رفض الإفصاح عن اسمه خوفاً من ملاحقته أمنياً لـDW عربية: "عندما أدخل إلى الجامعة أشعر وكأنني أدخل ساحة حرب – تفتيش دقيق ونظرات إلينا كأننا إرهابيون محتملون ومعاملة ليست جيدة والشرطة تحاصر الجامعة. أينما تنظر تجد ألوية شرطة وأحياناً قوات الجيش".

هذا وقد رافق بدء العام الدراسي الجامعي الجديد تصريحات لقيادات جامعية تحدثت في بعض وسائل الإعلام عن خطة للاستعانة ببعض الطلاب لمراقبة زملائهم داخل الجامعة والمدينة الجامعية، ما أدى إلى انتشار الخوف بين الطلاب وعدم الحديث في السياسة خوفاً من الإبلاغ عنه ممن يتم وصفهم بـ"الطلاب الوطنيين".

من جهتها، توضح الدكتورة ليلى سويف، الأستاذة بكلية العلوم في جامعة القاهرة وأحد أعضاء حركة "9 مارس" التي تطالب باستقلال الجامعات، أن هناك قرارات وقوانين تم إصدارها مؤخراً تتعارض والدستور المصري، مثل إلغاء انتخاب عمداء الكليات واستبداله بنظام التعيين من رئيس الجمهورية، الأمر الذي تصفه بـ"اعتداء على استقلال الجامعات ورغبة في السيطرة والاستحواذ لم نشهدها من قبل"، مشيرة إلى أن السلطة تصدر القوانين بدون أخذ مشورة أعضاء هيئة التدريس.

وأضافت سويف، في حديث مع DW عربية، أن حركة "9 مارس" نجحت مؤخراً في وقف مشروع قانون يعطي رئيس الجامعة المعين حق عزل وفصل أعضاء هيئة التدريس دون اللجوء للإجراءات التأديبية المنصوص عليها في القانون، وذلك بعد أن رفض مجلس الدولة مشروع هذا القانون. وأوضحت الأستاذة بكلية العلوم أن هناك تعسفاً واضحاً ضد الطلاب، مشيرة إلى 90 حالة فصل تعسفي دون تقديم الطلاب لمجلس تأديب أو التحقيق معهم، ولم يدروا بقرار فصلهم من الجامعة إلا بالصدفة، عندما جاءوا للحصول على نتائج امتحاناتهم. وكانت جامعة الإسكندرية أيضاً قد أعلنت عن فصل سبعة طلاب لمشاركتهم في مظاهرات الأسبوع الماضي.

"الحركة الطلابية منقسمة"

أما عماد عبد الحميد، مسؤول "طلاب حركة 6 أبريل"، فيرى أن "الحركة الطلابية الآن منقسمة على نفسها وهو ما أتاح للأمن فرصة فرض سطوته على الجامعات واستطاع أن يحشد الرأي العام ضد الحركة الطلابية بشكل عام، بسبب بعض ممارسات حركة 'طلاب ضد الانقلاب’"، المتعاطفة مع جماعة الإخوان المسلمين، والتي صنفتها السلطات المصرية على قائمة المنظمات الإرهابية.

وانضم "طلاب حركة 6 أبريل" إلى جبهة شُكّلت حديثاً داخل الجامعات المصرية وتحمل اسم "ائتلاف طلاب مصر". ويعتبر عبد الحميد هذا الائتلاف محاولة للحفاظ على الكتلة الوسطية الرافضة للعنف من الطرفين، بالإضافة إلى تقديم نفسه كبديل للصراع الحالي.

وأضاف عبد الحميد لـDW عربية أن "طلاب ضد الانقلاب" رفضوا أكثر من مبادرة بهدف التوحد والابتعاد عن فكرة عودة الرئيس السابق محمد مرسي إلى الحكم، وأن يركزوا بدلاً من ذلك على المطالب الطلابية، "لكنهم أرادوا (استغلال) استمرار المواجهات مع الأمن لأغراض سياسية".

في مقابل ذلك، ينفي محمود الأزهري، المتحدث باسم حركة "طلاب ضد الانقلاب"، رفض حركته أي مبادرة من الحركات الطلابية الأخرى، بل ويتهمها بالتخاذل قائلاً: " نحن دائماً نمد أيدينا للحركات الطلابية من أجل التوحد تحت راية واحدة ولم نرفض في أي يوم مبادرة قامت على المطالبة بحقوق الطلاب وضد الحكم العسكري ... طلاب ضد الانقلاب تتظاهر داخل الجامعات للعام الثاني وتقدم التضحيات للمطالبة بحقوق الطلاب، في ظل صمت كل الكيانات الطلابية وغيابها عن المشهد والساحة".

وأضاف الأزهري لـDW عربية أن "القمع الأمني المتزايد هو الذي يؤدي إلى مزيد من التقييد للحركة الطلابية، وليس الطلاب المناضلون الذين يدفعون من دمائهم ومستقبلهم لتحرير الوطن والجامعات. وستستمر الحركة حتى عودة حقوق الطلاب"، مشيراً إلى أن الجامعات هي القيادة الفعلية الآن للحراك المتواصل في الشارع منذ أكثر من 15 شهراً، وأن "الطلاب (سيقودوا) الشعب للخلاص من الحكم العسكري"، حسب رأيه.

الملاذ الأخير للمعارضة؟

وبين هذا التجاذب السياسي بين الحركات الطلابية المختلفة وبينها وبين قوات الأمن والسلطات الحاكمة، يعتقد الدكتور أيمن عبد الوهاب، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن "الجامعات أصبحت الملاذ الأخير للجماعات المعارضة، وما يحدث هو استغلال لشرائح اجتماعية معينة من الشباب ذوي الأصول الريفية، الذي يسكن أغلبهم المدينة الجامعية، كأداة للاجتذاب السياسي من قبل الإخوان والجماعات السياسية بشكل عام".

ويرفض عبد الوهاب ممارسة الشباب للعمل السياسي داخل الجامعة، مشدداً على أن "مشكلتنا هي عدم فهم دور الجامعة الثقافي والتنموي و(ابتعادها عن الدور) السياسي. أن تتحول الجامعات إلى ساحة صراع سياسي تقوده بعض الاتجاهات السياسية أمر مرفوض ويفقد الجامعة دورها الأصلي".

وبحسب رأي الأستاذ في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، فإن الصراع السياسي داخل الجامعة سيؤدي إلى تغريب قطاع كبير من الطلاب داخل الجامعات ممن يرون أن المشهد معقد ويخلق حالة صراع في أوساط شباب لم تتبلور داخلهم بعد القدرة على إدارة التنوع أو إدارة الخلافات السياسية. ولذلك، يتحول هذا الصراع إلى صراع بين الشباب، الأمر الذي لا يساعد على تطوير الحياة السياسية أو الحزبية".

"المعارضة التقليدية فقدت دورها القيادي"

وعلى النقيض من ذلك، يعتبر الدكتور حازم حسني، وهو أستاذ للعلوم السياسية أيضاً في جامعة القاهرة، رؤية الجامعة كالملاذ الأخير للمعارضة في مصر "تقييماً خاطئاً"، مشيراً إلى أن هناك الكثير من "الساحات" التي تشهد نوعاً من معارضة النظام.

ويوضح حسني لـDW عربية أن "الجامعة يتركز فيها الشباب، وبالتالي فإن صوت المعارضة الشبابية فيها أكبر وأوضح، وذلك مع إقراري أن المعارضة التقليدية فقدت دورها القيادي أو كصوت معارض أصلاً".

وأضاف: "أعتقد أن هناك معارضة جديدة تتشكل حالياً، وربما لم تتبلور بشكل كامل، إلا أنها غالباً ستكون خارج إطار الأحزاب التقليدية، وستتشكل من شباب متعلم ومطلع يفهم ما يدور حوله". ويتوقع الدكتور حازم حسني أن إجراءات التضييق على الشباب لن تخمد صوت المعارضة ضد النظام، وقد تستفز أصواتاً أخرى لمعارضته".