هل بات اللاجئون "كبش الفداء" في جدل ألمانيا الساخن؟
حسن زنيند
١٩ أبريل ٢٠١٨
شهد الرأي العام الألماني تحولاً تدريجياً في صورة اللاجئين في المجتمع، إذ أدى تورط بعضهم في قضايا العنف والإرهاب وعداء السامية إلى إحداث شرخ سياسي وإعلامي يتعلق بتحديات اندماج اللاجئين واستيعابهم لمنظومة القيم الألمانية.
إعلان
لاجئون في ألمانيا شقوا طريق النجاح نحو الاندماج
02:36
تجدد الجدل في ألمانيا بشأن مظاهر معاداة السامية بين اللاجئين، بعد الهجوم على شابين يرتديان قلنسوة يهودية "كيباه"، في حي برينتسلاور بيرغ وسط العاصمة برلين. وتعرض الشابان لاعتداء بالسب والضرب على يد ثلاثة مجهولين تحدث أحدهم بعبارات معادية للسامية باللغة العربية.
وتعرض أحد الشابين للضرب بالحزام. ويُضاف هذا الاعتداء إلى سلسلة من الأحداث المأساوية التي تورط فيها لاجئون وهزت الرأي العام الألماني سواء تعلق الأمر بهجمات إرهابية أو بأعمال عنف مختلفة. فهل يتعلق الأمر بتضخيم إعلامي أم بـ"توظيف سياسي" أم أن اللاجئين يتحملون مسؤولية تبعات ما يقترفه البعض منهم؟
في بدء توافد اللاجئين على ألمانيا غطت صور الترحيب الذي لاقاه عشرات الآلاف من اللاجئين في محطات القطارات الألمانية، مساحات واسعة من وسائل الإعلام. لكنها سرعان ما خفتت، وحلت محلها أجواء من الريبة، استحوذت على خطاب غالبية الفاعلين المعنيين بموضوع اللاجئين، خصوصاً بعد العمليات الإرهابية في فورتسبورغ وآنسباخ وبرلين إضافة إلى الصدمة التي أحدثتها الاعتداءات الجنسية في مدينة كولونيا.
وهذا ما جعل قضايا الأمن الداخلي وربطها شبه المنهجي باللاجئين، تحتل صدارة الاهتمام الإعلامي والسياسي. أضف إلى ذلك تحديات المتعلقة بالاندماج من حيث دروس تعلم اللغة والتمدرس ولم الشمل العائلي والاندماج في سوق العمل.
تضخيم إعلامي وتوظيف سياسي؟
وبهذا الصدد يوضح كريم الواسطي العضو في المجلس الاستشاري في ولاية ساكسونيا السفلى في حوار مع DW عربية أن "الحوادث التي تقع هي في مجملها حوادث فردية إذا ما قورنت بالعدد الضخم للاجئين المتواجدين بألمانيا". ويستطرد الواسطي موضحاً: "أتصور وكأن هناك نية في احتدام الصراع، فالحوادث فردية ونحن في دولة قانون ومؤسسات ويجب أن يأخذ القانون مجراه ضد الأفراد المتورطين. (...). أعتقد أن هذا الأمر مقصود من جهات معينة بغرض التشكيك في السياسة التي تتبعها الحكومة الألمانية في موضوع اللجوء، فإذا كان هناك خلل في عملية الاندماج فيتيعن على الحكومة الألمانية اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة الأمر".
ومن مظاهر هذا الجدل التشنج المتزايد للخطاب المتداول بشأن الإسلام، فقد أثارت عبارة وزير الداخلية هورست زيهوفر "الإسلام ليس جزءا من ألمانيا" زوبعة إعلامية واسعة، خصوصاً وأنها عبارة غامضة يمكن تأويلها بكل الأشكال تقريباً.
فقد اعتبرت صحيفة "راين تسايتونغ" الألمانية في عددها الصادر في (الثاني من أبريل/ نيسان 2018) أن النقاش بشأن الإسلام غير بناء لأنه يختزل كل الإشكالية في "جملة واحدة غبية". وتساءلت الصحيفة حول دلالة تلك الجملة: "هل تعني ضرورة التوقف عن ممارسة الإسلام في ألمانيا؟ هل تعني ضرورة ألا يظهر في حصة الدين المدرسية؟ هل يعني ضرورة إغلاق المساجد؟ طرد المسلمين؟".
واستطردت الصحيفة موضحة: "يمكن القول بعبارة أخرى أيضاً أن زيهوفر و حزبه المسيحي الاجتماعي البافاري يهددون السلام الداخلي في ألمانيا ويصعبون اندماج المسلمين ويعملون بذلك على تزايد عدم الأمان وتزايد الخطر".
غير أن زيهوفر بدا متشبثاً بتصريحاته الناقدة للإسلام، إذ أكد بالقول: "لا نريد مجتمعات موازية أو تعددية ثقافية"، مشيراً إلى أنه غير متفهم لكل الذين يقللون من أهمية هذا الشأن، بمن فيهم من المنتمين للتحالف المسيحي.
معضلة العداء للسامي
في ردها على حادثة برلين قالت المستشارة أنغيلا ميركل إن الهجوم "مفزع تماماً" ووعدت بالتعامل بحزم مع كل أشكال معاداة السامية بشدة. واعتبرت بهذا الصدد أن مشاعر مناهضة السامية موجودة سواء بين بعض المواطنين الألمان أو بين وافدين من بلدان عربية.
وسبق للمجلس الأعلى لليهود في ألمانيا أن دعا إلى تشديد التعامل مع الأجانب المتورطين في جرائم معادية للسامية. الجدل الحالي تزامن مع فوز اثنين من مغنيي الراب وهما فيليكس بلوم، وفريد بانج وهو من أصول مغربية، بجائزة "إيكو" الموسيقية واعتبرت العديد من الجماعات اليهودية وغيرها كلمات أغاني الألبوم مسيئة، بعد أن أشارت الكلمات بسخرية إلى معسكر اوشفيتس النازي.
وقد أظهرت أرقام رسمية شملت الشهور الثمانية الأولى من 2017 أن نحو 93 في المئة من حوادث معاداة السامية المبلغ عنها في ألمانيا ترتبط باليمين المتطرف رغم تكهنات بأن النمو الكبير في عدد المسلمين منذ أزمة اللاجئين في عام 2015 قد يزيد الهجمات أو التمييز ضد اليهود، غير أن لغة الأرقام لا تساير بالضرورة لغة الإعلام والسياسة.
في سياق متصل، وفي حوار مع DW بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس دولة إسرائيل وضع الكاتب الإسرائيلي عاموس أوز بشكل واضح الحدود بين انتقاد السياسة الإسرائيلية والعداء للسامية: "إذا جادلت وقلت إن إسرائيل ترتكب جرائم فظيعة في الأراضي المحتلة فإني سأتفق معك. وإذا واصلت وقلت إن إسرائيل ترتكب أفظع الجرائم على وجه الأرض فسأجيبك بأنك تبالغ وأني أختلف معك".
ويضيف بالقول: "وإذا ذهبت خطوة أخرى وقلت إن ما يفعله الإسرائيليون بالفلسطينيين أفظع مما فعله النازيون باليهود، عندها سأقول لك أن مكانك هو مستشفى الأمراض العقلية. وإذا واصلت وقلت "لذلك لا يجب أن تقوم دولة إسرائيل" حينها تكون قد تجاوزت كل الحدود. فلم يحدث أن قال أحد بعد هتلر أن ألمانيا لا يجب أن تكون أو أن روسيا بعد ستالين لا يجب أن تقوم".
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش