هل تحسم ألمانيا ترددها وتساهم في إنقاذ تركيا من أزمتها؟
٢٠ أغسطس ٢٠١٨
برغم نفي الحكومة الألمانية نيتها دراسة تقديم مساعدة مالية لأنقرة في الوقت الراهن، إلا أن الجدل حول ماهية هذه المساعدات وضرورتها مستمر، كما أن أزمة الليرة التركية لم تنفرج بعد. فما الدور الذي يمكن لبرلين أن تلعبه؟
إعلان
تركيا وألمانيا.. علاقات تاريخية بين مد وجزر
02:27
في خطابه المسجل الموجه للشعب بمناسبة عيد الأضحى، دغدغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مجدداً المشاعر القومية والدينية للأتراك، واعتبر الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها بلاده حالياً هجوماً على الليرة التركية يعادل الهجوم على العلم التركي أو الآذان وهدفه تركيع الشعب التركي وإذلاله، حسب قوله. أردوغان يجيد شحن العواطف ضده ومعه في آن، وبكلامه هذا كرس الصور المتناقضة التي يحب معارضوه ومؤديوه أن يرونه بها، فهو بالنسبة لمؤيديه البطل القومي الذي لا ينحني، وبالنسبة للمعارضين المتعنت الإيديولوجي الذي أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه.
بغض النظر عن الاستقطاب المتزايد داخل تركيا، والذي استطاع أردوغان توظيفه لصالحه في السنوات الماضية، يبدو كلامه هذه المرة موجهاً أيضاً للمراقبين الخارجيين. من يتابع الصحافة الأوروبية وخاصة الألمانية لا يخفى عليه أن الأوروبيين يراقبون انهيار العملة والتعثر الاقتصادي في تركيا بقلق بالغ. حتى أن بعض الأصوات من داخل الأروقة السياسية الألمانية بدأت تتجرأ وتعلو معلنة اعتراضها على سياسية واشنطن تجاه أنقرة ومعربة عن قلقها من خطر ذلك. هذا ما عكسته التصريحات الصحفية الأخيرة لوزير الخارجية الألمانية السابق زيغمار غابرييل الذي انتقد في حوار له مع "شبكة التحرير الصحفي في ألمانيا" بشكل صريح سياسة الولايات المتحدة تجاه تركيا، وقال: "علينا فعل كل ما بوسعنا للإبقاء على تركيا في الحلف الغربي" معللاً ذلك بأخطار سياسية وأمنية جسيمة قد تواجه ألمانيا وأوروبا إذا استمر الضغط على تركيا وأدى إلى انعزالها. فهل تعكس تصريحات غابرييل المزاج العام في ألمانيا؟ وهل يمكن لبرلين فعلاً أن تلعب دور المنقذ في الأزمة الحالية التي تمر بها أنقرة؟
قلق في برلين بسبب أزمة الليرة
في تصريحاته أكد غابرييل على أن طريقة تعامل واشنطن مع أنقرة لا تليق بعضو في حلف الناتو. تصريحات غابرييل تعكس في الحقيقة جزءاً مهماً من مخاوف ألمانيا أمام أزمة العملة التي تمر بها تركيا اليوم. فتركيا ليست فقط عضواً في حلف الناتو، بل العضو ذو ثاني أكبر جيش في الحلف. سياسة أنقرة اتسمت إضافة إلى ذلك بعدم الوضوح تجاه الغرب خلال السنوات الأخيرة، وظل أردوغان يلوح باحتمال تقربه من روسيا كلما ساءت الأحوال بينه وبين حلفائه الغربيين. في حوار له مع DW عربية أشار الصحفي الألماني ومراسل صحيفة دي تسايت، ميشائيل تومان، إلى ذلك وتحديداً إلى رغبة تركيا بشراء أنظمة الدفاع الجوي S-400 من روسيا، مذكراً بتلميحات سابقة للرئيس التركي تشير إلى أن تركيا قادرة على العثور على حلفاء جدد، واعتبر تومان أن "هذه هي المخاوف التي تحرك برلين اليوم".
أهمية تركيا بالنسبة لأوروبا تكمن أيضاً في موقعها الجيوسياسي بين الشرق الأوسط المأزوم وأوروبا التي تصارع لضمان استقرارها وتماسكها أمام تحديات أزمة اللاجئين القادمين في كثير من الأحيان من الشرق الأوسط. تومان أشار إلى أهمية استقرار الأوضاع في تركيا مؤكدا على أن "ما يشغل بال الحكومة الألمانية هو اتفاق الهجرة المبرم مع تركيا، ومدى التزامها بهذا الاتفاق في ظل الظروف الراهنة"
ما فرص ألمانيا في مساعدة تركيا؟
وإن كان من الصعب حتى الآن وصف أزمة الليرة التركية بأزمة اقتصادية حقيقية، فإن امتداد فترة الصعوبات التي تعاني منها العملة التركية سيمهد الطريق لصعوبات اقتصادية كبيرة بات التخوف منها يزداد يوماً بعد يوم في أوروبا وألمانيا تحديداً، وما التصريحات الرسمية للمتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت، والتي قال فيها إن "مسألة تقديم مساعدة ألمانية لتركيا ليست على جدول أعمال الحكومة في الوقت الراهن"، إنه رد أولي، وربما موارب، للحكومة حول الجدل المحتدم اليوم بشأن ضرورة أن تقدم ألمانيا مساعدة مالية لتركيا أم لا.
مراسل موقع "شبيغل أونلاين" الإخباري الألماني، ماكسيميليان بوب أشار في تعليق له على الموضوع إلى أهمية أن تحصل تركيا على مساعدة خارجية، خاصة في ظل عدم إمكانية التعويل على مساعدة مالية قادمة من روسيا، حسب رأيه، وفي ظل الديون الخارجية الكبيرة للبلاد البالغة 265 مليار يورو، والتي تجعل من الاستثمارات القطرية ذات الـ 15 مليار يورو التي وعد بها أمير قطر الأسبوع الماضي مساعدة رمزية. وتابع بوب في تعليقه "ميركل قالت إن ألمانيا لها مصلحة في الاستقرار الاقتصادي في تركيا. برأيي إن مصلحة ألمانيا في استقرار الديمقراطية هناك لا تقل أهمية عما ذكرته ميركل" وفي حوار له مع DW عربية قال بوب "المساعدة الاقتصادية لتركيا يجب أن تقترن بتعهدات يقدمها أردوغان لحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلده" ورأى في قيام السلطات التركية بإطلاق سراح بعض المعتقلين لديها لأسباب سياسية، مؤشرات على الانفراج في العلاقات التركية الأوروبية.
على كل حال، برلين على موعد مع زيارة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان يومي 28 و29 من الشهر القادم. موعد سيعطي إشارات مهمة حول قدرة الطرفين على تجاوز البرود المخيم على العلاقات منذ أكثر من عام، وقد يعطي إجابة أولية حول ماهية أي مساعدة ألمانية للحليف التركي.
ميسون ملحم
تحالف الإكراه.. أبرز محطات الخلاف بين ألمانيا وتركيا
تحاول تركيا حاليا تحسين علاقاتها مع ألمانيا، خاصة بعد تأزم الوضع الاقتصادي وتفاقم الخلاف مع الولايات المتحدة. لكن تركيا كانت غالبا هي السباقة لتعكير صفو العلاقات مع حليفها التاريخي ألمانيا، وهذه أبرز محطات الخلاف بينهما.
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Kumm
عودة المياه إلى مجاريها؟
رغم المساعي التركية الأخيرة لتحسين علاقاتها مع ألمانيا قبيل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى برلين في شهر أيلول/سبتمبر 2018. إلا أن تركيا كانت غالبا هي السباقة إلى تأجيج العلاقات مع حليفها التاريخي ألمانيا. لقاء قديم يعود لعام 2011 جمع أردوغان بالمستشارة ميركل.
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Kumm
حبس صحفيين ونشطاء ألمان
رفعت محكمة تركية الاثنين (20 أب/أغسطس 2018) حظر السفر المفروض على الصحفية الألمانية ميسالي تولو التي اعتقلت العام الماضي بتهم تتعلق بالإرهاب. وتسببت قضية تولو، بالإضافة إلى قضية الصحفي دينيز يوجيل الذي ظل محتجزا عاما كاملا، وقضية الحقوقي بيتر شتويتنر الذي احتجز لثلاثة أشهر، إلى توتر شديد في علاقات أنقرة مع برلين. ومنذ الإفراج عن يوجيل في فبراير الماضي بدأت حدة التوتر في العلاقات تتراجع نسبيا.
صورة من: picture-alliance/dap/Zentralbild/K. Schindler/privat/TurkeyRelease Germany
اتفاقية اللاجئين مع تركيا
توصلت بروكسل وأنقرة إلى اتفاق في آذار/مارس 2016، يسمح بإعادة اللاجئين إلى تركيا، بمن فيهم طالبو اللجوء السوريون الذين وصلوا إلى اليونان. وذلك بعد تدفق أكثر من مليون لاجئ ومهاجر عبر تركيا إلى دول الاتحاد الأوروبي في عامي 2015 و2016. ووافقت أوروبا على تمويل صندوق مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات يورو مخصص لأكثر من مليونين ونصف مليون لاجئ موجودين في تركيا، في مقابل وعد أنقرة بالحد من تدفقهم.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/L. Pitarakis
الاعتراف بإبادة الأرمن
ازداد تدهور العلاقات بين ألمانيا وتركيا إثر قيام البرلمان الألماني "بوندستاغ" في حزيران/يونيو 2016، بالاعتراف بتعرض الأرمن للإبادة خلال حكم السلطنة العثمانية مطلع القرن الماضي. وكذلك بعد إدانة ألمانيا المستمرة لعمليات القمع في تركيا التي أعقبت الانقلاب الفاشل على الرئيس رجب طيب أردوغان صيف عام 2016.
صورة من: Getty Images/AFP/S. Gallup
انتقادات تركية للغرب
انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الغرب في أكثر من مرة متهما إياه بعدم إظهار التضامن مع أنقرة بعد محاولة الانقلاب الفاشل. وقال إن الدول التي تخشى على مصير مدبري الانقلاب بدلا من القلق على ديمقراطية تركيا لا يمكن أن تكون صديقة.
صورة من: picture-alliance/abaca/F. Uludaglar
منح اللجوء لمعارضين تتهمهم تركيا بدعم الانقلاب
ما زاد من تدهور العلاقات المتوترة بين البلدين الحليفين في حلف شمال الأطلسي هو منح ألمانيا حق اللجوء لجنود أتراك سابقين ومن ضمنهم قيادات عسكرية، تتهمهم الحكومة في أنقرة بالتورط في محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في شهر تموز/ يوليو 2016.
صورة من: picture-alliance/dpa/C. Charisius
رفض تجميد أصول مقربين من غولن في ألمانيا
رفضت ألمانيا طلباً رسمياً من تركيا بتجميد أصول أعضاء من شبكة رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشل. وأبلغت برلين أنقرة أنه ليس هناك أساس قانوني كي يقيد مكتب الإشراف المالي الاتحادي حركة غولن وأنصاره.
صورة من: picture alliance/dpa/M.Smith
مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي
رُشحت تركيا للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي منذ عام 1999، وبدأت المفاوضات بين الجانبين حول هذا الشأن عام 2005. لكن المفاوضات تجمدت خريف عام 2016. وتعترض أغلب الأحزاب السياسية الألمانية في الوقت الحاضر على انضمام تركيا للاتحاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/T. Bozoglu
الترويج للتعديلات الدستورية على الأرض الألمانية
رفضت ألمانيا ترويج ساسة أتراك في أراضيها للتعديلات الدستورية التي أقرت عام 2017. واتهم أردوغان المستشارة ميركل آنذاك باللجوء إلى ممارسات "نازية" لمساندتها هولندا في النزاع الذي نشب بينها وبين تركيا لنفس المسالة، مما أثار استنكار ألمانيا وحمل الرئيس الألماني شتاينماير على مطالبته بالتوقف عن هذه "المقارنات المشينة".
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Steinberg
التجسس في ألمانيا على معارضي أردوغان
أعلنت رئاسة الشؤون الدينية التركية سحبها أئمة من ألمانيا، وذلك بعدما أعلنت هيئة حماية الدستور (المخابرات الداخلية الألمانية) في كانون الثاني/يناير 2017، أنها تحقق في اتهامات بالتجسس ضد اتحاد "ديتيب" الإسلامي التركي في ألمانيا. وتتهم الهيئة أئمة المساجد التابعة لـ "ديتيب" بتقديم معلومات عن معارضين للرئيس أردوغان للقنصليات التركية.
صورة من: DW/O. Pieper
الجنود الألمان يغادرون قاعدة أنجرليك التركية
رفضت أنقرة زيارة وفد من لجنة الدفاع بالبرلمان الألماني لجنود الجيش الألماني المتمركزين في قاعدة أنجرليك التابعة لحلف الناتو. وقررت ألمانيا إثر ذلك في حزيران/يونيو 2017 سحب قواتها الـ 260 الذين كانوا للمشاركة في عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" في كل من سوريا والعراق، بنقل هذه القوات إلى الأردن. في الوقت نفسه مازال جنودا ألمان يتمركزون في قاعدة تابعة للناتو في كونيا.
صورة من: Getty Images/AFP/T. Schwarz
تشبيه ميركل بهتلر وهجوم الصحافة التركية على ألمانيا
نشرت صحيفة تركية موالية للحكومة في أيلول/سبتمبر 2017، صورة للمستشارة ميركل، على صفحتها الأولى، تظهرها بشارب هتلر الشهير، ويبدو فوق رأسها الصليب المعقوف رمز النازية. وجاء التصعيد الإعلامي هذا قبيل الانتخابات التشريعية الألمانية عام 2017 وبعد المناظرة التلفزيونية بين المستشارة ميركل ومنافسها الاشتراكي شولتس، حيث دعا كلاهما إلى إنهاء المفاوضات بشأن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
صورة من: picture-alliance/dpa/L. Say
قمة جبل جليد الخلافات
شددت الخارجية الألمانية في تموز/يوليو 2017، من تحذيرات السفر إلى تركيا التي تعد مقصدا سياحيا للألمان، وذلك عقب تصاعد حدة الخلاف بين ألمانيا وتركيا وإعلان برلين عن "توجه جديد" في سياستها تجاه أنقرة.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
إيقاف تصدير الأسلحة
تصدير الأسلحة إلى تركيا يمثل إشكالية أيضا، وأوقفت الحكومة الألمانية صادرات الأسلحة لها بالكامل تقريبا خلال الأشهر الأولى من توليها المهام رسميا مطلع هذا العام. جاء ذلك بعد تزايد الانتقادات ضد تصدير أسلحة إلى تركيا إثر توغل قواتها في منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية. وكان من بين الأسلحة التي استخدمتها تركيا دبابات ألمانية من طراز "ليوبارد".
صورة من: Reuters
قضية مسعود أوزيل واستغلالها إعلاميا
أعلن مسعود أوزيل اعتزاله اللعب دوليا مع منتخب ألمانيا على خلفية الانتقادات الحادة التي وجهت إليه بسبب التقاطه صورا مع أردوغان، قبيل نهائيات كأس العالم في روسيا. واتهم أوزيل الاتحاد الألماني بالعنصرية مشددا على أنه لم تكن لديه أي "أغراض سياسية" عندما التقط الصورة مع أردوغان. فيما انتقد أردوغان المعاملة التي لاقاها أوزيل التي وصفها بـ"غير المقبولة".
صورة من: picture-alliance/dpa/Presidential Press Service
"ضمانات هيرمس"
رغم الأزمة التي مرت بها العلاقات الألمانية - التركية، ارتفعت الضمانات الألمانية لائتمان الصادرات إلى تركيا، والتي تعرف باسم "ضمانات هيرمس"، بصورة ملحوظة في عام 2017 ووصلت إلى نحو 1.5 مليار يورو. وكانت الحكومة الألمانية قد وضعت حدا أقصى للضمانات في أيلول/ سبتمبر 2017، بلغ هذا المبلغ. ورفعت ألمانيا هذا التحديد في شهر تموز/يوليو الماضي. وتعتبر ألمانيا أهم شريك تجاري لتركيا على مستوى العالم.
صورة من: picture-alliance/Hermes Images/AGF/Bildagentur-online