1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

هل تتحول بيروت إلى فضاء"عشوائي"؟

٢٢ يونيو ٢٠١٠

عشرون عاما على الحرب الأهلية وبيروت تشهد تغيرا عمرانيا غير مسبوق. الأحياء والبيوت التقليدية تفقد طابعها المميز وتتحول إلى أبنية إسمنتية شاهقة وغريبة عن محيطها. مبادرات عديدة نشطت أخيرا من أجل الحد من التطور العشوائي

النمط العمراني في العاصمة اللبنانية أصبح يحاكي ساوباولوصورة من: laif/Sasse

اشتركت بلسم ماضي قبل فترة وجيزة ضمن مجموعة في فايسبوك تهتم بحماية التراث المعماري لبيروت وهي مسؤولة الآن عن بعض الأمور الإدارية والتنسيقية في هذه المجموعة. قررت طالبة الهندسة المعمارية في الجامعة الأميركية، والبالغة من العمر 23 سنة، القيام بهذه الخطوة لأنها ضاقت ذرعا بعمليات هدم الأبنية التراثية واستبدالها بأبراج إسمنتية تدمر خصوصية الكثير من الأحياء في مختلف أرجاء العاصمة اللبنانية: "بالنسبة لي محو البنايات مثل محو التاريخ. كأن يقوم مستثمر بتخريب معبد بعلبك لكي يبني مكانه محلا تجاريا كبيرا!".

المجموعة في الشبكة العنكبوتية هي إحدى الأمثلة على العديد من المبادرات التي ظهرت في الآونة الأخيرة تهدف إلى تنبيه الرأي العام اللبناني إلى ما آل إليه التطور العمراني في المدينة وتحاول إثارة حراك اجتماعي قد يساهم في الضغط على أصحاب القرار. عرض مسرحية على خشبة من خشبات العاصمة تتناول بشكل كوميدي قصة بيع آخر بيت قديم في حي من أحياء المدينة مثال آخر.

ولا يخفى سبب هذه النشاطات على أحد، فالمتجول في شوارع أحياء مثل رأس بيروت، الأشرفية أو الجميزة يلاحظ انحسار عدد البيوت التقليدية بشكل كبير خلال السنوات الماضية، تلك المؤلفة من طابقين أو ثلاثة التي يغطيها القرميد الأحمر وتحيطها حديقة. قد تتحول المساحة بعد الهدم لبعض الوقت إلى موقف للسيارات ثم تبدأ أعمال البناء التي تنذر بتشييد بناية عالية قد تصل 15 طابقا أو أكثر.

مباني أثرية معرضة للهدم

آثار الحروب على مباني بيروتصورة من: Mona Naggar

قضية الأبنية التراثية والجدل حول كيفية حمايتها ليست بجديدة ويعود معظمها إلى النصف الأول من القرن العشرين والمناقشة. ففي منتصف التسعينات قامت جمعية "أبساد" الأهلية التي تعنى بحماية الأبنية القديمة بتكليف من وزارة الثقافة اللبنانية بأول مسح منهجي لمناطق محيطة بوسط بيروت التجاري.

في خطوة أولى أوصت الدراسة الوزارة بعدم هدم 1016 مبنى، وأثارت هذه الدراسة ضجة إعلامية كبيرة مما أدى إلى إعداد دراسة ثانية قام به فريق العمل ذاته، من ضمنهم المهندس عبد الحليم جبر: "أخذنا في عين الاعتبار الفسحات العامة والنسيج المعماري حول المبنى ومجموعة المباني ودرسنا أيضا قابلية التطور الموجودة في هذا النسيج العمراني بالإضافة إلى كيفية تعويض أصحاب الأملاك." وكنتيجة لهذه الدراسة أوصى المهندسون بالحفاظ على 571 مبنى في خمس مناطق مختلفة من بيروت. ورغم موافقة مجلس الوزراء على هذه الدراسة، كلف مجلس الإنماء والإعمار استشاريا آخرا بإجراء دراسة جديدة تخلت عن مبدأ المجموعات التراثية واعتمدت تصنيف الأبنية المنفردة إلى خمس فئات، وانخفض عدد الأبنية التي أوصي بعدم هدمها إلى 209.

متاهات قانونية وإدارية

نصب تذكاري لرفيق الحريري في قلب العاصمة بيروتصورة من: Birgit Kaspar

رغم كثرة الدراسات والتوصيات المختلفة وصدور قرارات بتجميد هدم بعض الأبنية، إلا أن مجلس التنظيم المدني وبلدية بيروت ليس لديهم منهجية واضحة في التعامل مع ملف الأبنية القديمة، وليس هنالك خطة لمرحلة الترميم وتعويض المالكين أو دعمهم. يضاف إلى ذلك أن الباب يظل مفتوحا للحصول على استثناءات تجيز الهدم حتى لو صُنف العقار ضمن الفئة التي تستحق الحماية.

ولا يوجد لدى مالكي العقارات التراثية موقف موحد، بعضهم يطمح فقط إلى بيع البناء القديم بأعلى سعر ممكن ولا يهتم بقيمته المعمارية والتاريخية والبعض الآخر مهتم بالحفاظ على العقار ولكن ليس لديه الإمكانيات المادية لتغطية تكاليف الترميم، فيضطر إلى البيع. ولكن في حال نجاحه في إبرام عقود مع مستأجرين جدد يدفعون إيجارات عالية، يستطيع عندئذ أن يباشر ببعض الأعمال الترميمية أو على الأقل تكون فكرة هدم البناء قد أُجلت.

القانون الموجود حاليا يعود إلى عام 1938، وقد سُنَ في ظل الانتداب الفرنسي ويخص أبنية شيدت حتى الحرب العالمية الأولى فقط، أي أنه لا يشمل القسم الأكبر من الأبنية التي يتم النقاش حولها. كما قدمت مشاريع قوانين عديدة إلى مجلس الوزراء في السنوات الماضية ولم يقر أية منها في مجلس النواب. ومن المقرر أن يتم في الدورة النيابية الحالية التصويت على مشروع قانون لحماية المباني والمواقع التراثية في لبنان. وفي حوار مع جريدة النهار في بداية حزيران 2010 تفادى وزير الثقافة سليم وردة تحديد جدول زمني لطرح المشروع على المجلس.

مضاربات عقارية

مباني كرونيش بيروت المشيدة حديثاصورة من: DW/Allmeling

لا يمكن أن نفهم الجدل حول كيفية الحفاظ على النسيج المعماري التاريخي في العاصمة اللبنانية دون النظر إلى الطفرة العقارية التي تشهدها بيروت منذ حرب 2006. في التسعينات كان هناك فائض في العرض يتجاوز المائة ألف بين وحدة سكنية ومكتب(مبنى مؤسسة). أما الآن فقد أصبحت بيروت وجهة مستثمرين لبنانيين وعرب وأجانب، وأصبح هناك فائض في الطلب والأسعار ترتفع بشكل حاد وليس من المتوقع أن يتغير المشهد قريبا.

ويعطي المهندس المعماري عبد الحليم جبر صورة قاتمة عن بلاده، فالقطاع العام حسب قوله عاجز وأحيانا متواطئ مع مصالح القطاع الخاص ومعظم السياسيين ذوي النفوذ منخرطين في التطوير العقاري. رؤيته المستقبلية لتراث بيروت متشائمة : "المدينة في طريقها إلى أن تصبح مثل مدن أخرى ذات كثافة سكانية عالية، ساو باولو في جنوب أمريكا مثلا التي تعاني فوارق ومشاكل اجتماعية حادة وعنف وأزمة سير خانقة. أنا أرى بيروت في طريقها إلى أن تصبح متوحشة".

الشابة بلسم ماضي في المقابل تبدي تفاؤلها، فمن خلال نشاطها في مجموعة فايسبوك لاحظت اهتماما كبيرا بالموضوع من مختلف شرائح المجتمع: " كل يوم تصلني رسائل إلكترونية من أناس من أعمار مختلفة وذي خلفيات مهنية متبانية والكل يسأل كيف أستطيع أن أساعد."

الكاتبة: منى نجار- بيروت

مراجعة: منصف السليمي

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW